تعليم الفتيات في المناطق القبلية الباكستانية يساعد على مجابهة التطرف العنيف
توم أبكي و جايكوب دويل
استيقظت مريم مختيار من مبيتها في الساعة 5:30 من صباح يوم 24 نوفمبر 2015. وكونها رائدة بين السيدات الباكستانيات، كانت مختيار من أوائل السيدات اللاتي يقدن طائرةضمن صفوف القوات الجوية الباكستانية. وبعد استكمالها لتقرير مهمتها وتناولها للإفطار في قاعدة محمد محمود علم الجوية بمنيوالي في شمال باكستان، قامت بتثبيت خوذة الطيران فوق حجابها وانضمت إلى مدرب الطيران، رائد طيار ثاقب العباسي، على متن طائرة طراز K-8P، ذات مقعدين، مُعدة لأغراض التدريب والهجوم الخفيف. وكان الضباب خفيف والرياح لطيفة، وليس هناك أي علامة تبعث على القلق من إجراء الرحلة التدريبية الروتينية صباح هذا اليوم.
إلا إنه عند تحليق الطائرة فوق بلدة قريبة من كونديان، واجهت “مشكلة فنية خطيرة” وفقًا لتقارير القوات الجوية الباكستانية. وبينما كانت الطائرة K-8P تفقد ارتفاعها بشكل سريع، أصبح من الواضح ضرورة قفز الطيارين منها. وعليه، قفز عباسي من الطائرة وهبط بمظلته إلى الأرض بسلام. ولكن مختيار قررت الانتظار والبقاء في مقصورة التحكم والقيادة إلى أن تتأكد من الخروج بالطائرة من النطاق السكني. وعندما قفزت أخيرًا من الطائرة، كانت قريبة جدًا من الأرض وكان من الصعب أن تبطأ المظلة من سقوطها.
ومنذ سنة تعرضها لحادث الاصطدام المميت هذا وعمرها 23 عامًا، أصبحت مريم بطلة وطنية محبوبة معروفة باسمها الأول، وأصبحت رمزًا لما يمكن للمرأة أن تحققه في باكستان في حالة تمتعها بالتعليم وحصولها على التدريب.
وخلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام 2014، قالت مريم: “أشعر بالفخر حقًا لما أقوم به.” “وأشعر بالفخر كذلك بأن القوات الجوية أتاحت لي فرصة العمل معهم. لقد أثرت القوات الجوية على نواحي مختلفة من شخصيتي، حيث صقلتها بالإعداد والتدريب،ومنحتني هويتي الخاصة والثقة في مواجهة العالم.”
وأعربت مريم عن أملها في أن يصبح ما حققته موضع تقدير لدى الآخرين، ويدفعهم للتفكير بشأن “أخواتهم وفتياتهم” وتشجيعهم على الاقتداء بها من خلال السعي وراء تحقيق أحلامهم.

وبينما كان يُشيد الشعب الباكستاني بمريم، أوضحت الإحصاءات أن من نهجوا نهجها لا زالوا نادرين نسبيًا في البلاد. على سبيل المثال، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، يبلغ مُعدل الإلمام بالقراءة والكتابة في باكستان بين النساء 43%، بفارق كبير عن نسبة الـ 70 في المئة من الرجال الباكستانيين الذين يعرفون القراءة والكتابة. وقد لاحظ الخبراء وجود علاقة متبادلة، لا سيما في المناطق الريفية، بين انخفاض مستويات التعليم وسهولة التأثر بالتطرف العنيف. ويصر المدافعون عن تعليم الإناث أن تعليم الإناث سيساعد على زيادة استقرار الدولة وازدهارها، ونشر التسامح، وتقليل النسبة المُعرضة للتجنيد من الإرهابيين.
وقالت زهرة كانيز، المنسق الوطني لتحالف باكستان للتعليم، في مقابلة لها مع مجلة يونيباث: “يشغل بعض الفتيات الآن مهن لم يكن من الممكن للفتيات أن يشغلنها قبل عقد من الزمن؛ وهذا هو الجانب المشرق.”
واستشهدت كانيز بأمثلة ليس فقط من الطيارات المقاتلات الإناث، ولكن أيضًا من متسلقي الجبال الإناث، ومدربي الغطس العميق في البحر، وجميعهن حصلن على اهتمام وسائل الإعلام.
وأضافت كانيز “وعلى الجانب الآخر، لدينا ملالا.” أصيبت ملالا يوسفزي، وهي فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا تعيش في وادي سوات في شمال غرب باكستان، بطلق ناري في الرأس على يد طالبان في عام 2012 نظرًا لما اكتسبته من شهرة بسبب مدونتها التي كانت تدافع فيها عن حق تعليم الإناث في مواجهة عداء طالبان. وبدأت ملالا في الشفاء وحصلت على جزء من جائزة نوبل للسلام عام 2014.
قالت كانيز: “لذلك هناك موقفين قويين جدًا على طرفي نقيض،” في إشارة منها إلى المعارضين لتعليم الإناث والمؤيدين له. وأضافت: “نحن بحاجة إلى مجتمع متوازن والتعليم هو الذي يمكن له تحقيق ذلك.”
وقد توالت العديد من المبادرات لتعزيز تعليم الإناث في جميع أنحاء باكستان في السنوات الأخيرة شاركت فيها الحكومة الباكستانية، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، والجهات المانحة الدولية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تعهدت بمنح باكستان 70 مليون دولار في عام 2015 للنهوض بالتعليم كجزء من مبادرة “دعوا الفتيات يتعلمن.”
وذكر المسؤول بالإنابة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ألفونسو إي لينهاردت في بيان مُعد سلفًا: “إن الفتيات المتعلمات يصبحن نساءً رائدات يؤازرن أسرهم ومجتمعاتهم ودولهم.” “ومن خلال زيادة إمكانيات الحصول على فرص التعليم خلال المرحلة الحرجة من المراهقة، سيكون بإمكان هذه المبادرة تغيير الحياة في باكستان، وتمكين الفتيات الشابات من التغلب على الحواجز، وانتشال أنفسهن من الفقر.”
لقد ساهم أحد البرامج والمدعوم جزئيًا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مشروع تعزيز تعليم الفتيات في بلوشستان، في تحسين فرص الالتحاق بالتعليم لما يزيد عن 33000 فتاة منذ عام 2010، وذلك وفقًا لاحصائيات البنك الدولي. وتقدم المبادرة، التي أوضحتها كانيز، دليلًا ملموسًا على أن تعليم الفتيات يعود بالفائدة على المجتمعات.
وقالت كانيز أنه “في ولاية واحدة من بلوشستان، وهي منطقة فقيرة متدينة، وجدوا أنه عندما تجد النساء فرص عمل، تتأكد الأسر أن تعليم الفتيات يعد أمرًا ضروريًا، وبهذه الطريقة يصبح التعليم ذات قيمة للفتيات.” وأضافت: “هذه هي التجارب التي تبين أنه عندما يرتبط التعليم بالازدهار، سيرغب الأشخاص في توفيره لفتياتهم.”
وحينما تبدأ المجتمعات في تقدير قيمة النساء المتعلمات، تتأثر عادات الزواج وتربية الأطفال أيضًا.
وأضافت كانيز أنه “في يومنا هذا، يرغب معظم الشباب في الزواج من فتيات متعلمات وجديرة بالحصول على وظيفة.” “وبالتالي يمكنهم توفير مزيد من المال لأسرتهم. والأهم من ذلك، أنه عندما تكون الأم متعلمة ومثقفة، يمكنها نقل هذه المعرفة بالفعل للأطفال، مما سيعود بالفائدة والنفع على جميع أفراد الأسرة.”
ويعيش نحو 65 في المئة من سكان باكستان في مناطق ريفية، وفي مثل هذه المناطق يكون تعليم الفتيات في أدنى مستوياته، وذلك وفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم بباكستان. إن الأحياء التي تضم أكبر تجمع من السكان الريفيين، وإقليم بلوشستان، والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية شهدت معظم نشاط حركة طالبان، وهي جماعة إرهابية تتبع تفسير متطرف للإسلام يعارض بشدة تعليم جميع الإناث.
وكجزء من الجهود المبذولة في مشروع تعزيز تعليم الفتيات في بلوشستان لتوسيع نطاق تعليمهن، يتم إعطاء الأولوية للفتيات من داخل مجتمعات المنطقة عند تعيين مدرسات جُدد، وبالتالي “إنشاء قدوة أو مثل أعلى جديد للفتيات، والتأثير على التصورات المتعلقة بدور المرأة في المجتمع.”
