القيام بحملة إعلامية متواصلة، إلى جانب العمل العسكري الحاسم، لتطهير الأراضي من المتطرفين العنيفين
العقيد ساجد مظفر تشودري، العلاقات العامة للخدمات الداخلية، القوات المسلحة الباكستانية
إن الروايات، في جوهرها، عبارة عن قصص وموجودة منذ تعلم البشر كيفية التواصل. ودورها مُعترف به أيضًا في فن إدارة شئون البلاد. ولقد أدى ظهور ثورة المعلومات إلى نزع الضوابط — إن لم يتم حصرها — المتعلقة بتدفق المعلومات التي كانت تتسم بها الدول في الماضي. فيمكن لأي شخص أو مجموعة تستخدم الإنترنت سرد قصتهم الخاصة. ومن المثير للاهتمام، أن فجر ثورة المعلومات قد تزامن تقريبًا مع ظهور الإرهاب العالمي، مما أوصلنا إلى استخدام المصطلحين الشائعين “الروايات” و “الروايات المضادة.” وما لم يُفهم جيدًا هو الديناميكيات المعقدة وراء الروايات الإرهابية وصياغة الروايات المضادة. وليتسنى نجاح أي رواية، ينبغي أن تكون جزءً لا يتجزأ من “إطار” قائم بالفعل. وعادة ما يستخدم الإرهابيون “الإطار الديني” في الغالب مع جمهورهم المُستهدف.
لقد تطور فهم باكستان لهذه المشكلة. حيث تواجه البلاد وقواتها المسلحة آفة الإرهاب منذ 15 عامًا، مما أدى إلى معاناة وخسائر فادحة. ومع ذلك، بعد حرب طويلة ومريرة، تبدلت الأحوال وانقلبت الطاولة أخيرًا على معاقل الإرهاب. وكشفت دراسة بشأن مدى استجابة باكستان على المستوى السياسي العسكري بوضوح أنه بالرغم من أن المصطلحين “الروايات” و “الروايات المضادة” لم يكونوا يستخدما عادًة في بداية حملة مكافحة الإرهاب، إلا أن معانيهما كانت مفهومة وكانا يطبقا بنجاح.
جذور روايات العدو
لفهم ديناميكيات الروايات الإرهابية في منطقتنا، يلزم فهم السياق التاريخي. في عام 1979، اندلع حدثان على الحدود الباكستانية الغربية زلزالا العالم أجمع، هما الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان. وشكل هذان الحدثان، ولاسيما فترة الجهاد الأفغاني من عام 1980، خلفية التهديد الإرهابي المحلي بباكستان والأيديولوجية المرتبطة به.
وكان الغزو السوفياتي، الذي حدث في ذروة الحرب الباردة، يمثل تطورًا يُنذر بالخطر للغرب فضلًا عن باكستان (لأسبابه الأمنية المشروعة). وتطورت تدريجيًا شراكة بين باكستان والولايات المتحدة — بما في ذلك عددًا كبيرًا من الدول الغربية والإسلامية — مما جعل باكستان بمثابة خط المواجهة الأول في الجهود المبذولة ضد السوفييت.
وتم تبنى رواية الجهاد العالمي ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. وظل عبد الله عزام، قائد مشروع الجهاد، وكذلك تنظيم القاعدة الذي لم يكن ينشأ بعد، في منطقة بيشاور من عام 1984 وحتى اغتياله في عام 1989. وبالرغم من أن مشروع الجهاد حقق أهدافه المرجوة، إلا أنه شكل أيضًا الروايات الكبرى للجهاد، التي شكلت لاحقًا روايات مختلفة للإرهاب والتطرف محليًا وعالميًا. وضمن استمرار الصراع في أفغانستان بقاء الرواية الأساسية على قيد الحياة.
كان للحرب الأفغانية أثر عميق ودائم على المجتمع الباكستاني. وحققت رواية المقاومة قبولًا واسع النطاق بسبب شرعيتها (المقدمة من الدولة) وبلغت مدتها (أكثر من عقدين). وبالتالي أصبحت مترسخة للغاية، مما أدى إلى ظهور نزعات التطرف في المجتمع. وظهر اقتصاد الحرب الموازية، بما في ذلك التمويل الأجنبي والمحلي، وتحول لاحقًا إلى اقتصاد الإرهاب. وكان التأثير الأكثر وضوحًا هو زعزعة استقرار النظام القبلي التقليدي للحكم في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية الذي خدم الحكام بشكل رائع لكا يزيد عن قرن من الزمان. وقبل النزاع الأفغاني، كانت المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان إحدى المناطق الأكثر سلمية بها وكان يتم حكمها بسهولة.
بحلول 11/9 وإجراءات قوات التحالف في أفغانستان لاقتلاع الإرهابيين، خضعت البيئة الجغرافية السياسية لتغيير في النموذج. وبينما كان يمكن تعديل السياسات الخارجية والداخلية الباكستانية للتكيف مع البيئة المتغيرة، كانت هناك تقريبًا مهمة لا يمكن التغلب عليها، على الأقل على المدى القصير، لتغيير الروايات والتصورات الموضوعة. وكان ينظر عامة الشعب إلى التحولات السياسية للقيادة الباكستانية على أنها منفعة سياسية ورضوخ للضغوط الخارجية.
بداية التقلبات
لم تواجه باكستان الإرهاب المحلي الخطير على نطاق واسع حتى عام 2001. ولذلك، عندما راجعت الدولة روايتها، كان التحدي الأكبر الذي واجهته عند الاتصال بالجمهور هو الإجابة عن هذا السؤالين البسيطين: كيف يمكن لمجاهدون الأمس أن يصبحوا إرهابيو اليوم؟ وإذا كانت “الحرب المقدسة” الجهاد ضد الغزاة الأجانب مثل روسيا “شرعيًا”، فلماذا لا ينطبق ذلك على جميع الغزاة الأجانب الآخرين؟ لقد كان من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة وتم ملء الفراغ الذي شكله هذا الانفصال بواسطة الروايات المضادة ونشر الأكاذيب ونظريات المؤامرة التي ولدت الارتباك المجتمعي.
وأثر هذا الانفصال أيضًا على العمليات العسكرية. فقد انتقل الجيش الباكستاني إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية السلمية سابقًا في ديسمبر/كانون الأول عام 2001، في البداية لإغلاق الحدود التي يسهل اختراقها مع أفغانستان والقيام بعمليات مُحددة ضد عدد كبير من نشطاء تنظيم القاعدة الذين فروا من أفغانستان. وتم تنفيذ عمليات كبرى من آذار/مارس عام 2004 فصاعدًا، ولكن رغم وقوع عدد كبير من الضحايا، واصل الإرهابيون توسيع نفوذهم وفي ذروة عملياتهم تحكموا فيما يصل إلى 32 في المئة من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية ووادي سوات، مع 31 في المئة أخرى من المنطقة المتنازع عليها. وكانت هذه الحالة الراهنة لا تحتاج إلى بذل كثير من الأمور فيما يتعلق بالقدرات العسكرية للجيش بل ينبغي التركيز على الآثار السياسية والعسكرية للفصل بين رواية الدولة والمفاهيم العامة.
كارثة المسجد الأحمر
خارج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وقع حدثًا بالغ الأهمية في تموز/يوليو عام 2007 في مجمع مسجد يسمى لال مسجد أو المسجد الأحمر، في إسلام آباد. وبشر مؤسسه، قاري عبد الله، بالحرب المقدسة خلال الفترة الأفغانية، الذي شكل في وقت لاحق ارتباطًا وثيقًا مع تنظيم القاعدة. وكان ابناه رجال دين وبدأ في عام 2007 تحديه لسلطة الحكومة، داعيًا الى تطبيق الشريعة والإطاحة بالحكومة. وانتقدت وسائل الإعلام الحكومة لفشلها في معالجة هذه المسألة، وحاصرت السلطات الباكستانية المسجد في الفترة من 3 إلى 10 تموز/يوليو عام 2007، وحاولت في نفس الوقت التفاوض مع المسلحين لتفادي العمل العسكري. وعندما فشلت هذه المفاوضات في 10 تموز/يوليو، بدأت مجموعة الخدمات الخاصة في الجيش “عملية الصمت”. وبعد قتال عنيف، تم اخلاء المسجد في 11 يوليو. ويمكن الحكم على هذا الحدث بأنه من الأعمال الشرسة حيث نتج عنه مقتل 10 أفراد من مجموعة الخدمات الخاصة في الجيش وأصيب 33 فرد وقتل 91 مُسلح.
وأثار هذا الحدث سيل من العمليات الإرهابية. وبدأت وسائل الإعلام نفسها التي طالبت الحكومة بهذا العمل الآن في توجيه الانتقاد لها. وتم ابتداع الروايات حول العمل العسكري العشوائي والترويج لها، وأصبح الضباط والرجال الذي قتلوا في هذا العمل شخصيات مثيرة للجدل. وكان هذا الأمر مزعجًا للغاية، حيث كان يحظى الجيش الباكستاني باحترام مجتمعي عميق، وأصابت مثل هذه التصورات معنوياته. وظهرت حركة طالبان باكستان، التي من الآن فصاعدا ستكون الجماعة الرائدة من حيث الإرهاب، بعد حادث المسجد الأحمر “لال مسجد”.
وقبل حادث المسجد هذا، أجريت 37 هجمة انتحارية في جميع أنحاء البلاد في الفترة ما بين عامي 2002 إلى2007، ولكن بعد هذا الحدث، وقعت في فترة الستة أشهر القصيرة بين 4 تموز/يوليو و27 كانون الأول/ديسمبر عام 2007، 44 هجمة انتحارية في المدن الكبرى. وشملت هذا الحوادث هجوم على قاعدة لمجموعة الخدمات الخاصة في الجيش أسفر عن مقتل 22 فردًا من القوات الخاصة. ومن حيث التصورات، كان حادث المسجد الأحمر ”لال مسجد” يمثل النقطة الأسوأ في جهود مكافحة الإرهاب في باكستان، حيث جعل هذا الحادث الدولة، التي كانت تمارس سلطاتها الشرعية، تبدو وكأنها الجانب الظالم الغاشم في حين كان يتم تمجيد الإرهابيين وتعظيمهم. وشكل حادث المسجد الأحمر “لال مسجد” مكونًا رئيسيًا من مكونات رواية الإرهابيين حتى القضاء عليه تدريجيًا، عندما أصبحت روايات الدولة راسخة أثناء عملية “ضرب عضب”، التي بدأت في شمال وزيرستان في 15 حزيران/يونيو عام 2014.
وبعد هذه الأزمة، نظرًا للتصاعد الهائل للإرهاب، ظهر تصور بأن أي إجراء حاسم من الدولة سيقابله أعمال انتقامية فورية ومفزعة، في أي وقت وفي أي مكان. وباستغلال هذه الظروف، فرض الإرهابيون سيطرتهم على منطقة وادي سوات. واستخدم الزعيم المتطرف الملا فضل الله إذاعة الراديو للوصول إلى عامة الشعب. وحشدت المحطة، التي يطلق عليها اسم الملا راديو، دعمًا كبيرًا في قطاعات مختلفة من السكان المحليين. ولم تلجأ الحكومة، التي استوعبت الدرس من أزمة المسجد الأحمر “لال مسجد”، إلى العمل العسكري الفوري ولكن بدلاً من ذلك أجرت تفاوضًا مدروسًا مع القادة العسكريين ورضخت لمطالبهم بالحكم وفقًا للشريعة وذلك من خلال توقيع اتفاقية سلام في 16 شباط/فبراير عام 2009.
وبعد ذلك، أطلق فضل الله والإرهابيون العنان لموجة من العمليات الإرهابية في وادي سوات التي حظت بتغطية إعلامية واسعة. ومن خلال إظهار الوجه الحقيقي للإرهابيين وفضح ما يقصدونه بحكم الشريعة، عامة الشعب هم من تصدوا لهذا العنف. وفي أواخر آذار/مارس عام 2009، عندما ظهر مقطع فيديو لفتاة يتم جلدها من قبل الإرهابيين، وصل عامة الشعب إلى مرحلة عدم قبول أي حدث من هذا النوع مرة أخرى. وتأكدت وحشية الإرهابيين بقوة في ذهن عامة الشعب، وكان هناك طلبًا غامرًا في جميع أنحاء البلاد بضرورة تطهير وادي سوات من هذا الخطر. وعند ذلك فقط، في 26 نيسان/أبريل عام 2009، تم وضع تصورات مناسبة، انتقل على أثرها الجيش إلى وادي سوات.
ولقد كانت العملية، التي أطلق عليها اسم “راه راست الإلكترونية”، والتي تُعني “الطريق الصحيح” اسم على مسمى وكانت بمثابة رواية في حد ذاتها. باعتبارها إحدى عمليات مكافحة الإرهاب التقليدية، أبرزت عملية “راه راست الإلكترونية” أهمية الروايات والتصورات. وبعد سيطرة الجيش على وادي سوات سيطر بنجاح أيضًا على جهات مختلفة من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية حتى لم يتبقى سوى منطقة وزيرستان الشمالية. وانطلقت عملية “ضرب عضب” في 15 حزيران/يونيو عام 2014، لتطهير هذه المنطقة الأخيرة المتبقية من تحت هيمنة وسيطرة الإرهابيين. ومع ذلك، كانت رواية الدولة، في ذلك الوقت، هي الهيمنة الساحقة على معظم المناطق.
في حرب الروايات الطويلة، أوضحت الدولة، بتكلفة بشرية ومادية كبيرة، أن هذه الحرب كانت حربنا، وأن طالبان هي العدو، وليس هناك أي وسيلة يمكن لها الوقوف من خلالها في وجه الجيش الباكستاني.
معركة الروايات
يمكن تلخيص الموضوعات الرئيسية للروايات الإرهابية في الفترة من عام 2001 فصاعدًا على النحو التالي:
لقد شن الغرب حملة صليبية ضد الإسلام؛ لذا كان الجهاد إلزامًا على كل مسلم.
الدولة الباكستانية دولة غير إسلامية. الديمقراطية كفر (نظام كافر) ينبغي استبدالها بالشريعة.
حكومة باكستان حليفة للولايات المتحدة وتهاجم طالبان تنفيذًا لأوامر الولايات المتحدة.
الجيش الباكستاني حليف للولايات المتحدة، وبالتالي فهو جيش مرتد (خارج عن ملة الإسلام). وبالتالي، يجوز الجهاد ضده.
تتم هجمات الطائرات بدون طيار بموافقة الحكومة.
الحرب على الإرهاب هي حرب الولايات المتحدة؛ وباكستان تقتل مواطنيها المسلمين.
وسائل الإعلام فتنة (إغراء) تُستخدم لتضليل الجماهير.
التعليم الغربي مخالف للإسلام. وتعليم الفتيات حرام (محظور).
لقد كانت تهدف الروايات الإرهابية إلى نفي الأساس الحقيقي للدولة ونظام حكمها. فقد سعت هذه الروايات إلى تصوير طالبان كجنود إسلاميين حقيقيين وزرع البلبلة بين قوات الأمن الباكستانية وحرمان فئات كثيرة من المجتمع من التعليم.
في البداية، كان الجمهور المستهدف من الإرهابيين كبيرة جدًا: فكان يشمل الأشخاص الأميين وشبه المتعلمين الذين من الممكن أن يتأثروا بسهولة بهذه الحجج الدينية وكذلك الأشخاص المتعلمين من ذوي الميول الدينية الذين يمكن إقناعهم بدعم قضية الإرهابيين وأيضًا أسر المشتبه بهم المحتجزين على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب. وكانت هجمات الطائرات بدون طيار (والأضرار الناجمة عنها) كذلك إحدى الموضوعات الرئيسية. ففي البداية، كان يتم أيضًا استهداف مسؤولي إنفاذ القانون وقوات الأمن لإثارة الشك حول العمليات التي تجرى ضد إخوانهم المسلمين والمجاهدين السابقين.
وانتشرت هذه الروايات خلال العديد من القنوات. ففي المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية والمناطق المستقرة في إقليم خيبر بختونخوا، كانت لغة الكراهية والأقراص المدمجة الداعمة للجهاد متاحة بسهولة. حيث تم نقل الخبرات المتطورة لتنظيم القاعدة في استخدام الإعلام الاجتماعي إلى طالبان. وفي المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، كانت “الرسائل الليلية” والمنشورات من أفزع أنواع التواصل ويؤدي عدم الامتثال للاضطهاد الوحشي. ويواصل فضل الله البث الإذاعي له. وفي المناطق النائية، استُخدمت وسائل إعلام جديدة وغير منظمة أيضًا لنشر روايات الإرهاب من خلال وجود المتعاطفين أو من خلال الترهيب. وفي فترة ما قبل عملية تحرير وادي سوات وعملية ضرب العضب، وجدت الروايات الإرهابية قبولًا أوسع مما وجدته روايات الدولة، التي كانت تكافح من أجل التأقلم. وكان السبب الرئيسي هو وجود روايات إرهابية أنشئت بالفعل. وكان استمرار الصراع في أفغانستان يُعني بقاء أساس مثل هذه الروايات. وكانت تصورات الظلم للأمة المسلمة (فلسطين وكشمير والشيشان و العراق وليبيا وسوريا) موضوعًا شاملًا ساعد في نشر رواية “الإسلام تحت التهديد.”
روايات الدولة المضادة
ينبغي صياغة الروايات المتعلقة بالمجال المعرفي، وكذلك الروايات المضادة في نفس المجال لكي تكون فعالة. ففي الأساس، توجد ثلاثة مناهج نفسية لمواجهة الروايات الإرهابية. وتسمى هذه المناهج “مؤيد ومعارض وغير مهتم”. وفي منهج “مؤيد”، يتم الاعتراف بالجماعة الإرهابية إلى حد ما ويتم اعطاءها مساحة أو مجال من خلال إشراكها في المفاوضات أو الاتفاقيات. وكان يُستخدم هذا المنهج في بعض الأحيان ليتناسب مع الأهداف التكتيكية. ولكن لم تستمر أي من اتفاقات التفاوض مع الإرهابيين طويلًا. أما في منهج “معارض”، يتم تكريس جميع القوى للقضاء على الجماعات الإرهابية. ومنذ عام 2002 حتى 15 حزيران/يونيو 2014، اتبعنا كلا المنهجين “مؤيد” و”معارض”، حيث كان يتطلب هذا الوقت ذلك. أما في منهج “غير مهتم”، كان يتم التعامل مع الإرهابيين والمتعاطفين معهم على أنهم ليس لهم أي تأثير أو أهمية أو كيان وينبغي القضاء عليهم بكل بساطة. ومنذ عملية “ضرب عضب”، لا يتم استخدام سوى هذا المنهج.
إن روايات الدولة أو الروايات المضادة غير متجانسة، ولكن يمكن تقسيمها إلى قطاعات مختلفة. على شكل تسلسل هرمي: حيث تشكل غالبية السكان القاعدة ويشكل المتعاطفون مع الإرهابيين والداعمين لهم والمحرضين والميسرين الطرف الآخر، مع وجود الإرهابيين المتشددين على الحافة. ويقع بين هذه القطاعات العناصر المحايدة التي يمكن أن تتأثر بكلا الاتجاهين، وبالتالي فهذه العناصر لها أهمية خاصة. وعمومًا، قد يميل الجزء الأكبر من السكان إلى الإجراءات التي تتخذها الدولة في المسائل المتعلقة بالإرهاب. ولا يمكن إقناع الإرهابيين المتشددين والنشطاء الذين يعملون معهم بهذه الروايات فقط، بل يلزم على سلطات الدولة ردعهم وإكراههم على ذلك. ويوجد تسلسل هرمي مُحدد للإرهابيين المتشددين، حيث يأتي “العقل المدبر” في أعلى الهرم ثم “التابعين له” في قاعدة الهرم. لا يمكن قياس نجاح أي عملية من عمليات مكافحة الإرهاب من خلال عدد الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم، ولكن من خلال تحليل إلى أي جزء من المنظمة الإرهابية ينتمون. فقد تؤدي عمليات مكافحة الإرهاب إلى القضاء على بعض “التابعين”، ولكن لن يؤثر ذلك على عمليات المنظمة، لأن التابعين يمكن تعويضهم بسهولة. ولذا ينبغي أن تستهدف عمليات مكافحة الإرهاب ضرب القيادات العليا لتدمير قدرات التنظيم الإرهابي. وبعبارة أخرى، قد لا تعني معركة الروايات الكثير في عملية العزل. ويلزم الأمر في بعض المراحل فيما يتعلق بالمجال المعرفي والروايات المضادة التحول إلى الإجراءات المادية لتكون فعالة. حيث إن عدم القدرة على التحول من المجال المعرفي إلى المادي يعني عدم التوصل إلى نتائج.
وفي عملية التطور الباكستانية لمواجهة الروايات الإرهابية، هناك فرق واضح فيما بين كلا المجالين. ففي المجال المعرفي، كانت النقاط البارزة للروايات المضادة على النحو التالي:
هذه الحرب حربنا (ليست حرب أمريكا).
الدستور الباكستاني “إسلامي”.
قدم المجتمع الباكستاني والقوات المسلحة الباكستانية تضحيات هائلة لسحق الإرهاب.
الإرهابيون هم خوارج/برابرة يحصلون على تمويل من جهات خارجية، ولا يمتون بصلة للإسلام، حيث يقتلون النساء والأطفال.
تأمر تعاليم الإسلام بتعليم الأولاد والفتيات على حد سواء.
وترفض هذه الروايات المضادة بوضوح الروايات الإرهابية المذكورة سابقًا. وفي معركة الروايات، كان التحدي الأكبر الذي ينبغي التغلب عليه هو إثبات أن هذه الحرب حربنا. وبمجرد أن تم تحقيق ذلك (جزئيًا في وادي سوات وبشكل شامل في عملية “ضرب عضب”)، بات واضحًا أن الإرهابيون هم العدو وقوات الأمن الباكستانية هي القوات الشرعية.
وتم بذل جهد كثير لشرح كيفية سوء استخدام الإرهابيون للقرآن الكريم من خلال تحريف آياته عن سياقها. على سبيل المثال الآية “واقتلوهم حيث وجدتموهم” هي إحدى الآيات المعروفة للغاية، ولكنها استخدمت خارج السياق بحذف الجزء الأول المعمول به الذي يقول “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.”
فهذه الآيات، في السياق الصحيح، لا تحتاج إلى تفسير. ومعنى الاعتداء واضح أيضًا حيث أن الإسلام وضع تعاليم واضحة بشأن القتال تحظر أي اعتداء في الحرب وتميز بوضوح بين المقاتلين وغير المقاتلين. ولذلك، يفخر جنود الجيش الباكستاني بكونهم جنود مسلمين يقاتلون ضد الفتنة التي شوهت صورة الدين لأهدافها الخاصة.
الانتصار في الحرب
ينبغي أن تعتمد الروايات المضادة على أسس راسخة يمكن تحويلها إلى قناعات. فدون القناعة الحقيقية، لا يمكن محاربة مستوى التعصب بين الإرهابيين. وكانت الأعمدة الرئيسية الثلاثة للروايات المضادة هي شرعية إجراءات الدولة، التي حصلت على تأييد ودعم عام؛ وبراعة قتال الجيش الباكستاني، التي لم تبق أي شك في ذهن المواطن والجنود والإرهابيون في أن النصر النهائي أمر حتمي لا مفر منه؛ وأخيرًا إدراج الإرهابيين كأعداء ينتمون إلى “جماعة خارجة عن القانون” تنشر الفساد أو تعكر السلام والصفو العام. وتهدف هذه الروايات المضادة الأساسية إلى رفض الروايات الإرهابية بأكملها (المتعلقة بنهج “غير مهتم”) والتقليص المستمر لتواجدها المجتمعي.
وبصرف النظر عن المجال المعرفي، فإن الجانب الأكثر أهمية هو البيئة المادية، التي ينبغي أن توفر الدعم اللازم للروايات المضادة. وفي المجال المادي، يهدف الإرهابيون إلى خلق جو من الرعب والخوف والفزع عن طريق القتل العشوائي وتشويه المدنيين والنساء والأطفال والقادة والنشطاء السياسيين وذبح الجنود الذي يتم أسرهم. ولكن تدريجيًا، خلقت هذه الأعمال أيضًا شعورًا بالاشمئزاز.
وفيما يتعلق بإجراءات الدولة، كانت عملية “ضرب عضب” هي رد الفعل الأكثر بروزًا وإحدى أهم العمليات التي أعادت الأمن إلى حد كبير. ولكن كانت هناك جوانب أخرى، أيضًا، ساعدت على ذلك مثل تشريعات دعم عمليات إنفاذ القانون وعمليات إصلاح المدارس وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية من خلال التشريعات والتنمية الهائلة. عملت الحكومة، بعد الهجوم الذي تم شنه على مدرسة بيشاور العسكرية الحكومية في 16 كانون الأول/ديسمبر عام 2014، على خطة عمل وطنية شاملة لمعالجة جميع الجوانب المتعلقة بالإرهاب. وكان الأثر العام لهذه الإجراءات هو تدهور قدرة الإرهابيين على ارتكاب هجمات جماعية بشكل ملحوظ. ونتيجة لذلك، ازدادت ثقة الجمهور في قدرة الدولة، خصوصا قدرة الجيش على توفير الأمن. ومع زيادة الشعور بالأمان، لم يشمل دعم الجمهور لإجراءات الدولة فحسب بل نتج عنه قلة دعمهم للإرهابيين.
نشر الرسالة
ولقد كانت تُستخدم جميع الوسائل الممكنة لنشر روايات الدولة. فبعد الهجوم الذي تم شنه على المدرسة العسكرية، تم صياغة مدونات قواعد سلوك جديدة لوسائل الإعلام. وتم رفض الفضاء الإعلامي للمتعاطفين مع الإرهابيين الذين ضللوا الجمهور من قبل. وتم إنشاء شبكة شاملة في البلاد من المحطات الإذاعية للوصول إلى المناطق البعيدة. واستنكر علماء الدين البارزين الروايات الإرهابية وسلطوا الضوء على روح الإسلام الصحيحة في محادثاتهم ومقابلاتهم الإعلامية. وتولت إدارة العلاقات العامة بالقوات المسلحة، العلاقات العامة للخدمات الداخلية، زمام مبادرة تشجيع الروايات المضادة في مجال السينما والموسيقى. وبعد مجزرة المدرسة، أصدرت العلاقات العامة للخدمات الداخلية أغنية، بارا دوشمان (بعض الأعداء)، تحدى الأطفال فيها الإرهابيين. وأخذت الأغنية الطابع الوطني وحققت نجاحًا كبيرًا.
وأصبحت الأغنية بمثابة أداة استراتيجية لتغيير التصورات، وقد اتضح ذلك عندما أصدرت طالبان محاكاة ساخرة لهذه الأغنية، ولكن لم يكن لها أي تأثير أو كان تأثيره ضعيف جدًا. وأنتجت العلاقات العامة للخدمات الداخلية أغنية أخرى في الذكرى السنوية الأولى لمجزرة المدرسة في 16 كانون الأول/ديسمبر عام 2015. وحققت هذه الأغنية نجاحًا كبيرًا أيضًا. وكانت ترتكز تتمة موضوع الأغنية على أنه “ينبغي علينا تعليم أطفال العدو.” وذلك يعني أنه في حين أصبح التدمير الكامل للإرهابيين وفكرهم مؤكدًا، فليس للدولة أي خلاف مع أطفالهم، الذين ترغب في تعليمهم باستخدام نفس المنهج الدراسي الذي أعلن الإرهابيون حرمته. وفي كلا الأغنيتين، تم تحديد أعداء الأمة وإعلانهم بوضوح. وهذا الإنجاز لا يستهان به، بعد كل هذه السنوات من الارتباك.
أفضل الممارسات
لقد كانت عملية عكس الروايات الكبرى بشأن الجهاد هي التحدي الأكبر بالنسبة لباكستان. فقد استغرقت منا 13 عامًا وتكلفة ضخمة من حيث الدماء والأموال. ومع ذلك، فإن معركة الروايات هي عملية مستمرة تتطلب الاستجابة الفورية لضمان النجاح على المدى البعيد. وفيما يلي بعض التوصيات بشأن ذلك:
لا يمكن مواجهة الروايات الفكرية أو الدينية سوى داخل المجال الخاص بهم.
ينبغي تحليل القطاعات المختلفة من الجمهور المستهدف بدقة وتصميم روايات مضادة ملائمة لهم. وينبغي أن يكون لوسائل نشر الروايات حد أقصى من التوعية والتأثير.
وسائل الإعلام هي مفتاح نشر الروايات. ينبغي إنكار الفضاء الإعلامي للإرهابيين ورواياتهم ورفضها مهما كلف الأمر.
لا يمكن أن تكون الروايات المضادة (المجال المعرفي) فعالة سوى في حالة وجود تدابير/إجراءات متطابقة مُتخذة من قبل الدولة (المجال المادي) والعكس.
الإرهاب ليس له أساس ديني. إن تصوير الإرهابيين بأنهم تربطهم صلة بالإسلام يساعد على نشر الروايات الإرهابية في حين يؤثر بالسلب على فعالية بعض الروايات المضادة.
إن تشويه صورة الإسلام أو الإساءة إلى المشاعر الدينية للمسلمين (على سبيل المثال، الأفلام، والرسوم المتحركة، وغير ذلك) يصب في مصلحة الإرهابيين والمتطرفين.
ينبغي ألا تلقى الأنشطة المتطرفة مثل نشر الكراهية في المجتمعات المسلمة أي تسامح في المجتمعات الغربية.