استراتيجية مكافحة الإرهاب بعد هزيمة داعش يجب أن تحمي الأطفال والأرامل من أن يصبحوا جيلاً إرهابياً جديداً
أ.م.د. حسين علاوي
رئيس مركز اكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية

رئيس مركز اكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية
يبدو أننا اليوم عندما سنقتل آخر إرهابي من كيان داعش الإرهابي لن نكون قادرين على قتل الفكر الذي نشأ في كنفه داعش، و ستكون براعم داعش قابلة للنمو مرة أخرى بصور مختلفة وكأنها كائن طفيلي ينفصل عن الظاهرة الأم، لكنه سيكون خلية برعمية جديدة تثير القلق وعدم الاستقرار الأمني من جديد للعراق والعالم.
لذلك نحن اليوم بحاجة إلى التفكير بمخاطر وآثار كيان داعش الإرهابي في العراق بعد نجاح التحالف الدولي في فصل جبهة العراق عن جبهة سوريا، وهو نجاح كبير تكلل بإجتماع التحالف الدولي في واشنطن 2016، والذي وضع الخطوط العامة لعملية تحرير الموصل، والمساعدات الإنسانية الطارئة لدعم العمليات العسكرية، وكان مؤتمراً مسانداً بصورة عالية للعراق، وشعبه، وحكومته.
ان التحالف الدولي يلعب دور أساسي مع الحكومة العراقية في دحر كيان داعش الإرهابي وآثاره السيئة، وهنا لا بد من تبادل الأفكار في هذه المقالة حول مشروع مواجهة المراهقين أو ما يسمى (طيور الجنة) والأرامل السوداء، وهذا يتطلب التفكير من قبل الحكومة العراقية والحكومات المحلية للمدن المحررة لوضع برنامج جديد لمكافحة الإرهاب والتصدي لآثار كيان داعش الإرهابي على المجتمعات المحلية. إننا نتطلع في مرحلة ما بعد سقوط داعش الإرهابي عسكرياً كقوة قتالية انحسر وجودها في العراق لمعالجة الآثار التي من الممكن أن تهدد الأمن الوطني العراقي من جهة، وتعد عامل خطر على الأمن العالمي من جهة أخرى.

ان الحقائق العديدة التي استطاع جهاز مكافحة الإرهاب الحصول عليها بالوثائق والمستندات كالمناهج الدراسية تدل على حرص كيان داعش الإرهابي على غرس الروح العدوانية لنشوء أجيال إرهابية جديدة، هذه الأجيال ستعمل على عدم استقرار المنجز العسكري والأمني والسياسي في المناطق المحررة، مما يجعل المناطق المحررة محط استمرار لعميات كيان داعش الإرهابي التي تحاول النيل من الدولة العراقية، وبالتالي محاولة ملئ الفراغ في بعض المدن التي تتواجد بها بقايا كيان داعش الإرهابي من المبايعين والدعاة والمتعاطفين والمترددين، وهذا سيعطي الأمل لهذا التنظيم الإرهابي في العودة بشكل جديد.
إن ابتكار برنامج وطني – دولي بسبب قلة الموارد والمعرفة في معالجة آثار كيان داعش الإرهابي سيعطي الفرصة للعراق حكومة وشعبًا لمواجهة الإرهاب والتصدي له بصورة فعالة، كوننا لن نرتكز بعد الآن على العامل العسكري؛ وإنما على العامل الفكري – الاجتماعي لمعالجة الآثار، وهذا سيتم من خلال التعاون الدولي مع دول التحالف الدولي في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، وألمانيا، واليابان وغيرها من الدول ضمن التحالف الدولي في دعم البرنامج الوطني – الدولي لمواجهة آثار داعش، والمتمثلة بالمراهقين الذين قد يتحولون إلى انتحاريين، وانغماسيين، ومقاتلين يمارسون القتل الإجرامي تجاه الشعب العراقي عبر عمليات إرهابية في المدن المحررة أو حتى المدن المستقرة، إضافة إلى تفعيل دور الأرامل في العمليات القتالية لكيان داعش الإرهابي، والاستفادة من الأطفال المعزولين اجتماعياً لخلق جيل جديد متطرف وإرهابي بنفس الوقت.
سوف تؤرق براعم داعش العراقيين والمجتمع الدولي على حد سواء، وهنالك سؤال يدور في جعبة محللي الاستخبارات والعاملين في حقل مكافحة الإرهاب، من هم براعم كيان داعش الإرهابي؟
اعتمدت داعش لفترة طويلة على نموذج الذئاب المنفردة لبناء هجماتها ذات الزخم الكبير في إثارة الذعر وعدم الاستقرار، وهو بذلك يعتمد على الأفراد المقاتلين المجندين والمتعاطفين مع فكر داعش عبر نظرية الذئاب المنفردة، ومن خلال توفير التدريب وصناعة المقاتل سواء في الميدان العسكري التقليدي في ميدان الحرب التقليدية مثل العراق، وسوريا، وليبيا، أو في الميدان الافتراضي عبر السوشيال ميديا والمنصات الالكترونية المجانية المليئة بالدروس النظرية والعملياتية لصناعة القيادة، والعمليات الانتحارية، والمواد المتفجرة، وخطط الاتصال، والعيش في الظروف غير الطبيعية، إضافة الى الإعداد الروحي والعقائدي للحث على العمليات الإرهابية.
تجنيد الأطفال
هناك حقيقية جديدة ومرعبة بعد الإطلاع الأدلة الجديدة التي جمعت من قبل الأمم المتحدة، والتي كشفت أن كيان داعش الإرهابي استطاع تجنيد 900 مراهق تتراوح أعمارهم بين 8 – 14 عاماً، وهم تدربوا على الدروس الروحانية، وقاموا كذلك بتعلم الأساليب القتالية ووسائل إدارة الحياة في الظروف غير الاعتيادية عبر ترجمة كتاب تابع إلى القوات الخاصة الأمريكية بواقع أكثر من 300 صفحة الى اللغة العربية. فضلاً عن ذلك، أكدت وثائق عديدة حصلنا عليها من مواقع التواصل الاجتماعي على قيامهم بتهيئة مناهج تدريبية جيدة قادرة على استخدام المراهقين في إطار الهجمات الإرهابية عبر ما يعرف بعَقِيدَة (طيور الجنة)؛ وبالتالي التهديد الأكبر على العالم اليوم هو أن يتم استخدام الـ 900 مراهق، خصوصاً وأنهم ليسوا عراقيين أو سوريين فحسب، وإنما خليط من جنسيات متعددة.إنه أمر محزن للغاية أن تجد مراهقين يتركون مقاعد الدراسة ويذهبون إلى أتون الحرب القاتلة لحياتهم وشبابهم المقبل.إن مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر نيسان، أيار، حزيران 2016 تؤشر خطورة موقف استخدام المراهقين بصور متعددة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، ففي غرب العراق ما يزال الهاربين من مدينة الفلوجة يؤكدون أن كيان داعش الإرهابي احتجز العديد من المراهقين للعمل معه كمقاتلين بعد خسارته، وعدم قدرته على جذب المجندين بصورة كبيرة، ولذلك بدأ يلجأ إلى المراهقين من أبناء الفلوجة لقتال القوات العسكرية العراقية في جهاز مكافحة الإرهاب والقوات العسكرية العراقية، كما أن المعلومات التي أدلت بها النساء الأمهات لهؤلاء المراهقين أشارت أن داعش قد منحت حوافز وامتيازات لعوائل المراهقين المحليين المنتمين للقتال في كيان داعش الإرهابي، وخصوصاً ان أفلام داعش الوثائقية عن ولاية الفلوجة بثت مشاهد لانتحاريين مراهقين وانغماسين في بعض المقاطع لشهر حزيران 2016.
أما المؤشرات الصورية في الموصل، فتشير الأنباء إلى اعتماد كيان داعش الإرهابي على المراهقين والأطفال من خلال بثه تطبيق خاص بتجنيد الأطفال،

فبتاريخ 10 ايار 2016 أصدر تنظيم داعش تطبيقًا تحت اسم (تطبيق حروف) للهواتف التي تعمل بنظام أندرويد، والتطبيق مخصص لتعليم الأبجدية العربية للأطفال، ويروّج هذا التطبيق لرسائل جهادية موجهة للأطفال حيث يتضمن التطبيق ربطًا ما بين الحروف وكلمات جهادية مقابلة لها مثل م …. “مدفع”، ب … “بندقية”، د …. “دبابة”، ص … “صاروخ”، التطبيق تم حذفه من قبل شركة (Google) ولكن مازالت هناك كثير من الروابط لتحميل التطبيق في مواقع كثيرة لهذا وُجب التحذير من محاولة تحميلة بحجة تعليم الاطفال.
إن العالم في خطر أكبر بعد توارد مؤشرات بيانية على معسكرات داعش الإرهابي، إذ أن المراهقين سيكونون قنبلة موقوتة، ولقد توصلنا إلى ذلك من خلال الأدلة التي جمعت أثناء معارك محافظة صلاح الدين في العراق في العام الماضي 2015، ومحاولات كيان داعش الإرهابي تشتيت تركيز عمل القوات المسلحة العراقية وجهود التحالف الدولي في عملية تحرير مدن صلاح الدين من خلال زج الانتحاريين المراهقين في أحد الأحياء الشعبية للهجوم على إحدى الحسينيات الشيعية في منطقة البياع في العاصمة بغداد. وقد قام أحد المراهقين بتسليم نفسه إلى القوات الأمنية العراقية بعد شعوره بالذنب، واتضح أنه سوري الجنسية. كما أن معارك مدينة كبيسة في الأنبار مؤخراً كشفت عن مشاركة انتحاريين مراهقين ضمن العمليات الانتحارية بالسيارات المفخخة، والتي حاولت إعاقة تقدم القوات العسكرية العراقية في جهاز مكافحة الإرهاب، وهذا ما يجعل أجهزة الاستخبارات بحاجة الى إحصاء هؤلاء، وتتبع آثارهم حتى بعد استعادة مدينة الموصل والرقة، فهم سيبقون مُدرّبين وجاهزين للاستشعار والقيادة من خلال قيادات داعش الحركية التي سوف تعطيهم الأوامر للقيام بعمليات انتحارية وانتقامية، سواء في مدن العراق، أو سوريا، أو ليبيا، أو تحريكهم بإتجاه دول أوربا، والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي ستكون أهدافاً جديدة لخلايا داعش.
النساء كإرهابيات
أما أرامل مقاتلي داعش فهي تطور كبير في عمل كيان داعش الإرهابي، أي ما يعرف اليوم بظاهرة الأرامل السوداء حيث تقوم فتاة ترتدي ملابس سوداء بتنفيذ عملية إرهابية بصورة منفردة، دون أن تنتمي إلى تنظيم محدد، وهذا النوع من الارهاب شهدته روسيا، كما شهدت الإمارات في واقعة ديسمبر 2014، تحاكي هذا النمط وعرفت إعلامياً باسم “شبح الريم”، حيث سعت فتاة إماراتية لاغتيال أجانب يعملون في الإمارات بقنابل يدوية، وقد تحولت شبح الريم إلى “إرهابية إلكترونية” كما كشفت التحقيقات من خلال نشاطها على موقع يسمى “المنبر الإعلامي”، وكانت تروج لاستهداف مؤسسات الدولة في الإمارات، وتنشر مقاطع فيديو خاصة بكيفية صناعة القنابل وفقاً لما نشرته الصحافة حول اعترافات شبح الريم بالصوت والصورة في جريدة الاتحاد الإماراتية، 15 أبريل 2015. فالمعلومات الاستخبارية تشير إلى أن مقاتلي داعش الذين قتلوا في ساحة الصراع خَلفوا نساء أرامل، وأطفال مراهقين هم الآن في العراق، وسوريا، وليبيا، وفي الغالب هم مواطنين محليين، وترجح أغلب التحليلات احتمالية استغلال كيان داعش الإرهابي للأرامل كأداة مهمة في إدارة العمليات القتالية والانتحارية خلال المرحلة المقبلة، والتي قد تشهد تشظى مقاتلي داعش الإرهابي عن ساحة الصراع الأساسية، لذلك سيكون من السهل النفاذ والتغلغل عبر بناء شبكة كبيرة من النساء بقلوب ممتلئة بالحقد والضغينة على الحكومات والمجتمعات المحلية، وبالتالي فإن إحياء دور الأرامل في المعارك العسكرية للمرحلة المقبلة يفسر لنا الحديث عن نظرية الأرامل السوداء. فالنظرية تقول أنه من الممكن استخدام النساء في العمليات القتالية عبر خلايا عنقودية، أو إدارة الخطوط الخلفية للعمليات الإرهابية الانتقامية، وهنا ستكون مشاعر الحقد والكراهية والنقمة على الحياة المدنية مفيدة جداً لكيان داعش، وسيقوم الدواعش باستخدام الأرامل في معارك غير متوقعة، أو بناء عمليات انتحارية أو نسجها بصورة متكاملة، وهذا ما سيجعل من ميدان الصراع معقدًا إلى حد كبير.
إن عدم وجود برنامج لمكافحة الإرهاب لما بعد انتهاء المعارك في العراق وسوريا سيعطي الفرصة لكيان داعش الإرهابي لإعادةإاحياء أجيال جديدة للإرهاب تعتمد على بيئات المجتمع المحلي وتتكيف معه، وبالتالي فإن المراهقين والأرامل سيكونون خلال المرحلة المقبلة إحدى أهم الأدوات الأساسية لكيان داعش الإرهابي أو التنظيمات الإرهابية الأخرى. إن قدرة الحكومة العراقية والتحالف الدولي عبر الولايات المتحدة الأمريكية لإدارة المحافظات التي عانت من سيطرة كيان داعش الإرهابي ستكون في ميزان التقييم.
معالجة المشكلة
إن النجاح في التقرب من السكان المحليين سيوفر كمية كبيرة من المعلومات يمكن تحليلها لمنع استخدام داعش للسلاحين الفتاكين: المراهقين والأرامل خلال المرحلة المقبلة، وستساعد العدالة وتوزيع الخدمات وتحسين الاقتصاد المحلي في اندماج بعض الذين غُرر بهم من كيان داعش الإرهابي للانضمام اليه، ولكن العودة والارتداد عن متابعة حالة المحافظات العراقية، والتركيز على الأمن، والأدوات العسكرية سيسهل عودة استخدام هاتين الأداتين من قبل كيان داعش الإرهابي، وهو معناه تهديد للامن الدولي.
إننا اليوم بحاجة إلى برنامج متقدم لحصر هذه الظاهرتين المولدتين إلى أجيال جديدة للارهاب قد يستخدمها كيان داعش الإرهابي أو غيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، ولذلك هناك تطلع إلى تعامل الحكومة العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب والتحالف الدولي من أجل بناء برنامج وطني – دولي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وموجه إلى هذين الشريحتين من بقايا كيان داعش الإرهابي من خلال الاتي:

إرهابي بسيارة مفخخة في الموصل. مكافحة الأرهاب