يشكل جيل الشباب في أفغانستان قوة فاعلة لوحدة البلاد
محمد شفيق همدام/شبكة مكافحة الفساد الأفغانية
عن المؤلف: محمد شفيق هو مؤسس ورئيس شبكة مكافحة الفساد الأفغانية. وهي الشبكة الرائدة وأكبر منظمات المجتمع المدني التي تحارب الفساد في أفغانستان. حمدام هو ناشط اجتماعي يعمل على تعزيز السلام والعدالة وحقوق الإنسان. وهو أيضًا عضو في مبادرة القيادات الشابة آسيا 21 وأحد الموقعين على التحالف لدعم الشعب الأفغاني.
أفغانستان عام 2001 ليست قابلة للمقارنة بأفغانستان عام 2013. كمواطن من هذا البلد، وعشت حياتي كلها في أفغانستان؛ أستطيع أن أرى بسهولة التطور والتقدم السريعين. إلا أن العديد من الأجانب لا يرون هذا التقدم، ويمعنون النظر بدلا من ذلك في تلك الأجزاء من البلاد التي لم ترقى بعد إلى معاييرهم. أناس مثلي أنا من الذين شهدوا أفغانستان مدمَّرة يُثمنون التحسينات الواضحة في كل مكان. إفأفغانستان بلد قديم، لكنه بلد جيل جديد من الشباب تواق للبدء بتقديم المساهمات. إنه بلد عانى لعقدين من الزمن من الحرب، يليها 12 عامًا من الجهود الدولية لوقف انتشار الإرهاب والاقتتال. لا تزال بعض التهديدات قائمة، لكن قوات الأمن الوطنية الأفغانية القوية وأفرادها الــ 352,000، بدعم من الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، تقدم ضمانات هي خير ضمان بأن أفغانستان لن تعود أبدًا إلى العصور المظلمة.
في السنوات الـ 12 الماضية ، جنبا إلى جنب مع شركائها الدوليين وقوات التحالف، أنشأت أفغانستان القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكافية التي من شأنها حماية البلاد ضد عودة مآسي الماضي. وقد اتخذ الأفغان خطوات شجاعة في إعادة التأكيد على حريتهم وسيادتهم ومكانتهم الدولية. إن المؤسسات المُنشآة والقوانين والاستراتيجيات قد مكنت الأفغان من تولي مسؤولية مصيرهم في الحاضر والمستقبل. وتشمل الأمثلة قرار البلاد تولي مسؤولية أمنها وإقامة الانتخابات البرلمانية والرئاسية مرتين.
فيما يحافظ الأفغان على هذه الإنجازات، سوف يستمرون في توسيع نطاق تلك الإنجازات خلال عشر سنوات من التحول، من عام 2014 حتى 2025. تم الاتفاق على هذا في مؤتمر أفغانستان الدولي في بون في ديسمبر/ كانون الأول 2011 وبدعم من قمة الناتو في شيكاغو في مايو/ أيار 2012 ومؤتمر طوكيو حول أفغانستان في يوليو/ حزيران 2012. بطبيعة الحال، أفغانستان ليست دولة مثالية، وسوف تظلُّ بحاجة إلى المساعدة والدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. لكن الالتزامات طويلة الأجل من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ودول أخرى ستضمن استقرار مستقبل هذا البلد.
![مشجعو فريق أفغانستان للكريكيت يحتفلون بفوز فريقهم على كينيا وهم يتابعون المباراة على شاشة كبيرة في أستاد الكريكيت الدولي في كابل في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. [إيه إف پي/ صور جيتي ]](https://unipath-magazine.com/wp-content/uploads/2015/01/183090229.jpg)
إن نقل الأمن إلى قوات الأمن الوطنية الأفغانية وانتهاء مهمة قوة المساعدة الأمنية الدولية — وهي نتيجة مرجوة من قبل الحكومة الأفغانية — أدت إلى حالة من عدم اليقين في أوساط الشعب الأفغاني. ولكن الطمأنينة تحققت في إعلان حلف الناتو عن بعثة للتدريب وتقديم المشورة ومساعدة قوات الأمن القومي الأفغانية بعد عام 2014، وهي مهمة أُطلق عليها “الدعم الحازم”. عرفت غالبية الأفغان—وأولئك الذين يحاولون زعزعة استقرار البلاد — أن البلاد لن يتم التخلي عنها من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وأن التقدم والتنمية سيستمران.
انتصارات الشباب
لدى الأفغان أسباب كثيرة للتفاؤل والأمل. إن خمسة وستين في المئة من السكان هم تحت سن 25 عاما، مما يجعل الشباب قوة رئيسية في المجتمع. وعلى الرغم من كل المسؤوليات التي تنهال على الشباب الأفغان — معظمهم ملزمون بإعالة أنفسهم والمساعدة في إعالة أسرهم — خطت هذه الشريحة من السكان قدمًا بخطوات غير مسبوقة. وتعد الإنجازات المُحرَزة في مجال الرياضة، إقليميًا ودوليًا من ضمن ما يرمز إلى أفغانستان الجديدة.
أصبح روح الله نيكبا البالغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا بطلا قوميا بعد فوزه بأول ميدالية أولمبية في تاريخ أفغانستان في دورة الالعاب الاولمبية في بكين عام 2008، واستطاع أن يكرر انجازه ويعود إلى وطنه بميدالية ثانية في التايكوندو من أولمبياد لندن 2012. أما فريق الكريكيت الوطني لأفغانستان، الذي بدأ من الصفر، وفاز على كينيا فقد احتل المركز الثاني في بطولة دوري العالم للكريكيت لمجلس الكريكيت الدولي (آي سي سي) في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. تأهل الفريق للعب في كأس العالم للكريكيت 2015 في أستراليا ونيوزيلندا.
تأسست أول جمعية وطنية لكرة القدم في البلاد، الدوري الأفغاني الممتاز، في عام 2012. وبعد عام واحد فقط، تغلب الفريق على الهند ليفوز ببطولة إتحاد جنوب آسيا. لم يكن هذا مجرد كأس فوز في الرياضة؛ بالنسبة للكثيرين من الأفغان، كان علامة على الوحدة الأفغانية. وللمرة الأولى في حياتي، شهدت احتفالات تجري في جميع أنحاء أفغانستان على مدى 24 ساعة دون توقف، حيث جاء الملايين من الناس واحتفلوا معًا بالفوز التاريخي بكرة القدم. تحوَّل ذلك إلى يوم من الأمل والتضامن والسلام في أفغانستان.
من باب المصادفة، حصل ذلك النصر في 11 سبتمبر/ أيلول 2013، بعد 12 سنة تماماً من هجوم القاعدة على الولايات المتحدة.
تم التخطيط لذلك الهجوم من قبل المجموعة الإرهابية انطلاقًا من قواعد داخل أفغانستان. ما زلت أتذكر ذلك اليوم. كانت هناك محطة إذاعة واحدة فقطتديرها حركة طالبان. وكانت قلة من الأفغان قادرة على الاستماع سرًّا لمحطات الراديو الأخرى خوفًا من طالبان. حدث أن كنت استمع إلى محطة البي بي سي وعلمت بهجوم 11/9. لقد صُدِمَ الشعب الأفغاني لهذه الأنباء. بعض الأفغان كانوا يعيشون في خوف، ولكن الكثيرين منهم عاشوا في حزن. لم أكن أتصور أنه بعد 12 عاما فقط لن تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا لتنظيم القاعدة والإرهابيين، ولكن بدلًا من ذلك ستحتفل بانتصار رياضي سلمي.
من تلك المحطة الإذاعية الواحدة، تمتلك أفغانستان الآن 75 محطات للتلفزيون و180 محطة إذاعة. ملايين الأفغان شاهدوا واستمعوا إلى وسائل الإعلام هذه، للأخبار الجيدة بانتصار كرة القدم، ومن دون أي خوف. وكان معظم الــ 18 مليون أفغاني المشتركين في الهاتف المحمول وما يقرب من مليون مستخدم للانترنت مشغولين في ذلك اليوم. لم يكن مهمًا في ذلك اليوم العرق أو اللغة أو الدين أو الثقافة، بل كان الناس من جميع الأجناس والأعمار يحتفلون معاً.
ويعد ذلك تكريمًا لتأثير الشباب الأفغاني والتضحيات المشتركة المبذولة من قبل الأفغان وشركائهم الدوليين. قبل 12 سنة فقط، حظرت حركة طالبان العديد من الألعاب الرياضية الأولمبية واستخدمت الاستاد الوطني لكرة القدم لإعدام الرجال والنساء.
على اعتبار أن هذه النسبة الكبيرة من السكان تتألف من الأطفال والمراهقين، فإن ذاكرة جزء كبير من البلاد عن نظام طالبان ضئيلة أو معدومة. لهذه الحقيقة جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء. في حين أن العديد من هذا الجيل قد ينظر إلى طالبان كعنصرغريب، قد يتأثر الآخرون بحركة عنيفة لم يعرفوها عن كثب في الأيام الخوالي. الاطفال الذين كانوا في السنوات الأولى من المدرسة في عهد طالبان تخرجوا من المدرسة الثانوية، والتحقوا ببعض الجامعات.
أفغانستان لديها اكثر من 10,5 مليون طالب وطالبة يشاركون في جميع مستويات التعليم. هذا هو ثلث مجموع السكان، و 37 بالمئة من هؤلاء الطلاب هم من الفتيات. ومنذ عام 2003 تم تشييد أكثر من4,500 من المباني المدرسية. فقبل عشر سنوات، كان هناك أقل من مليون طالب، وبدون أي مشاركة من الإناث تقريبًا. كل هذا يساهم في التغيير والاستثمار الأساسيين.

وأود أن أذكر بإيجاز ثلاثة قضايا أعتقد أنها يمكن أن تساهم في تحسين الأمن والحكم الرشيد واستقرار الاقتصاد للأفغان، ولمصلحة الشباب والكبار على حد سواء. علينا أن نركز على القضايا الرئيسية التالية لمواصلة تعزيز وتوسيع هذه المكاسب:
الحكم الرشيد ومحاربة الفساد
الديمقراطية هي ظاهرة جديدة في أفغانستان، حيث انها مورست فيه لعقد واحد من الزمن فقط. تعمل الحكومات والمؤسسات بشكل مختلف في المجتمعات الديمقراطية. لذلك، فإن الأولوية ليست فقط لمحاربة الإرهاب والمتطرفين، ولكن الحكم الرشيد هو أولوية رئيسية لأفغانستان. إن ضعف سيادة القانون ووجود “حلقات الإفلات من العقاب” والملاذات الآمنة للفاسدين من الأفراد والمسؤولين في أفغانستان والخارج ساهمت في الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان.
إن جميع المشاكل تقريبًا في أفغانستان — عدم الاستقرار، وزراعة الخشخاش وتهريب المخدرات وخيبة الأمل في الحكومة — يمكن أن تعزى إلى الفساد.
يتعين على الحكومة الأفغانية وشركائها الدوليين عدم تجاهل مسألة الفساد؛ بل يجب أن تكون مكافحته ذات أولوية. ينبغي أن يتم تنفيذ إطار طوكيو للمساءلة المتبادلة، المتفق عليه في عام 2012 من قبل الحكومة الأفغانية وشركائها الدوليين بالكامل. كما ينبغي على المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة أن تلعب دورًا في رصد الفساد بدعم من الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي.
إصلاح قطاع الأمن
لقد اجتاز قطاع الأمن الأفغاني شوطًا طويلًا من حيث الكمية. حان الوقت للتركيز على الجودة وإصلاح القطاع الأمني في العمق. ويتحتم أن يكون التركيز على رعاية ضباط وجنرالات متعلمين ومهنيين ومدربين تدريبًا جيدًا. لقد مكَّن الدستور الأفغاني المواطنين، الذين لم يعودوا يحتملون قادةً معدومي الضمير وغير مَهَرة.
وينبغي إعطاء الأولوية لآليات تنمية المهارات القيادية وتعميم المنظور الجنساني والمساءلة في الوزارات الأمنية. إلى جانب كبار الضباط من ذوي الخبرة وضباط الصف، تحتاج أفغانستان إلى تطوير قدرات الجنود الشباب الذين سيحلون محل الجيل الأكبر سنًا في قوات الأمن الوطنية الأفغانية.
حان الوقت أيضًا لإضفاء الطابع المهني على الشرطة، ووضع فوارق أكبر بين واجبات أجهزة تطبيق القانون والجيش.
التعاون الإقليمي والتطور الاقتصادي
لقد اكتسبت أفغانستان كنية — قلب آسيا — لذلك، فإن التعاون والحوار الإقليمي مهمان جدًا. على المدى الطويل، يمكن لأفغانستان عدم الاعتماد على تبرعات ودعم المجتمع الدولي، بل يجب وضع استراتيجيات قصيرة وطويلة الأجل لمعالجة هذه القضايا.
