منظمة برعاية السعودية تشجع على الحوار الديني لتعزيز الاستقرار الإقليمي
لقد دفعت عمليات السلب والنهب التي قامت بها داعش في العراق وسوريا شركاء التحالف في المنطقة وخارجها إلى الرد عسكريًا على ذلك. فبالرغم من أن المعركة الفكرية تعد المعركة الأقل شهرة من بين المعارك الأخرى، إلا أنها في نهاية المطاف لها نفس القدر من الأهمية، فبها يتم تأليب وتحريض قوى التطرف ضد قوى التسامح.
يؤدي مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، الذي جرى تأسيسه في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012 بدعم مالي وسياسي من المملكة العربية السعودية، دورًا متزايد الأهمية في المعركة الفكرية ضد داعش والمتعاونين معها.
فقد قضى المركز أول عامين له في استضافة المؤتمرات متعددة الجنسيات والبرامج التعليمية في مقره الرئيسي في فيينا، ولكن الآن يشارك خبراؤه مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية في عقد فعاليات على الأرض في مناطق النزاع – مثل العراق ونيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وحينما تعرضت العديد من المدن، مثل بغداد، والمدينة المنورة، واسطنبول، للهجمات الإرهابية في عام 2016، أصدرت المنظمة رسميًا تعازيها بأسماء مجموعة متنوعة من القادة الدينيين في مجلس إدارتها.
وذكر الأستاذ محمد أبو نمر، أحد كبار المستشارين المتخصصين في حل النزاعات وبناء السلام بالمركز قائلاً “أينما نذهب، لا يتغير مبدؤنا. فنحن نسعى إلى الوصول إلى نقطة تلاقي يمكن أن تجمع بين جميع الجماعات الدينية المختلفة، مثل جزيرة أو واحة وسط النار.”
وبالإضافة إلى الدعوة للتسامح الديني، شدد المركز أيضًا على أهمية تعزيز المواطنة باعتبارها محورًا أساسيًا للولاء، وبالتالي ضمان عدم حكم التعصب الديني الضيق الأفق للبلاد يومًا ما. ويثير هذا الأمر القلق بصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعمل المتطرفون الذين يمارسون العنف على تحريف الرسائل الدينية لمحاولة تقويض الحكم ونشر عدم الاستقرار.
”تعتمد جميع علاقاتنا على الثقة. والثقة تنشأ من الحوار الشامل الذي يجمع بين القيادات الدينية، والحكومات، والمعلمين، والمجتمع المدني نحو تعزيز المواطنة المشتركة للمسلمين والمسيحيين في العالم العربي على أساس المساواة واحترام حقوق الإنسان.” صرح بذلك الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن مُعمر من المملكة العربية السعودية.
وعقد المركز، في نيسان/أبريل عام 2016، لأول مرة اللقاء الأول للمنتدى الاستشاري للمركز، وهو هيئة تتكون من ممثلي الأديان الرئيسية في العالم. وندد الحضور بالحركات المتطرفة التي تسيء تفسير الدين لأغراض إجرامية، وضغطوا لزيادة التغطية الإخبارية للتطورات الإيجابية في التسامح الديني. كما أشارت المنظمة في ختام المؤتمر إلى أنه:
”في الوقت الراهن الذي تتزايد فيه أعمال العنف والصراع باسم الدين، سيحتاج الراغبون في نشر التسامح الديني إلى إشراك وسائل الإعلام، وسرد قصص مئات أعمال البر بين الأديان لمواجهتها مع كل فعل من أفعال العنف باسم الدين. وفي أوقات تزايد العنف المتطرف، يتضح أنه يجب السعي بقوة وعلى نحو استباقي ومستمر إلى الحوار لإشراك الشباب ومنع تجنيدهم للقيام بأعمال العنف”.
وهذا هو الموضوع الذي ركز عليه المركز منذ تأسيسه. ودعا أبو نمر، في أواخر عام 2014، ائتلاف معظمه من الزعماء الدينيين العرب لإصدار إعلان مشترك ضد العنف الإرهابي باسم الدين. وكان من بين 24 قائدًا الحضور سبعة مفتيين من أماكن مثل الأردن ومصر ولبنان، وبطاركة وأساقفة من مختلف الطوائف المسيحية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأضاف الأستاذ أبو نمر: “نادرًا ما تجد هذه الجماعات توافق على جدول أعمال مشترك”. “لكنهم كانوا متحدين جميعًا ضد العنف باسم الدين.”
ونوه أبو نمر أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً. وأشار إلى أن بعض مناطق الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا تعاني من غياب المؤسسات الحكومية أو ضعفها مما يجعلها غير قادرة على تنظيم المجتمع وإنفاذ سيادة القانون. فحتى في أوروبا، استغرقت عملية بناء مجتمعات مستقرة تتسم بالتسامح عدة قرون. ومع ذلك، يأمل المركز في تسريع عملية التغيير من خلال تقوية المؤسسات الدينية لتعمل بمثابة قوات لدعم الاستقرار.
وأضاف الأستاذ أبو نمر: “بالنسبة لنا، من أجل إنجاز أي شيء في مناطق الصراع، يتعين علينا إشراك القادة الدينيين والمؤسسات الدينية لتحصين عامة الشعب حتى لا يتم استغلالهم من قبل المتطرفين الدينيين والمتطرفين السياسيين لتبرير العنف”.
ويدرك المركز أيضًا الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه الجيوش في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وأفغانستان وجنوب آسيا.
وقال أبو النمر أيضًا “إن الجيش عنصر مُهم للغاية كقوة لدعم الاستقرار عندما يرغب في أداء هذا الدور. فبدون الجيش، كان من الممكن أن تنزلق مصر إلى الفوضى”. “ومع ذلك ينبغي أن يكون الدور البنّاء الذي يقوم به الجيش دورًا انتقاليًا ومرحليًا إلى نظام يعتمد على المدنية بشكل أكبر”.
كما وفر المركز خدمة مفيدة أخرى من خلال تصميم “خريطة سلام” على الإنترنت تشمل 400 منظمة حول العالم ممن تكرس دورها لتدعيم الحوار بين الأديان. فمصر ولبنان والأردن ودول آسيا الوسطى ودول الخليج العربي جميعها من الدول المشاركة بهذا الأمر.
وأضاف أبو نمر “الآن، يوجد مرض يسمى التلاعب بالهوية الدينية.” “وكثير من الأشخاص يستغلون هذا المرض لدعم نفوذهم السياسي.”