يعد تماسك المؤسسات الأمنية في أثناء أو بعد وقوع الأزمات دليل على ولاء المؤسسة العسكرية وتعقيدات تخطيطها الإستراتيجي لتجاوز الصعوبات والتغلب على التحديات. وهذا يعود بالدرجة الأولى الى حكمة وخبرة القادة الأمنيين الذين يمثلون مفتاح نجاح الجيوش الحديثة في تجنب الإخفاقات والحفاظ على أمن وسيادة الدولة.
هناك دول كثيرة مرت بأزمات وحروب وفشلت في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وكانت النتائج كارثية على السلم الأهلي والاستقرار ليس فقط في الدولة ذاتها فحسب، بل في محيطها الإقليمي إذ غالباً ما تمتد الصراعات الى ما وراء الحدود وخاصة في منطقة حافلة بالصراعات كمنطقة الشرق الأوسط.
لابد من تسليط الضوء على نجاح الدولة اللبنانية أمام عدة أزمات خاصة الحرب الأهلية اللبنانية وما خلفت من حروب الوكالة المدعومة من عدة جهات إقليمية في شوارع بيروت، وبرغم سنوات من الإقتتال الداخلي والدمار الكبير الذي لحق بلبنان تمكّنت الدولة اللبنانية من اجتياز الصعاب بحكمة وحذر ونجحت في بناء قوات مسلحة مهنية تفتخر بهويتها الوطنية فوق الإنتماءات الطائفية الضيقة.
ما أن انقشع غبار الحرب الأهلية في عام 1989 وبدأ لبنان في رحلة التعافي برزت القوات المسلحة اللبنانية في مقدمة مؤسسات الدولة الأخرى في قدرتها على تنفيذ مهامها وإعادة بسط الأمن والأمان. وتعافي الجيش اللبناني فاق جميع التوقعات وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في ظل نظام قيادة وسيطرة متعدد المستويات ويمتلك خطط إستراتيجية وخطط بديلة لمواجهة التحديات ومواكبة المتغيرات على الساحة. وهذا عائد بالدرجة الأولى للبنية المؤسساتية الصلبة للدولة اللبنانية والجيش اللبناني، وحسن التنسيق بين القوى الأمنية المختلفة والإدارة الفعالة للموارد.
وتتجلّى الإدارة الفعالة للموارد أولاً بحرص الجيش على اختيار نخبة
ضباطه للمراكز القيادية الحساسة، وكما هو الحال في بقية مفاصل المؤسسة العسكرية، تكمن هيبة ومهنية الوحدة بمهنية قائدها وحرصه وتفانيه في
تنفيذ القوانين والأوامر.

فالقائد يجب أن يمتلك صفات القيادة وتاريخاً حافلاً بالإنجازات العسكرية وأن يكون مثالاً لمرؤوسيه في النزاهة والأخلاقيات العسكرية، وهذا ما جعل اختيار قيادة الجيش يقع على اللواء الركن محمد حسين المصطفى لترشيحه لتبوؤ منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع. فخبرته الميدانية في خوض معارك ضد الإرهاب وقيادته لفوج مغاوير البحر ومن ثم قيادة اللواء الثاني في فترات استدعت تدخل الجيش للحفاظ على أمن الوطن أثبتت عن حنكته وشجاعته وولائه للوطن.
ولا بدّ من الإضاءة أولاً على دور المجلس الأعلى للدفاع، الذي يستند
إنشاؤه على قانون الدفاع الوطني تاريخ 16/9/1983 (الفصل الثاني التنظيم
العام للدفاع الوطني).
ويتألف المجلس من رئيس الجمهورية رئيساً، ورئيس الوزراء نائبا للرئيس، وزراء الدفاع، الخارجية، المالية، الداخلية والاقتصاد أعضاء.
تكمن أهمية دور المجلس الأعلى للدفاع في كونه يقرر الإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعية للدولة كما حددها مجلس الوزراء وتبقى مقرراته سرية، ويولي أهمية خاصة للتعبئة الدفاعية التي تتناول القضايا الاساسية التالية:
- الخدمة العسكرية والتجنيد الاجباري.
- التعبئة التربوية.
- تعبئة النشاط الاقتصادي بفروعه الزراعية والصناعية والمالية والتجارية.
- تعبئة النشاط الصحي والطبي.
- تعبئة عامة للدولة والمواطنين وخاصة الدفاع المدني.
- تعبئة نشاطات الارشادات والتوعية.
كما يوزع المجلس الاعلى للدفاع المهام الدفاعية على الوزارات والاجهزة المعنية ويعطي التوجيهات والتعليمات اللازمة بشأنها ويتابع تنفيذها ويقر خطة توزيع المعدات والمواد لهذه المهام.
أما في ما خص دور الأمين العام، فهو يتولى بصورة أساسية كما ورد في مرسوم إنشاء المجلس ”جمع المعلومات واستكمالها من الدوائر المختصة ووضع الدراسات والتقارير التي تمكن السلطات المسؤولة من اتخاذ القرارات المناسبة. وفي هذا المجال على جميع الاجهزة المعنية ان تزود الامانة العامة للمجلس الاعلى للدفاع تلقائيا بجميع المعلومات المتعلقة بالدفاع والامن. كما انه يمكن للامانة العامة طلب المعلومات الضرورية من مختلف الوزارات والادارات العامة لاستكمال الملفات والدراسات الامنية والدفاعية التي تقوم بتحضيرها“.
بالتوازي مع دوره كأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع، يشغل اللواء الركن مصطفى عضوية المجلس العسكري، وهو المجلس المعني بمختلف شؤون مؤسسات وزارة الدفاع الوطني من ترقيات وتشكيلات وموازنات وتعيينات وما شابه ذلك من أمور أساسية أخرى. كما أنه يرأس الفريق الوطني للأمن السيبراني المسؤول عن وضع خطة لمواجهة الجرائم السيبرانية وإعداد إستراتيجية وطنية لمأسسة عمل الأمن السيبراني، بالإضافة إلى ترؤسه للجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية.

من خلال هذه اللجنة، التي تضم في عضويتها ممثلين عن جميع الوزارات والإدارات والأجهزة المعنية بإدارة الكوارث، لعب اللواء الركن محمد المصطفى دوراً محورياً في توجيه وإدارة جهود الاستجابة الوطنية للأزمة الناتجة عن الأعمال الحربية التي هددت أمن وسلامة المجتمع وإستدعت لمواجهتها تدخلاً ومعالجة ومواكبة على الصعيد الوطني من مختلف الإدارات.
وعلى أثر تزايد وتيرة الأحداث الأمنية منذ 7 أكتوبر 2023، تفاقمت الصراعات لتصل إلى حرب شاملة أدت إلى دمار واسع النطاق وفقدان كبير للأرواح، بالإضافة إلى نزوح جماعي داخلي لأكثر من 1.3 مليون فرد وتدمير أو تضرر أكثر من 90,000 من الأصول المادية، بما في ذلك البنى التحتية، والمنازل، والمدارس، والطرق، والأراضي الزراعية.
وبفضل قيادته الحازمة وتفانيه في العمل على رأس اللجنة الوطنية، تمكن اللواء الركن محمد المصطفى من التحرك سريعاً وتفعيل غرفة العمليات الوطنية بأمر مباشر من رئيس الحكومة، لضمان تنسيق الاستجابة على المستويين الوطني والمحلي، والتفاعل مع المنظمات الإنسانية الدولية بسرعة لتلبية احتياجات الحياة الأساسية في مجالات الغذاء والصحة، مع التركيز بشكل أساسي على توفير مأوى آمن وكريم للنازحين في الداخل اللبناني.
تم تفعيل الخطط على المستوى المركزي، والتنسيق مع المستويات المحلية وغرف العمليات في المحافظات. وأشرف اللواء الركن على عملية تنسيق تعبئة الوزارات والجهات الأمنية وتفعيل الإجراءات الموحدة التي تندرج ضمن الإطار العام لخطة الإستجابة الوطنية. وتم تحديث الخطة الوطنية التي قامت اللجنة بتطويرها لتشمل الأدوار والمسؤوليات المناطة بكل الوزارات والإدارات والهيئات الوطنية. وقد سعى اللواء محمد المصطفى الى مصادقة هذه الخطة من قبل مجلس الوزراء لتكون بمثابة إطار العمل الرسمي والقانوني لتنفيذ الإستجابة ضمن صلاحيات وإمكانات جميع الجهات المعنية. وتتضمن الخطة عدة سيناريهوات لحالات طوارئ. وقد وُضعت تعليمات تصرف دائمة لمثل هذه السيناريوهات التي تشمل الزلازل والهزات الأرضية، الفيضانات والسيول، الحروب، حرائق الغابات، النزوح الداخلي والخارجي؛ وتم توزيع الأدوار بوضوح في كافة مراحل الإستعداد والإستجابة والنهوض المبكر، ما يفرض تنسيقاً إحترافياً بين المعنيين. وبالرغم من التحديات الجسيمة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة والتي عصفت بلبنان منذ أكثر من خمس سنوات، أصرّ اللواء على تفعيل الحد الأقصى من تنسيق قدرات القطاع العام وتوجيه جميع الأعضاء الممثلين لوزاراتهم ومديرياتهم للعمل المشترك تحت مظلة اللجنة، ما أسهم في الحفاظ على تماسك الاستجابة الوطنية.

وقد برزت هذه الإنجازات في قدرته على تحويل لحظات الفوضى الأولى إلى حالة من التنسيق المنظم على صعيد عمل اللجنة، وإحاطة رئيس الحكومة بالوقائع والإجراءات اليومية بغية التوصل الى قرارات استراتيجية تراعي السلامة العامة والظروف المالية الدقيقة. وتم تسخير التكنولوجيا لتعزيز فعالية الاستجابة، حيث أطلق منصة لوحة العمليات التي تزود اللجنة ببيانات آنية حول مواقع الإيواء وعدد النازحين واحتياجاتهم الإنسانية، ما مكّن من توجيه الدعم بصورة أكثر دقة وفعالية، وخصوصًا في جمع البيانات بشأن النزوح وتنسيقها وعرضها بصريًا.
فقد تم استخدام أدوات رقمية متقدمة ولوحات تحكم آنية لتتبع الاحتياجات والخدمات وحركة السكان التي توفر دعم أكثر دقة وفعالية. وهذه الادوات تمكن إصدار خرائط وتقارير تركّز على شدة الأضرار لدعم اتخاذ القرار في الوقت الفعلي وتخصيص الموارد بناءً على الأدلة، خصوصًا من خلال صور الأقمار الصناعية، لتحديد حجم الدمار وتقييم الاحتياجات بسرعة.
وقد سعى اللواء الركن محمد المصطفى على رأس اللجنة الى تطبيق استراتيجيات التواصل العام والمشاركة المجتمعية بشكل منتظم خلال الاستجابة. فبينما نسّقت بعض الجهات مباشرة مع المجتمعات المحلية ورؤساء المراكز لجمع البيانات وضمان تقديم الخدمات، افتقرت جهات أخرى إلى الموظفين لهذا النوع من التنسيق المباشر. فتم الاستعاضة عنه من خلال التقارير اليومية للحالة الوطنية (Daily Situation Report) التي تنشر الإحصاءات والتحديثات عبر منصات التواصل الاجتماعي ضمن استراتيجية اتصال واضحة لضمان الانتشار الأوسع والتحديثات في وقت أنسب للجماهير.
وعلى الرغم من التحديات، استطاع اللواء الركن مصطفى أن يحافظ على وحدة الجهود في مواجهة الأزمة، معززاً مبدأ العمل المشترك بين المؤسسات، ومكرّساً نموذجاً ناجحاً في أوقات الطوارئ. ويُعد إشرافه المباشر وأسلوبه القيادي التشاركي والمرن، من أبرز عوامل نجاح اللجنة في التصدي للتداعيات الإنسانية الناجمة عن الأعمال الحربية.
باختصار، يعكس أداء اللواء الركن كرئيس للجنة الوطنية نموذجاً فعّالاً في إدارة الأزمات وتنسيق الجهود الوطنية.
وبما أن اللجنة الوطنية أنشأت لإدارة المخاطر المتوقعة لأي كارثة أو أزمة وطنية بناءً على مؤشرات تستدعي إجراءات إستباقية بالدرجة الأولى؛ قام اللواء الركن رئيس اللجنة بدوره الأمني كأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع بالتوازي؛ وذلك بجمع المعلومات الامنية وتحليلها وتقديم المشورة في عملية صنع القرار بمواضيع يمكن أن تشكل تهديداً للأمن الوطني. وبناء عليه، فهو قام ويقوم بشكل يومي ومستمر بإحاطة القيادة السياسية حول جميع التهديدات والمؤشرات المتعلقة بالأمن الوطني، والتي يمكن أن تؤدي بتداعياتها الى أزمات وطنية تؤثر على الأمن القومي أو الأمن الاقتصادي أو الصحي أو الإجتماعي أو البيئي.
ويستمر هذا الدور بفعالية كبيرة في عهد جديد وحكومة جديدة تعهدت ببسط سيادتها على كامل التراب اللبناني وتعمل بشكل حثيث على حصر السلاح بيد الدولة.
لذلك يعمل لبنان على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، والتحدي الكبير أمام المنطقة أن يطبق هذا القرار من قبل جميع الأطراف. الجانب اللبناني يركز على بسط الأمن في المناطق الحدودية وهذا يحتاج لنشر قوات لبنانية في منطقة جنوب نهر الليطاني وبحاجة الى تجنيد ما يقارب الخمسة آلاف عسكري لسد هذه الفجوة مما يستوجب قرارات حاسمة من قبل قيادة الجيش والحكومة، بالإضافة إلى ارادة قوية للمساعدة من قبل مانحين دوليين. فتدريب وتجهيز هذا العدد من الجنود بحاجة لميزانية كبيرة ورواتب وثكنات إضافة الى أنّ دقة الإختيار والتنوع الإجتماعي والتدقيق الأمني يتطلب عملاً جاداً من قبل جهة تمتلك سلطات تنفيذية وقيادة مهنية تمتلك خبرات في عمل المؤسسة العسكرية اللبنانية وبعيدة عن التجاذبات السياسية والمناطقية وولاءها الخالص للوطن، وهي الصفات التي تتوفر في مختلف قادة المؤسسة العسكرية اللبنانية.
وبالنسبة للتحديات التي تواجه لبنان، يقول اللواء الركن محمد المصطفى: ”مرّ لبنان بظروفٍ وأوضاع لا قدرة لأي دولة على تحمّلها، إذ اجتمعت التحديات الأمنية مع الصعوبات الإقتصادية والمالية وقلة الموارد والكوارث الطبيعية مضافاً إليها حجم نزوح هائل وتداعيات حرب طاحنة تتطلّب انطلاقاً فورياً في ورشة إعادة الإعمار، ومعضلة السلاح المتفلت، وتحدّي ضبط ومراقبة وتحديد الحدود البرية والبحرية ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة والإرهاب، بالإضافة إلى الموارد المحدودة لإستعدادات التأهب للكوارث على الصعيد الوطني. إلّا أن بلدنا غنيّ بطاقاته وكوادره البشرية، وهي كفيلة بإعادته إلى مكانته الطبيعية كدرّة الشرقين ومالئ القطبين كما يقول نشيدنا الوطني. ونحن كأبناء المؤسسة العسكرية التي قدمت الغالي والنفيس في سبيل رفعة وعزة هذا الوطن، نجدد التأكيد على أنّ المدخل الأساس لمجابهة هذه التحديات يمرّ عبر توفير الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية عتاداً وتسليحاً وتدريباً للقيام بالمهام الموكلة إليها لأنها الممر الإلزامي لبناء دولة السيادة والقانون والمؤسسات.“
