تحرير الفلوجة على يد القوات العراقية يسجل نصرًا كبيرًا بعد الرمادي
أسرة يونيباث
هنا الفلوجة، أرض القبائل العربية الأصيلة، ومدينة المساجد، ومضايف الكرم والجود، حيث عبق القهوة العربية المعطرة بالهال وبوابة بغداد الأبية. لقد عادت هيبة القبيلة وقرقعة فناجين القهوة لفلوجة الخير بعد أن حاول الإرهابيون طمس هيبة وتقاليد القبائل العريبة وإهانة رموزها. ها هوعلم العراق يرفرف فوق مبانيها بعد هزيمة عصابات القتل وفقهاء الذبح يجرون أذيال الخيبة والعار. كانت معركة التحرير ملحمة رائعة سطرها أبطال القوات المسلحة العراقية ورجال العشائر ليوحدوا صف الشعب العراقي ويرجعوا الابتسامة لوجوه العراقيين.
التقت مجلة يونيباث بالفريق أول الركن طالب شغاتي الكناني، قائد العمليات المشتركة والفريق الركن عبد الوهاب الساعدي القائد الميداني لمعركة تحرير الفلوجة حيث ذكروا للمجلة تفاصيل المعركة.
يونيباث: ماهي الأهمية الاستراتيجية لمعركة تحرير الفلوجة؟
الفريق أول الكناني: معركة الفلوجة لها رمزية للإرهابيين بسبب تاريخ الفلوجة، وأيضًا تعتبر هدفًا استراتيجيًا للقوات المحررة لتدمير معنويات داعش من خلال طردهم منها حيث حول الدواعش المدنيين إلى رهائن، وأذاقوهم شر أنواع التهريب ولإذلال لمدة سنتين. أما تأخير عملية تحرير المدينة فلها أسباب، أهمها أن قضاء الفلوجة هو من أكبر الأقضية في العراق من حيث عدد السكان، إضافة إلى أن طبيعة البناء المتداخل للمدينة جعل عملية تحريرها في غاية الصعوبه. لأن خطة القيادة كانت الحفاظ على البنية التحتية والحفاظ على أرواح المواطنين، وقد كانت هذه معضلة نواجهها اثناء التخطيط وفي أدارة المعركة. الحفاظ على البنية التحتية من الأمور المهمه في مدينة الفلوجة. لايمكن ان يتصور احدا أن مدينة آهلة بالسكان تصبح أرض معركة، وتسقط عليها كل المتفجرات والقنابل والقصف، مما سيلحق بالمدينة أضرارًا كبيرة.
الفريق الساعدي: تعتبر الفلوجة جبهه معنوية لداعش يستمدون منها القوة ويعرفون بأن هزيمتهم في الفلوجة ستكون نهايتهم، لذلك قاتلوا على أطراف الفلوجة أي منطقة الصد الأولى بشراسة. لقد بنوا ستة خطوط صد من منطقة النعيمية إلى مركز المدينة. لقد كان القتال شرسًا على الخط الأول والثاني، لكن بعد انهيار الخط الأول عرفت بأن المعركة قد حسمت، بسبب أن كل دفاعاتهم وتحصيناتهم كانت على خط الدفاع الأول الذي كان يحتوي على ساتر ضخم، وعبوات ناسفة، وقناصين، وسيارات مفخخة، ويحتوى على أنفاق تصل إلى داخل المدينة حيث يتم من خلالها إيصال التعزيزات العسكرية وحركة الإرهابيين.
يونيباث: بماذا تميزت معركة الفلوجة عن المعارك السابقة؟
الفريق أول الكناني: كانت معركة نموذجية جدًا وقد اشتركت فيها قوات مختلفة، وكان التعاون والتنسيق على أعلى مستوى بين كافة القوات من الجيش، والشرطة الإتحادية، وقوات مكافحة الأرهاب والمتطوعين من رجال العشائر. كذلك التنسيق الرائع بين طيران التحالف والقوة الجوية العراقية وطيران الجيش في هذه المنطقة المحصورة والمكتظة بالسكان لكي ننفذ أهدافنا بأقل الخسائر الممكنه بالمدينة، ونتجنب ايضاً النيران الصديقة. إضافة إلى أن المعركة حسمت بوقت قياسي وحققت كل الأهداف المرسومة. لقد كانت معركة جسورة وشرسة استخدمت فيها كل الدروس المكتسبة لأكثر من عشر سنوات في مواجهة العصابات الإرهابية. وكما هو معروف بأن المعارك ضد التنظيمات الإرهابية هي معارك غير تقليدية لا تستخدم فيها السياقات والأسس العسكرية التي تستخدم في الحروب التقليدية، مما يفرض واقعًا معقدًا وصعبًا على القوات الأمنية، لكن قواتنا الأمنية استطاعت التأقلم مع ظروف المعركة والحاق الهزيمة بالإرهابيين بفترة قياسية.
الفريق الساعدي: كان هناك أربعة أهداف حسب أهميتها لتحرير المدينة. الهدف الأول هو عملية إخراج المدنيين من أرض المعركة بدون خسائر. والحمد لله حققنا نجاحًا كبيرًا بهذا الهدف واستطعنا إخراج المدنيين من دون أي خسائر، وكان عدد المدنيين حوالي 90 الف مواطن. الهدف الثاني هو الحفاظ على تماسك القطعات العسكرية، وقد استطعنا خوض المعركة بنجاح وبعدد قليل من الخسائر في صفوف المقاتلين. الهدف الثالث هو تدمير قوة العدو، وقد حققنا هذا الهدف حيث تم تدمير معظم آليات وأسلحة العدو ووصل عدد القتلى حوالي 2500 قتيل. أما الهدف الرابع فكان الحفاظ على البنية التحتية للمدينة، وقد نجحنا في تحقيق هذا الهدف حيث كانت نسبة التدمير بالبنى التحتية لاتتجاوز 10 بالمئة. أما ما كنا نتمناه هو أن تتحقق الأهداف بوقت قصير، وقد توفقنا بذلك حينما حسمنا المعركة بوقت قياسي، وكان الفضل في ذلك لخبرة المقاتلين والتزامهم العالي. لقد كانت توقعات القيادة وتحضيراتهم بأن معركة الفلوجة ستستمر 60 يومًا، لكننا استطعنا حسم المعركة خلال 32 يوم.
يونيباث: ماهي التحديات التي واجهت تحرير الفلوجة؟
الفريق أول الكناني: أكبر تحدي هو كما ذكرت سابقًا بأن داعش تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وتمنعهم من ترك المدينة، حتى في حالة استهداف منزل أو وجود ضحايا مدنيين سوف يهولون الأمر ضد القوات الأمنية. مثلما فخخوا الجسور والمؤسسات الحكومية والمستشفيات حتى يتباكوا للمتعاطفين معهم. لقد وجدنا بعد التحرير بأن الإرهابيين قد دمروا وأحرقوا أجزاء مهمة من مستشفى الفلوجة الرئيسي، لكننا سيطرنا على المستشفى وأفشلنا مخططهم بالتخريب. كذلك نجحت قواتنا البطلة من عدم السماح للدواعش بإلحاق أضرار بالأماكن العامة، ومؤسسات الدولة، والمرافق الأخرى في المدينة.
الفريق الساعدي: أتفق مع الفريق أول الكناني، التحدي الأكبر والأهم هو الحفاظ على أرواح المدنيين وإخراجهم سالمين من أرض المعركة. والتحدي الثاني كان طبيعة وتضاريس الأرض، وكثافة المفخخات في الطرق المؤدية للمدينة وللمنازل الواقعة على اطراف الفلوجة.
يونيباث: كيف كان أداء المقاتلين في معركة تحرير الفلوجة؟

الفريق أول الكناني: أعتقد بأن التنسيق بين القطعات كان راقي جداً. وكانت التحضيرات للمعركة متكاملة. لمسنا التناغم بين القطعات على الأرض من جيش، وشرطة، ومتطوعين، ورجال عشائر. فمثل هذا التنغام والتنسيق يحتاج لفترة طويلة في أكثر الجيوش تطورًا للحد من التداخل والنيران الصديقة، لكننا بوقت قياسي حققنا نتائج ممتازة، وتم تنفيذ الخطة كما رُسمت بمراحلها الثلاثة.
يونيباث: كيف تقيم التناغم بين طيران التحالف والقوات البرية في معركة الفلوجة؟
الفريق أول الكناني: أحب أن أشيد بالدور الكبير لطيران التحالف في هذه المعركة والمعارك السابقة. فالشراكة مع أصدقائنا في القوات الأمريكية قد نتجت عن نجاح كبير. كان لهم دورٌ مميز في الاستطلاع وتحديد أهداف العدو، كذلك في الإسناد الجوي الرائع ذو الأهميه القصوى والتأثير الكبير. فدور طيران التحالف ضروري جدًا لإنجاح العمليات البرية، ولهم دور كبير في الانتصارات المتحققة على الأرض.
الفريق الساعدي: أنا أذكرها للتاريخ، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز “ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ” . لقد كان دور الإسناد الجوي من قبل قوات التحالف رائعًا ومستمرًا على مدار الساعة طوال فترة المعركة، نحن نطلب معالجة هدف وخلال دقائق نسمع هدير محركات الأف 18. لقد حسم طيران التحالف نصف المعركة. كذلك أود أن أذكر الدور الكبير لطائرات الاستطلاع التي كانت تعمل لأشهر قبل المعركة، وأثناء المعركة، وحددت لنا أماكن وجود الخنادق والعبوات ومواقع القيادة والسيطرة، حتى أعداد مقاتلي داعش التي حصلنا عليها من التقارير الاستخبارية والاستطلاع، والتي تطابقت مع تقاريرنا الاستخباراتية.
يونيباث: كان هناك خطة لإخلاء المدنيين قبل بدء عملية التحرير، هل لك أن تتحدث عن تلك العملية والصعوبات التي واجهتها؟
الفريق أول الكناني: منذ البداية كان لدينا تعاون وتنسيق مع الحكومة المحلية في محافظة الأنبار، ومؤسسات الدولة الأخرى بتحديد أماكن آمنة لإيواء النازحين في عامرية الفلوجة ومدينة الحبانية. وقمنا بتحديد ممرات آمنة بغطاء جوي لحماية المدنيين أثناء خروجهم من المدينة. كما قام الأبطال في سلاح القوة الجوية بإلقاء منشورات للسكان ترشدهم إلى ترك المدينة من خلال الممرات الآمنة المححدة.
الفريق الساعدي: برغم القيود التي فرضتها داعش على تحركات المدنيين، استطعنا تدمير سيطراتهم وفتحنا الممرات الآمنه للمدنيين بترك المدينة تحت حماية ورعاية القوات الأمنية. وقد وفرنا شاحنات نقل لتنقل المدنيين للأماكن الآمنة، كما شكلنا لجنه من الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى لتشرف على توفير الماء والغذاء والدواء لأماكن إيواء النازحين، وكان يأتينا الموقف أثناء الأيجاز الصباحي عن عدد النازحين، وعن أداء إدارة مراكز الإيواء. إن الفلوجة مدينة مزدحمة بالسكان، ولم يستطع عدد كبير منهم من ترك المدينة أثناء اجتياح داعش. وقد استخدمهم الإرهابيون كرهائن. لقد تمكنا من نقل وإيواء 90000 مدني. وقد استطعنا تخليص عدد كبير منهم من عمليات القتل والتعذيب على يد داعش. إذ لعب مقاتلونا دورين في عملية التحرير هما القتال وحماية المدنيين، والدور الثاني توفير الغذاء واسعاف الجرحى من السكان. كذلك شكلت القوات المحررة جدارًا ناريًا لمنع وصول داعش للمناطق السكنية بعد طردهم منها.
يونيباث: هل قام العدو بمفاجآت اجبرت على تغيير الخطة الأصلية؟
الفريق الساعدي: أبدًا لقد نجحنا بجر العدو لخطتنا، لقد كان هدفي هو إخراجهم من التحصينات الدفاعية حيث أوهمناهم بأننا غيرنا اتجاهنا مما اضطرهم للخروج من مواضعهم واللحاق بنا بهدف محاصرتنا، ولم يتنبهوا بأننا استدرجناهم وأصبحوا هدفًا سهلًا لصقور القوة الجوية العراقية وطيران التحالف. وهنا أود أن أشيد بالدور المتميز لقوات التحالف في دك تحصينات وأرتال داعش إذ استطاعت طائرات التحالف تدمير 60 بالمئة من قوة داعش.
يونيباث: هل كانت لديكم خطة لإيصال مواد الإغاثة للمدنيين المحاصرين؟
الفريق أول الكناني: لقد اقتسم الجنود ما يحملونه من مواد غذائية وماء مع المدنيين بعد أن شاهدوا بأم أعينهم الوضع المزري للمدنيين، الذين نهب الإرهابيون قوت اطفالهم وتركوهم يتضورون جوعاً وعطشاً. هذه جريمة بشعه تضاف لجرائم هؤلاء الخوارج الذين وصلت بهم الأنانية لإشباع بطونهم بالغذاء الذي يسرقونه من المدنيين. لقد رأينا اطفالًا ركيكي البدن وكأنهم اشباح بسبب الجوع. وكانت أوامرنا للقيادة الميدانية أن يقوم المقاتلين بالأطمئنان على المدنيين في منطقة مسؤليتهم، وتوفير احتياجاتهم الغذائية والطبية لحين وصول مؤسسات الدولة المختصة. فكانت صهاريج المياه العذبة العسكرية تزود المدنيين بالمياه يوميًا، وكانت وحدات التموين توصل الغذاء لهم برغم شراسة القتال.
الفريق الساعدي: نعم لقد تم التنسيق بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية بهذا الشأن، حيث كانت مواد الأغاثة تقف على أبواب الفلوجة تنتظر إنتهاء المعركة. وقد كان دورنا هو تأمين الطريق وتوفير الحماية لأرتال الإغاثة من الوصول لمقر الحكومة المحلية. بالمناسبة، قبل بدأ المعركة تم إخراج معظم المدنيين خلال ثلاثة أيام. لكن بعد وصول قواتي لمركز المدينة تفاجأنا من وجود مدنيين يطلبون المساعدة بإخلاء المدينة، حيث قمنا بتوفير طرق آمنه لهم وقد قدم لهم المقاتلين الماء والطعام الخاص بهم، وتم نقلهم لمناطق الإيواء في عامرية الفلوجة.
يونيباث: كان هناك حملة اعلامية شرسة رافقت عملية تحرير الفلوجة، فماهو ردك على ذلك؟
