التعامل مع الشباب الأفغاني يمكن أن يحد من هجرة الأدمغة
محمد خورشيد/صحفي أفغاني
حسينة رسولي، طبيبة في منتصف الثلاثينات من عمرها. كانت مراهقة في فترة الأيام المظلمة من حكم طالبان القمعي الذي طغى على أفغانستان. بينما كانت تكافح في دراستها لتصبح طبيبة، كان حكام طالبان يوقعون عقوبات وحشية على المواطنين الأفغان الذين كانوا يحكمون عليهم بانتهاك التفسير الصارم وغير العادي للشريعة الإسلامية. واضطرت الفتيات والنساء إلى ترك وظائفهن ودراستهن، وقضاء معظم وقتهن في المنزل. كانت المجازر المرتكَبة ضد النساء والأطفال والرجال التي وافقت عليها الحكومة شائعةً خلال السنوات الخمس من حكم طالبان 1996-2001. هجوم واحد مثل هذا على مسقط رأس رسولي في مزار شريف في أغسطس/ آب 1998 شهد مقتل أكثر من 5000 من المدنيين في يوم واحد.
ساعدت الإطاحة بطالبان عام 2001 رسولي في مواصلة دراستها الطبية، والتي أكملتها عام 2005. توضح تجربتها منذ ذلك الحين — تحارب سوء التغذية ولأجل حقوق المرأة في بلادها مع مختلف جماعات المساعدة الوطنية والدولية —كيف يمكن للمتعلمين الشباب الأفغان المساعدة في تلبية الاحتياجات الملحة لبلدهم. مع ذلك، في بداية عام 2014 وجدت رسولي تعيش في أوتاوا، كندا. لا تزال تخدم أفغانستان، ولكنها لم تعد تعيش هناك.
رسولي هي واحدة من بين العديد من جيل الشباب الأفغان الذين أخذوا تعليمهم ومهاراتهم إلى الخارج. أوروبا الغربية وبلدان الخليج العربي والأمريكتين وأستراليا كلها وجهات شائعة بالنسبة لهم. هذا التنامي في هجرة الشباب المتعلم أوردته وزارة المهاجرين والعائدين الأفغانية. وفي الوقت نفسه، بقيت شريحة أكبر من ذلك بكثير من الشباب — وكثير منهم يفتقرون إلى الموارد، والاتصالات والمهارات اللغوية للمغادرة. “عدم اليقين من المستقبل” هو السبب الذي يُستشهَد به في أغلب الأحيان لشتات الشباب المؤهل.
بالرغم من هذا الوضع، تسعى أفغانستان جاهدة لإبقاء شبابها الموهوبين أقرب إلى الوطن.
تمكين أفغانستان
شهَرْزاد أكبر، 25 عاما، التي تصدرت عناوين الصحف عام 2009 كأول امرأة أفغانية تدرس في جامعة أكسفورد، لا تقبل حتمية سيناريو نهاية العالم حيث يفر فيها الشباب المتعلمين من البلاد، وحيث تترَك البقية الباقية من السكان تحت رحمة أمراء الحرب وطالبان التي تعاود الانبعاث. قالت أنها تعتبر نفسها مجرد واحدة من نواة كبيرة من الشباب الأفغان القادرين الذين هم على استعداد لاستخدام مواهبهم لإعادة بناء البلد والحفاظ على ما يسمونه “إنجازات السنوات الــ 12 الماضية.”تقود شهرزاد أكبر منظمة تدعى أفغانستان 1400، وعملها مُكرَّس لهذا الهدف.
وقالت شهرزاد ، “في السنوات العشر الماضية، بلغت أجيال جديدة من الأفغان سن الرشد. لديهم رؤية مختلفة للبلاد. هم أكثر استعدادًا للعمل مع بعضهم البعض، وترك خلافاتهم من أجل مستقبل مشترك. لديهم قيم ديمقراطية قوية لا يمكن أن يروها في الجهات السياسية الفاعلة حاليًا. يجب أن يكون هناك مِنبر لتحريك تلك الطاقة وتلك الرؤية – منظمة أفغانستان 1400 تهدف لأن تصبح ذلك المِنبر.”
وتشمل أنشطة أفغانستان 1400 الجهود الرامية إلى إشراك المواطنين الأفغان في العملية السياسية، من خلال تعليمهم وتشجيعهم على التصويت. وأوضحت شهرزاد أن أفغانستان بحاجة ماسة إلى تحول ديمقراطي ناجح للحكومة. إضافة إلى ذلك، لقد تحدّت منظمتها المتطرفين في الداخل، وقد وصفت حادثة وقعت في إقليم فرح في أفغانستان حيث قضى انفجار قام به انتحاري من طالبان على 50 من القرويين. قالت إنه في غضون أيام من الهجوم، أرسلت منظمة أفغانستان 1400 فريقا إلى القرية “للتعبير عن التعاطف مع المعتدَى عليهم، ولكن أيضًا لإظهار التحدي والقوة في مواجهة الهجوم، وليؤكدوا للمهاجمين أن هذا لن يستمر في أفغانستان الجديدة.”
تفهُّم هجرة الأدمغة
هناك ثلاثةعوامل أساسية يمكن أن تفسر أسباب اختيار بعض الشباب الأفغان مغادرة بلادهم — بالإضافة إلى الاستمرار في العمل على تطوير مستقبل سليم للبلاد، وفقًا لما ذكره الناشط الأفغاني الشبابي ميواند راهياب الذي بدأ مسيرته خلال حكم طالبان، وفتح المدارس المنزلية للبنات في مزارشريف كما ساعد في إنشاء منظمة أفغانستان 1400، وتولى حديثًا منصب نائب مدير المبادرة لتعزيز المجتمع المدني الأفغاني، الذي تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقال راهياب في مقابلة مع يونيباث، “إن الحصول على التعليم هو المفتاح لنجاح أفغانستان والمفتاح لتمكين الشباب. لذلك، نحن بحاجة إلى الاستثمار في التعليم، في المناطق الريفية وفي مجال التعليم العالي على حد سواء. ثانيًا، نحن بحاجة للتأكد من أننا نوفر الفرص الاقتصادية المستدامة للشباب الأفغاني ليتمكنوا من إيجاد الوظائف والمساهمة بشكل فعال في الاقتصاد. ثالثًا، نحتاج لأن نثق في الشباب.”
قال راهياب إن التعليم يشكل تحديًا مزدوجًا في أفغانستان اليوم: عدم الوصول وانعدام الصلة. ازداد الالتحاق بالمدارس بشكل كبير، من 1 مليون إلى 10,5 مليون بين عامي 2001 و 2013. ولكن يبقى ما يقدر بِـ 3 مليون طفل غير مسجلين، وهي مشكلة تبرز أكثر في الأقاليم الريفية. وعلاوة على ذلك، أوضح راهياب أن النمو الكبير في عدد الجامعات في العقد الماضي لم يواكب الطلب على القبول، “عندما يكون هناك تعليم، غالبًا ما يكون غير ذي صلة. النظام ومضمون التعليم ليسوا معنيين بالاحتياجات الحالية في أفغانستان.”
إن الطلب على التعليم الجيد ذهب بالعديد من الشباب الأفغان بعيدًا عن المنزل، وغالبًا إلى الجامعات في تركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأوروبا التي تقدم منحًا دراسية خاصة للطلبة الأفغان المؤهلين. وما يدعم النقطة الثانية التي أوردها راهياب المتعلقة بعدم وجود فرص عمل نوعية في أفغانستان، هو أن عددًا منهم، مثل حسينة رسولي، التي أنهت دراستها العليا في الولايات المتحدة، تجدهم في نهاية المطاف يستقرون ويعملون في الخارج.
اعترف راهياب أيضًا بالقلق الذائع حول اختفاء الوظائف في الشركات والوكالات الدولية عندما تتولى قوات الامن الافغانية مسؤولية البلاد. لكنه أصر على أنه ليس من الصعب أن تجد التفاؤل بين الشباب في بلاده. اعتبر هذا القلق “مبالغ فيه” إلى حد ما، وقال إن الفرص أمام الشباب موجودة في الواقع، بما في ذلك في أماكن مثل قوات الأمن الوطنية الأفغانية، التي عزا لها الفضل في كسب المعارك “وأنها استحقت احترام وثقة الشعب الأفغاني.”
الثقة، قضية راهياب الثالثة، هي أيضًا أساسية لمنع الشباب المتعلم من مغادرة البلاد.
قال، “إن الشباب الذين تلقوا تعليمًا وشاركوا في السنوات الــ 10 إلى 12 سنة الماضية في تنمية أفغانستان، يرون ضغوطًا متزايدة من المجتمع — نظرًا إلى أن أفغانستان مجتمع تقليدي — فهو لا ينظر إلى الشباب كعنصر مؤثر يملك القدرة على المساهمة.” وقال، “نحن بحاجة لأن نثق بهم، ونحن بحاجة لأن ندعمهم حتى يتمكنوا من تحقيق إمكاناتهم والمساهمة في تنمية البلاد.”
مع ذلك، بقدرما هي عدم ثقة كبار السن في الشباب، هي عدم ثقة الشباب بكبار السن، فهم لا يستطيعون الارتباط ذهنيًا مع الأجيال الأكبر سنًا، حسب قول شهرزاد أكبر عن شباب اليوم.
فرص المستقبل
الدعم لقوات الأمن الوطنية الأفغانية هو موضع تركيز منظمة أفغانستان 1400. وصفت شهرزاد أكبر هجومًا لطالبان في كابول أصيب فيه أحد أفراد قوات الأمن، لكنه استمر في القتال على الرغم من تدفق الدم إلى أسفل ساقه. التقط أحد المصورين المشهد وشرعت منظمة 1400 في وضع الصورة على الملصقات واللوحات الإعلانية في مختلف أنحاء كابول، وبالتالي المبادرة في “ثقافة الدعم لقواتنا الأمنية.”
شهرزاد أكبر وراهياب أكدّا على أدوار قوات الأمن الوطنية الأفغانية وإجراء انتخابات ناجحة لتأمين مستقبل أفغانستان، وأضافا أن هناك الآن عدة منظمات تحمل أسماء مثل منظمة تحليل ووعي أفغانستان (گروه تحلیل و آگاهی افغانستان) التي لديها مهمات مماثلة لتلك التي لأفغانستان 1400، تعمل على جعل البلاد وطنًا جذابًا لأفضل وألمع الشباب في البلاد.
”عدد كبير من الشباب في أفغانستان ينظر إلى سنة 2014 كفرصة،” حسب قول راهياب. “هناك بالتأكيد حاجة لمزيد من الاستثمار. مزيد من الاستثمار في التعليم والمزيد من الاستثمار في مجالات الصحة والمزيد من الاستثمار في العمليات السياسية. بالنظر إلى أن الغالبية العظمى من السكان هم من الشباب، فجميع هذه الاستثمارات ستعمل على تمكين الشباب الأفغاني. أيضًا، هناك حاجة لأن يساعد المجتمع الدولي الحكومة الأفغانية على توفير المزيد من الحيز والفرصة لإشراك الشباب في عملية صنع القرار. يحتاج الشباب لأن يُوثق بهم، ويحتاجون إلى تمكينهم، وإشراكهم في العملية السياسية.”
Comments are closed.