في ظل تبني داعش لأساليب تكتيكية يائسة، يجب على قوات التحالف الاستعداد باستمرار
أسرة يونيباث | صور من وكالة فرانس بريس/ صور غيتي
لا يخفى على أحد أن أيام داعش في ساحة القتال أصبحت معدودة: فقد فقدت الجماعة الإرهابية مساحات شاسعة من الأراضي في الأشهر الأخيرة، حيث حررت قوات الأمن العراقية الموصل، آخر معقل رئيسي للجماعة في العراق.
ونظرًا لتزايد حالة اليأس الشديد التي تمر بها داعش، فقد أبدت ما ينم عن استعدادها لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على الأرض التي تسيطر عليها. وقامت الجماعة بهدم البنى التحتية الحيوية في الموصل وأستخدمت المدنيين الأبرياء دروعاً بشرية وزودت الطائرات بدون طيار بأجهزة متفجرة، مما شكّل تحديات صعبة أمام القوات العراقية وقوات التحالف وهي تقاتل من أجل تحرير المدينة المكتظة بالسكان.
في ضوء ذلك، أشار الفريق أول الركن العراقي طالب شغاتي الكناني في مقابلة أجراها مؤخرًا مع يونيباث إلى محاولات داعش “لاقتياد المدنيين إلى منازل مهجورة” لعرقلة تقدم القوات المحررة.

وذكر الفريق أن داعش تهدف –في ظل خسارتها للأرض بوتيرة مستمرة وسريعة- إلى تدمير البنية التحتية للموصل وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين قبل الاستسلام. وقد خضع جهاز مكافحة الإرهاب العراقي المدرب تدريبًا عاليًا لتدريب متخصص على الحرب في المدن ووضع قيودا على استخدام الأسلحة الثقيلة حين أدرك الحاجة إلى عمليات دقيقة للحد من الخسائر التي تلحق بصفوف المدنيين. كما سعى الجهاز إلى الحصول على الدعم الجوي من قوات التحالف من أجل الاستطلاع واستهداف طائرات داعش. وفي ظل إضافة أجهزة استشعار ومنصات وتقنية توجيه جديدة، يمكن لصواريخ هيلفاير الآن تعقب الأهداف الأرضية وتوجيه ضربات دقيقة للغاية من الجو باستخدام طائرات بدون طيار.
التصدي لأسراب الطائرات المسيّرة
تمكنت داعش – رغم قلة مواردها – من تشكيل تهديد على قوات التحالف من خلال تسليح الطائرات المسيّرة المتوفرة تجاريًا. ووفقًا لموقع ديفينس وان الإخباري، ذكر الفريق ريموند أنتوني توماس الثالث، قائد قيادة العمليات الخاصة الأمريكية أن هذه “الطائرات المقاتلة” تشكل تحديًا فوريًا. على الرغم من أن تلك الطائرات قد تكون غير دقيقة الأصابة أو غير خطيرة مثل الطائرات المسيرة المزودة بأسلحة حديثة، إلا أنها يمكن أن تجرح او تقتل. والأسوأ من ذلك، أن تلك الطائرات الصغيرة يصعب أسقاطها من خلال إطلاق النار.
وقد اتخذت القوات العراقية وقوات التحالف وسائل متعددة للتغلب على هذه العقبة، حيث يجري استخدام التقنيات الحديثة والتي تستطيع التقاط إشارات الطائرات المسيّرة والتشويش عليها، وتم تعديل صواريخ ستينغر التي تحمل على الكتف لاستهداف “الأهداف الصغيرة والمراوغة”. وبفضل “فتائل التفجير عن قرب” التي تنفجر عند وجود أهداف محمولة جوًا في مكان قريب، يمكن لصواريخ ستينغر الآن استهداف الطائرات بدون طيار بالإضافة إلى قذائف الطائرات وقذائف كروز. وفي الوقت نفسه، قام الجنود العراقيون بتزويد أجهزة التحكم عن بعد بقنابل يدوية عيار 40 مليمتر عند استخدام الطائرات بدون طيار للاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وثمة فائدة إضافية للتصدي الفعّال لطائرات داعش المسيّرة تتمثل في إضعاف دعاية الجماعة. وقد قامت الجماعة ببث هجماتها بالطائرات المسيّرة والإعلان عنها بقوة، لأنهم يدركون أنها تساعد في رفع روحهم المعنوية بعد خسارة أراضيها في العراق وسوريا. في إطار ذلك أشار العميد الركن حيدر فاضل أرزوقي – أحد كبار قادة جهاز مكافحة الإرهاب- في مقابلة أجراها مؤخرًا مع يونيباث إلى أن استخدام العدو للطائرات المسيّرة كان “تحديا لقواتنا” في البداية، لكن “من خلال دعم شركائنا في التحالف وتعاونهم، تغلبنا على هذه العقبات.”
تعزيز الأمن السيبراني
عززت البلدان في جميع أنحاء المنطقة تدريبها على الأمن السيبراني بهدف مكافحة تهديد الهجمات السيبرانية المتزايدة من المجاميع الخبيثة ذات الأهداف المختلفة—وفي بعض الأحيان في التصدي لهجمات داعش المحتملة على بنيتها التحتية وقطاعات الطاقة –وبسبب ذلك قامت دول المنطقة برفع قدراتها السيبرانية والتركيز على التدريب.
وقد اشتهرت سلطنة عمان على سبيل المثال بأنها أصبحت أحد مراكز الأمن السيبراني. وقد وقع اختيار جهاز الأمن السيبراني التابع للأمم المتحدة على المركز الوطني للسلامة المعلوماتية العماني عام 2012 ليكون المركز الإقليمي للأمن السيبراني لـ 21 دولة. وبحكم هذا المركز، تستضيف سلطنة عمان مؤتمرات وورشات عمل ودورات تدريبية بشكل متكرر. وفي عام 2017 طلبت سلطنة عمان الحصول على تدريب من شركة رايثيون التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها لتنفيذ برنامج التعليم والتدريب السيبراني من خلال الأكاديمية السيبرانية الوطنية العمانية. وفي السنوات الأخيرة، تعاون المركز الوطني للسلامة المعلوماتية العماني أيضًا تعاوناً وثيقاً مع وزارة التربية والتعليم لإدخال مناهج أمن المعلومات في مدارسها.

هذا وقد دعا خبراء الأمن السيبراني العمانيون إلى نشر ثقافة التوعية، محذرين من احتمال ازدياد الهجمات السيبرانية. وقال ثاقب علي، الأستاذ بقسم نظم المعلومات بجامعة السلطان قابوس، إن “المهاجمين يميلون إلى التقليل من شأن دول الشرق الأوسط.” مُستطردًا بقوله: “إنهم يعتقدون أن بلدان المنطقة أهدافًا سهلة، ولكن آليات الوقاية في سلطنة عمان رائعة. ويعمل كثير من الأشخاص من خلف الكواليس لصالح الحكومة. وجميع العمانيين العاملين في هذا القطاع يتمتعون بالخبرة في مجال عملهم”.
يُذكر أن المملكة العربية السعودية كانت سباقة أيضًا في التكيف مع التهديد السيبراني المتزايد. وفي أيار / مايو 2017، استضاف معهد سانس في الولايات المتحدة الأمريكية الفعالية الافتتاحية للتدريب على الأمن السيبراني في الرياض، حيث تعلم الحضور تطوير مقاييس أمنية فعالة، وتحليل المخاطر السيبرانية وتقييمها، وإنشاء برامج أمنية قوية.
مكافحة داعش عبر الإنترنت: التحدي المستمر
يمثل التصدي لتواجد داعش على الإنترنت معركةً شاقة على قوات التحالف. فعلى الرغم من أن الأسلحة السيبرانية أثبتت فعاليتها الفائقة تجاه الأهداف الثابتة مثل المنشآت النووية الإيرانية، فقد أصبح واضحًا أنه يجب إعادة صياغة أساليب الحرب السيبرانية الخاصة بالعدو الذي يستغل الإنترنت كثيرًا لتجنيد ونشر الدعاية له، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. ويمكن للعدو -بالاستعانة بهذه الأدوات- أن يستجمع قواه بسرعة مرة أخرى بعد توقف قوات التحالف عن استخدام أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها أو معالجة البيانات الخاصة بها.
وعلى الرغم من أن عرقلة نشاط داعش غالبًا ما تكون عملية مؤقتة، إلا أنه يمكن للقوات إضعاف العدو بإرغام مقاتليه على استخدام وسائل اتصالات أقل أمنًا. وهناك جهود أخرى تتكرر على مدى عدة أيام لزيادة الفعالية بما في ذلك إبعاد مروجين داعش عن حساباتهم أو استخدام إحداثيات هواتفهم أو أجهزة الكمبيوتر لاستهدافهم بتوجيه الهجمات عليهم. وفي ميدان المعركة، تم دمج العمليات السيبرانية عن كثب مع المعارك البرية العراقية ومهام قوات التحالف الجوية في الموصل والرقة.
في سياق ذلك، صرح الفريق جيفري هاريجان، قائد قوات التحالف الجوية لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً: “نحن قادرون على إصابة [داعش] بالعمى حتى لا تتمكن من رؤيتنا أو التأكد من أنهم لا يستطيعون سماعنا”. وتابع قائلاً: “هناك أمور نقوم بها في الجو وعلى الإنترنت بالتزامن التام لتحقيق نتائج إيجابية في الموصل وفي الرقة على حد سواء”.
المصادر: Warrior, Business Insider, Newsweek, Defense One, Getty, The Daily Beast, ITU, Times of Oman, The New York Times