القوات البحرية تتصدى للتهديدات التي تواجهها الملاحة والبنى التحتية
الدكتور ثيودور كاراسيك ونادين مزرعاني مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري
يمر نحو خُمس إمدادات النفط العالمية سنوياً من مضيق هرمز. وهذا يجعله من بين أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم. غير أن تلك الخطوط الملاحية، إلى جانب الموانئ والمنشآت النفطية في شبه الجزيرة العربية، تتعرض لتهديد القرصنة، والإرهاب والنشاط العدواني للدول المارقة. فمن شأن هجوم على أي من هذه أن تكون له تداعيات على الاقتصاد العالمي والاستقرار الإقليمي.
إن زيادة الاتجار في الأسلحة، والمخدرات والبشر، وازدياد هجمات القراصنة في البحر، وتصاعد خطر النشاط الإرهابي في البر سوف تُمكّن القاعدة وشركائها بتوسيع مسرح عملياتهم. بل إن ذلك من شأنه أن يشجع قراصنة المستقبل على تقليد التكتيكات الصومالية واستحداث تهديد جديد بالقرصنة عبر الحدود الوطنية. وينذر قرب هؤلاء القراصنة أن دول الخليج العربي ستتحمل العبء الأكبر من هذه التحديات. لقد أدرك زعماء المنطقة هذه التهديدات وقطعوا أشواطاً لمعالجة القضايا قبل ظهورها.
قال سافيو بيريرا، الذي يدير الاكتتاب البحري لشركة ناسكو كاراوغلان دبي، وهي من شركات التأمين الرائدة في المنطقة، إنه “لا يمكن التقليل من شأن الأهمية الاستراتيجية للمياه حول الخليج العربي. فقد أصبح الخليج محوراً للشحن البحري لكثير من الدول، حيث تمتد البضائع المنقولة من النفط إلى أية كمية من السلع المتجهة من وإلى أوروبا، والهند، والولايات المتحدة والدول الأسيوية المطلة على المحيط الهادئ وجميع الدول فيما وراءها وفيما بينها. لقد أصبحت دبي ميناء ضخماً، التاسع في العالم بالفعل من حيث حركة الحاويات ويتزايد حجمه بسرعة مثلما يحدث في موانئ الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، لا تزال القرصنة مصدر قلق كبير، رغم زيادة التدابير الأمنية”.
الإمارات العربية المتحدة تتصدى للقرصنة
منذ فجر الملاحة البحرية، تسلل القراصنة إلى مياه الخليج العربي، وهاجموا السفن وداهموا البضائع، واختطفوا الركاب والبحارة. ويستمر هذا النمط فيما يهدد قراصنة القرن الواحد والعشرين مصالح دول الخليج العربي التي تُعتبر التجارة البحرية شريان حياتها الاقتصادية. لكن هجمات القراصنة انخفضت بنسبة 33 بالمائة على الصعيد العالمي في عام 2012، وذلك بفضل الجهود الإقليمية. كما انخفضت الهجمات في خليج عدن القريب– الذي يربط الموانئ العربية بالبحر الأبيض المتوسط– بنسبة 60 بالمائة.
لقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة إدراكاً جيداً خطر القرصنة والإجراءات المطلوبة لسحقها، خاصة أن موانئها الحافلة بالنشاط وشحناتها الهائلة من النفط باتت على المحك.. ففي حزيران/ يونيو 2012، على سبيل المثال، دعت دولة الإمارات شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي إلى تشكيل قوة بحرية مشتركة لمكافحة القرصنة مُتَمِّمَة لقوة درع الجزيرة البرية التابعة للمجلس.
وفي شهر شباط/ فبراير، شاركت الإمارات في استضافة الطليعة 2013، وهي إحدى تدريبات مبادرة أمن الانتشار المتعددة الجنسيات. صقلت ثلاثون دولة- من بينها البحرين، والأردن، والمملكة العربية السعودية واليمن – قدراتها التعاونية بالتدرب على تكتيكات زيارة، واعتلاء، وتفتيش ومصادرة السفن وغير ذلك من العمليات البحرية.
وفي نفس الشهر،عرضت الشركات أحدث تقنيات الأمن البحري والمعدات البحرية في معرض نظم الدفاع البحرية نافديكس 2013، وهو معرض أقيم في أبو ظبي. وأشار السفير الإيطالي جورجيو ستاراتشى، “سوف تصبح دولة الإمارات المركز المرجعي في مجال الصناعات الأمنية، والدفاعية والعسكرية”.
وقد دأبت دولة الإمارات على تعزيز قدرات الدول الأكثر تضرراً، خاصة جزر سيشل. فسلمت الجزيرة زورقي دورية طول كل منهما 30 متراً وثلاثة زوارق استجابة سريعة. وموّل الإماراتيون أيضاً بناء مقر قيادة خفر السواحل الجديد بالجزيرة بتكلفة 15 مليون دولار. وأرجع المسؤولون في خفر السواحل الفضل في نجاح هجوم مضاد على القراصنة الصوماليين في نيسان/ إبريل 2011 إلى الدعم الإماراتي. ولقد أسفر الهجوم عن إنقاذ أربعة رهائن من سيشيل، وإلقاء القبض على خمسة قراصنة وقتل آخر.
وعلاوة على المعدات، توفر دولة الإمارات التدريب والدعم اللوجستي الذي عزز بدرجة كبيرة قوات الشرطة البحرية في إقليم بونت لاند في الصومال . كما قامت دولة الإمارات بإرسال مفاوضين من أبو ظبي للمساعدة في تحقيق الاستقرار في هذه الدولة الواقعة في شرق إفريقيا التي مزقها القراصنة.
الجهود الإقليمية
حظيت سلطنة عُمان بالإشادة من البحرية الهولندية في تموز/ يوليو 2012 لدورها في عملية درع المحيط التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، التي حررت سفينة صيد عُمانية وألقت القبض على سبعة قراصنة. وفي آذار/ مارس 2013، أشاد الأميرال غارسيا دى بيريتس، قائد القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في الصومال، بقائد البحرية العُمانية لما أبداه من “تعاون قوي” بين القوتين البحريتين في “مواصلة الضغط على القراصنة”.
وتواصل مملكة البحرين استضافة القوات البحرية المشتركة. وتركز هذه القوات التي تشارك فيها 27 دولة على “هزيمة الإرهاب، ومنع القرصنة، وتشجيع التعاون الإقليمي وتعزيز بيئة بحرية آمنة”. وقد أدرجت وسائل ردع وهزيمة خطر القرصنة في المنطقة على جدول أعمال المؤتمر السابع والعشرين للوعي المشترك وتفادي التضارب، الذي استضافته القوات البحرية المشتركة في مقرها بالبحرين.
في شباط/ فبراير 2013، اختتمت المناورات الحربية درع الجزيرة 9 في الكويت. وقد اشتملت المناورات على عمليات تدريب لمجلس التعاون الخليجي في إطار نظام مشترك للدفاع البري، والبحري والجوي، كماتضمنت مناورات بحرية في شمالي الخليج. اختبرت المناورات التي استمرت 17 يوماً القدرات التوافقية بين القوات العسكرية لدول المجلس الست، وعززت الأمن الجماعي بينها. وفي حين أكد قائد القوة اللواء الركن مطلق بن سالم الأزيمع أن المناورات مجدولة مسبقاً ولم تكن رداً على الأحداث الأخيرة، وتوقيتها مع الأحداث كان مصادفة.
وبصفتها دولة ساحلية قريبة، أقامت باكستان شراكات لتعزيز الأمن البحري في الخليج، وقامت بمهام دولية وعقدت روابط عميقة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وهذه الشراكة جلية في التدريبات المشتركة التي أجريت بين قوات البحرية الباكستانية والقوات البحرية لدول المجلس. كما يعمل ضباط من البحرية الباكستانية مع البحرية الإماراتية في دوريات بأعالي البحار، ويساعدون في تأمين شواطئ أبو ظبي. وفي كانون الثاني/ يناير 2013، أجرت القوات البحرية الملكية السعودية والقوات البحرية الباكستانية تدريب نسيم البحر العاشر، الذي اشتمل على مكافحة الإرهاب، ومكافحة القرصنة في البحر وقتال التحام يحاكي عمليات اعتلاء فعلية لسفن القراصنة. وكان الهدف من التدريبات زيادة القدرات التوافقية في كل من مجالي الحرب التقليدية والحرب غير التقليدية. وفي آذار/ مارس 2013، استضافت كراتشي تدريب أمان-13، وهو تدريب متعدد الجنسيات لقوات بحرية من 34 دولة. ساهمت القوات البحرية الباكستانية والإماراتية بسفن، وأرسلت البحرين، وقطر، والمملكة العربية السعودية وعُمان مراقبين. وكان الهدف من وراء هذه التدريبات المتعددة الجنسيات تعزيز التعاون والاستقرار الإقليمي، وتطوير قدر أكبر من العمل التوافقي المشترك، وإظهار عزيمة موحدة ضد المجرمين في البحار الذين يشكلون تهديدات تقليدية وغير متكافئة.
التهديدات الناشئة
إن تهديد الألغام البحرية مازال يشكل خطراً ، الامر الذي استدعى بذل جهود حثيثة للتأكد من الحفاظ على مضيق هرمز آمناً وخالياً من الألغام. فالعناصر الخبيثة تحاول باستمرار زرع ألغام بواسطة زوارق سريعة، وتقوم بعمليات بحرية غير تقليدية مستخدمة تكتيكات الكر والفر.. ونظراً لأن تلك العمليات تشكل تحدياً خطيراً، باتت العمليات المضادة للألغام التي يقوم بها التحالف أكثر إلحاحاً.
برزت عمليات الأمن البحري وحماية البنى التحتية البحرية في التدريب الدولي للإجراءات المضادة للألغام في أيار/ مايو 2013. وبناء على النجاح الذي حققته تدريبات 2012، قامت قوات بحرية من أكثر من 40 دولة بطائفة واسعة من العمليات الدفاعية. فتدرب المشاركون على التدابير المضادة للألغام السطحية، وعلى عملياتصيد الألغام والتدابير المضادة للألغام المحمولة جواً، والتدريب الدولي على التخلص من الذخائر المتفجرة، وعمليات الغوص، وتدريبات الزوارق الصغيرة، وعمليات الطائرات بدون طيار، وعمليات الغواصات غير المأهولة وعمليات تطهير الموانئ. وتضمن مثل هذه التدريبات التعاون والعمل التوافقي المشترك، وتعزيز التدريبات المستقبلية المتعددة الأطراف، وتشكل أساساً للتعاون في المستقبل.
نهج الأمن الجماعي
قال الجنرال جيمس إن. ماتيس، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية في بيان عن وضع القوات عام 2013، “لقد أثبتت دول الخليج رغبتها في العمل فيما بينها وبين الشركاء الدوليين لمجابهة التأثير الضار في المنطقة وضمان حرية التجارة”.
في الحقيقة، إن قدرات بعض دول مجلس التعاون الخليجي في مكافحة القرصنة أصبحت واضحة بالفعل: ففي 2 نيسان/ إبريل، 2011، داهمت قوة إماراتية خاصة لمكافحة الإرهاب، تعززها وحدات من سلاح الطيران، ناقلة البضائع MV Arrilah-I، التي كان القراصنة قد استولوا عليها في بحر العرب. وتم إنقاذ جميع الرهائن، واعتقال القراصنة. ويمكن أن تعمل هذه العملية كأساس لنهج أمن جماعي يعزز التنسيق والتنفيذ من خلال تطوير الحرف البحرية المتخصصة.
إن زيادة القدرات العملياتية، وتقلد القيادة في التدريبات، والتمارين الإقليمية المشتركة تبين التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالأمن البحري. غير أن التكنولوجيا والعمليات البحرية وحدها ليست كافية لتأمين أعالي البحار.
فإضافة إلى استكمال جهود القوات المتعددة الجنسيات، تستطيع الدول العربية الإقليمية ربط العمليات النشطة بالنفوذ السياسي في المعركة ضد القرصنة الصومالية. فالأسر التجارية في دول مجلس التعاون الخليجي لديها تاريخ طويل في التعامل التجاري مع الصوماليين وتفهم النظام العشائري الصومالي، الذي يهيمن بدرجة كبيرة على البنية الاجتماعية والتجارية للقرصنة الصومالية.
توفر هذه الروابط القديمة فرصة فريدة لزيادة التعاون بين شبه الجزيرة العربية والتجار الصوماليين من خلال العلاقات الشخصية وعلاقات الأعمال. فمثل هذه الشراكة الإقليمية يمكن أن تفعل الكثير في ردع خطر القرصنة عن طريق تطوير صناعات رئيسية، وتوفير سبل معيشة بديلة للمجتمعات الساحلية في الصومال. ولكن سواء عملت دول المجلس منفردة أو مجتمعة، فإن الفشل في التصدي لوباء القرصنة الصومالية سوف يؤدي فقط إلى خلق مشاكل أكبر للمنطقة.
تحديث الأسطول
أعرب تنظيم القاعدة وشركاؤه عن عزمهم على مواصلة مهاجمة العمليات البحرية ومنشآت النفط البحرية. وإضافة إلى تعزيز شراكاتها، زادت دول مجلس التعاون الخليجي استثماراتها في العتاد العسكري والأمن البحري لمواجهة هذا الخطر.
وتعزز دولة الإمارات العربية المتحدة قدراتها البحرية عن طريق تركيب أحدث أنظمة الاتصالات بالأقمار الصناعية في طراداتها بينونة من طراز كورفيت، وشراء قاذفات قنابل معدلة من طراز دي إتش سي-8 لتحسين دورياتها البحرية. كما تسلمت البحرية الإماراتية طراد أبو ظبي من طراز كورفيت، وأول زورق دورية من طراز فلاج 2. وتتميز هذه السفن، التي تستطيع العمل في المياه الضحلة، بتصميم “شبحي” خفي يجعلها أقل وضوحاً على شاشات الرادار؛ ويمكنها أداء طائفة من المهام، من الدوريات والمراقبة إلى الدفاع الأرضي والجوي.
خصصت المملكة العربية السعودية أموالاً لتحديث بحريتها. في الواقع، تقوم المملكة بتحديث مروحياتها الأوروبية من طراز كوغر، واشترت ثلاث مروحيات من طراز AS565 MB Panthers. وتعمل هذه المروحية الخفيفة من على ظهر السفن وتستطيع الدخول في حرب مضادة للسفن، وحرب مضادة للغواصات، والقيام بعمليات تفتيش وإنقاذ، ونقل قوات، ودعم لوجستي وإجلاء طبي في دائرة يصل نصف قطرها إلى 250 كيلومتراً (155 ميلاً).
وتخطط قطر للتوسع في عملياتها الساحلية، بينما تخطط سلطنة عُمان لشراء زوارق جديدة لوحدتها البحرية الخاصة التي ستقوم بمهام تدخل وإنقاذ في حالات الطوارئ والدفاع الكيماوي، والبيولوجي والإشعاعي والنووي. وفي نفس السياق، تسعى سلطنة عُمان لتعزيز حماية قواعدها البحرية. وتستثمر الكويت 540 مليون دولار لتمكين
خفر السواحل من حماية البنى التحتية التي تشمل ميناءها الضخم الجديد مبارك الكبير.
Comments are closed.