Getting your Trinity Audio player ready...
|
طبيب باكستاني يساعد الناس على التكيف مع صدمة عنف المتطرفين
دكتور ميان افتخار حسين / مؤلف زائر
عن المؤلف: يدير الدكتور ميان افتخار حسين مستشفى افتخار النفسي في بيشاور، باكستان منذ عام 2003. عمل من عام 1985 إلى عام 2010 في مستشفى سارهاد للأمراض النفسية. قام بوظيفة مستشار نفسي لمستشفى خيبر التعليمي، ومستشفى ليدي ريدنغ وعدة مستشفيات أخرى في المنطقة. وهو عضو في اللجنة التنفيذية للجمعية النفسية الباكستانية وعضو دولي في الرابطة الأمريكية للطب النفسي.
رجل في أواسط العشرينات كان يعاني من نوبات هلع حادة نتيجة اضطراب ما بعد الصدمة، أحضرته أسرته إلى المستشفى. كان يستقل سيارة جيب مع أصدقائه في الجزء الجنوبي من إقليم خيبر بختونخوا عندما هاجمته حركة طالبان التي أمطرت السيارة بالرصاص، ورأى بعينيه ثلاثة من أصدقائه وهم يموتون نتيجة وابل النيران. احترقت السيارة، ولكنه تمكن مع أحد أصدقائه من القفز منها والنجاة.
هذا الشاب هو مجرد واحد من آلاف المدنيين الذين يتأقلمون مع الندوب النفسية العميقة التي سببها عنف المتطرفين.
مصدر المشكلة
ينبغي دراسة الآثار النفسية للإرهاب في إقليم خيبر بختونخوا من المنظور النفسي-الاجتماعي- الاقتصادي وليس فقط كنتيجة فرعية للإرهاب. وسوف تفيد هذه الدراسة في البحث عن العلاجات الممكنة. فهي، في المقام الأول، نتيجة ثانوية للحرب الأفغانية. فظاهرة “الطلبنة” تنتشر من أفغانستان إلى باكستان عبر حدود تمتد آلاف الكيلومترات في منطقة جبلية وعرة تشكل ملاذاً آمناً للإرهابيين. ومن العوامل الأخرى التي تسهم في الأنشطة الإرهابية في إقليم خيبر بختونخوا سوء الأحوال المعيشية، مثل ارتفاع معدلات البطالة وغياب المشروعات التنموية والتعليم.
في وقت من الأوقات، كان هناك نظام “الحكماء” القوي أو مجالس الشيوخ، التي تتولى تسوية كافة المسائل والمنازعات داخل المجتمع القبلي وسن القوانين. ولكن في المرحلة الأولية للإرهاب، تعرض جميع الشيوخ إما للقتل أو اُجبروا على الهجرة وملأت حركة طالبان الفراغ. وقد وفر كل هذا أساساً متيناً لتغذية الإرهاب. ومن هنا انبثق شكل مشوه للغاية من التطرف القبيح والمغالي في الوطنية.
استثارت الموجة الأولى من الإرهاب مشاعر قوية من الخوف، والرعب وانعدام الأمن فيما نشرت أفلام الفيديو صور التفجيرات الانتحارية، وعمليات القتل المستهدف، والاختطاف والإعدام العلني الوحشي. وتحت رحمة التنظيمات الإرهابية ومعاناة فقدان ما يُسمى سلطة الحكومة، انتابت الكثير من المواطنين مشاعر انعدام الأمن، والضعف، والعجز واليأس. كل هذا أدى إلى زيادة كبيرة في معدلات اضطراب القلق العام، واضطراب القلق الرهابي، واضطراب الهلع، التي ترتبط عادة بالتهديدات لحياة الفرد أو حياة القريبين منه والعزيزين عليه. كما يمكن أن تؤدي مخاطر الخسارة الاقتصادية وفقدان الهيبة إلى ظهور هذه الأعراض.
بعد العنف
ووفقاً لتقييمي كاستشاري ممارس للطب النفسي، فإن أعداد الحالات النفسية الذهانية/ العصابية زادت أربعة أضعاف. فقد ظهرت على المرضى أعراض قلق ملحوظ، وصعوبة في النوم، وهياج وتعصب، وعدوانية، ونوبات عصبية، وعدم قدرة على التركيز، وضيق صدر، وارتعاش، وخفقان، وتعرق، وتوتر عضلي، وأعراض جسدية مختلفة وعجز جنسي. وأصيب المرضى برهاب اجتماعي ورهاب الميادين بشكل ملحوظ. وتجنبوا الذهاب إلى التجمعات والأماكن العامة. وقد أثّر سلباً على نوعية حياتهم ونوعية عملهم. وقد ازدادت حالات التعصب والتهيج في المجتمع بصورة عامة وفي الحالات النفسية الذهانية/ العصابية بشكل خاص.
- النازحون في الداخل يتجمعون عند مخيم العلاج النفسي المجاني في باكستان. تلحق الهجمات الإرهابية ضرراً نفسياً بالغاً بكل من الضحايا والشهود. مستشفى افتخار للأمراض النفسية
وعادة ما تنتاب الأطفال حالة رهاب من الذهاب إلى المدرسة وتظهر عليهم علامات تهيج ملحوظ؛ وتعصب؛ وسلوك عدواني؛ والتشاجر مع أشقائهم، ووالديهم، والأطفال الآخرين؛ والعناد؛ وعدم الامتثال؛ والعصيان؛ والسلوك المراوغ؛ والأرق؛ وفقدان الشهية؛ وعدم الاهتمام بالأنشطة الترفيهية. كما يعبر الأطفال عن مشاعر عدوانية من خلال لغة الجسد بالتشاجر وأيضاً من خلال أداء أدوار شخصيات عنيفة وهم يلعبون مع الأطفال الآخرين. وقد أقدم بعض المراهقين، الذين تعرضوا للتوبيخ من جانب والديهم والمدرسين بسبب غيابهم عن المدرسة، على الانتحار.
وظهرت حالات أخرى من اضطراب ما بعد الصدمة على أشخاص شاهدوا أحداثاً كارثية مثل التفجيرات الانتحارية، أو أنهم، مثل الأطفال، شاهدوا مثل هذا العنف على شاشة التلفزيون. وأظهروا علامات انعدام الأمن، وفرط الاستثارة/ اليقظة، وارتجاع الذاكرة، ونوبات هلع، وتجنب الأماكن أو أي علامة تذكرهم بأحداث عنيفة، وضيق صدر، وعدم القدرة على التركيز وكوابيس.
كما ظهرت على العديد من المرضى أعراض اكتئاب، هي وفقاً لممارستي مرتبطة بالخسارة. مثل أولئك المرضى فقدوا أقرباء مقربين لهم، وبيوتاً، وممتلكات، وأعمالاً تجارية، ووضعاً اجتماعياً، وعائلات. بل إن بعضهم فقد أعضاء أو أجزاء أخرى من أجسادهم. مثل هؤلاء المرضى يعانون من فقدان النوم، وفقدان الشهية، وانخفاض الرغبة الجنسية، وفقدان المتعة، وكذلك فقدان الاهتمام، والدافعية والثقة. تتسم أفكارهم بالسلبية وينتابهم شعور بالذنب، ورغبة في الموت والانتحار. وجاءني عدد قليل من الشبان البالغين المرضى تهيمن عليهم أفكار الذهاب إلى أفغانستان للجهاد، وهو فعل مقبول دينياً وثقافياً، ولكن بدوافع كامنة للانتحار نتيجة الاكتئاب.
إن نحو 56 بالمائة من السكان في باكستان تقل أعمارهم عن 25 سنة. ويكون الأطفال والشبان البالغون، أثناء عملية تطوير شخصياتهم، أكثر عرضة للاضطرابات العقلية والنفسية. علاوة على ذلك، فإنهم لم يكتسبوا خبرة كافية للتعامل مع الأحداث المجهدة. فالإرهاب يعطّل، ويؤثر سلباً على جميع مراحل النمو لدى الأطفال. ويمكن لمختلف الصدمات النفسية أن تعوق النمو العقلي والبدني للأطفال، واستقلالهم الذاتي، وثقتهم بالنفس، وقدرتهم على الاكتشاف، والإبداع، وحداثة أفكارهم، والإيجابية في التصور والسلوك.
هؤلاء الأطفال يكبرون مع رهاب ملحوظ وطويل الأمد، ويفتقرون إلى روح المبادرة والثقة، وتنخفض انجازاتهم المرتبطة بقدراتهم الموروثة. ويمكن للضغوطات الشديدة والمستمرة أن تؤدي إلى أمراض بدنية مختلفة، مثل قرحة المعدة، والربو، وأمراض نقص تروية القلب، والتهاب المفاصل، وضعف عام للجهاز المناعي.
- الدكتور ميان إفتخار حسين يعالج امرأة تعاني من اكتئاب حاد في تموز/ يوليو 2012 في مستشفى افتخار للأمراضالنفسية في بيشاور، باكستان، بعد أن قتلت قذيفة هاون ابن عمها. مستشفى افتخار للأمراض النفسية
لقد أصبح البقاء على قيد الحياة أكثر صعوبة بسبب الخسائر الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الحياة عموماً. ومهد ذلك الطريق أمام كافة ألوان الجرائم. وأود أن أقول إن مجتمعنا يسير بسرعة نحو مزيد من “سقوط الحضارة” أكثر من السير نحو الفوضى الكاملة. فإدمان المخدرات، لا سيما الحشيش، واستخدام العقاقير المزيلة للقلق ازداد بشكل هائل. وتسببت الصدمات النفسية الناجمة عن الأعمال الإرهابية في انتكاسة المرضى النفسيين.
قصص فردية
تساعد تجارب بعض مرضاي في توضيح المسألة.
-
في واحدة من الحالات، شاهد طفل عمره نحو 14 سنة شريط فيديو لرجل يُذبح على يد طالبان بعد أن اعتبر جاسوساً. ونتيجة لذلك، أصيب الطفل بنوبات من الهلع.
-
رجل عمره 40 سنة اختطف في ميرانشاه. كان ينتمي لأسرة زعيم اجتماعي كبير. تم تقييده بالأغلال واحتجازه أسيراً في كهف لنحو سنة في ظروف سيئة مع آخرين. في نهاية المطاف، تمكن من الهرب من براثن طالبان، ولكنه ظل يعاني بشكل ملحوظ من اضطراب قلق عام.
-
مراهق يبلغ من العمر نحو 16 عاماً، اختطفه أفراد من طالبان ومجرمون في ضواحي بيشاور. تعرض للتعذيب البدني والعقلي لمدة 40 يوماً، وتمت تغذيته بالمخدرات ثم ألقاه خاطفوه بعيداً بعد أن تلقوا فدية. وعندما نُقل إلى المستشفى ليراني، كان يعاني حالة حادة جداً من اضطراب ما بعد الصدمة، وتنتابه نوبات هلع، وصراخ وحاول مراراً الفرار من المستشفى بسبب ارتجاع الذاكرة المتكرر.
-
أصيب شاب آخر عمره 24 سنة بحالة اضطراب قلق عام ملحوظ عندما حمل السلاح مع أفراد آخرين من عائلته في وزيرستان، واقتفى أثر جماعة من طالبان كانت قد اختطفت أحد أشقائه. وبعد أن واجهوا طالبان، أجبروا على تسليم أسلحتهم. وحينما عاد، اكتشف شقيقاً آخر طريح الأرض، مقتولاً بالرصاص وسط بركة من الدماء.