التعاون الدولي يعزز الأمن الإقليمي
الإمارات تسعى إلى مشاركة بناءة من الشركاء العالميين للمساعدة في استقرار الشرق الأوسط
الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
يوفرلنا حوار المنامة منصة مهمة لتبادل وجهات نظرنا حول ديناميكيات الأمن الإقليمي والعالمي. أعتقد أن مثل هذه المحادثات مفيدة لا سيما في مثل هذا المنعطف الحرج الذي تمر به منطقتنا في ضوء الحرب في غزة.
لقد تسببت هذه الحرب في أزمة إنسانية خطيرة، وألقت بالشكوك على تطلعات الاستقرار في منطقتنا، وجلبت تحديات استراتيجية جديدة إلى الساحة العالمية. وبينما قد يكون من السابق لأوانه معرفة آثار هذه الأزمة على مسار العلاقات الإقليمية والدولية، إلا أنه من المهم الإقرار بأن تداعياتها ستستمر لسنوات قادمة.
أود أن أقضي بضع دقائق في الحديث عن موضوع الانتقال نحو المنافسة العالمية. خلال مشاركتي في حوار المنامة لعام 2019، تحدثت عن كيف كنا على وشك الدخول في عام 2020 بنظام عالمي زئبقي للغاية، بدا وكأنه يفتقر إلى اتجاه واضح، نظام عالمي تتصاعد فيه إمكانية زيادة المنافسة بين القوى الكبرى، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
وبعد مضي بضعة أشهر فقط، انتشرت جائحة كوفيد 19 في جميع أنحاء العالم، مما أضاف بعداً غير مسبوق من عدم اليقين والغموض في السياق الاستراتيجي الدولي، وتسبب باضطرابات جمّة في الاقتصاد العالمي. كما تزيد الحرب في أوكرانيا من حالة عدم اليقين الجيوسياسي، مقرونة بآثارها الثانوية على الاقتصاد الدولي بأكمله وعلى الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
وتتفاقم هذه التحولات بسبب التوجهات العامة الأوسع كتغير المناخ، وطبيعة عالمنا الحديث المترابط للغاية، والآثار السياسية والاقتصادية والأمنية للمنافسة في مجال التكنولوجيا. ولذا فإن طريقة تعاملنا مع هذه التوجهات ستشكل مستقبلنا.
أود أن أؤكد على نقطتين مهمتين فيما يتعلق بالديناميات المتغيرة في السياسة العالمية والشرق الأوسط. إن الشرق الأوسط على دراية كبيرة بالمنافسة الجيوسياسية الجارية في نظامه الإقليمي. والواقع أن أحد التحديات الرئيسية التي نواجهها تتمثل في الديناميات المتغيرة للسياسة العالمية.
ونحن نعي جيداً أن نظاماً دولياً أكثر اضطراباً سيؤثر حتماً على منطقتنا. وهي مسألة علينا التعامل معها سواء أكان ذلك فيما يتعلق بمخاوف بشأن كيفية تطور المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، وهي منافسة لا نرغب في أن يتم تحديد موقعنا وقيمنا من خلالها، أو فيما يتعلق بالتساؤلات حول كيفية شكل النظام الدولي في اليوم التالي للحربين في أوكرانيا وقطاع غزة.
إن الانتقال نحو نظام دولي يغلب عليه الانقسام بشكل متزايد ليس في مصلحة أحد. وكذلك هو الحال بالنسبة لحالة عدم اليقين المتزايدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، فالمنطقة التي مرت بأصعب عقد من الزمن بسبب ما سُمي بعقد الربيع العربي، هي المنطقة التي يشكل فيها خطر التصعيد وتزايد فراغات السلطة تهديداً مستمراً.
وفي ظل حالة من عدم الاستقرار والاضطراب في الشؤون الدولية والإقليمية، بات من الضروي أن يواصل الشرق الأوسط بعناية رسم مسار لضمان الاستقرار والازدهار والسلام لدولنا.
لقد شهدنا بعض المؤشرات الواعدة في السنوات القليلة الماضية، حيث عملت دول الشرق الأوسط معاً لإيجاد حلول لخفض التصعيد وتهدئة الصراعات، وإعادة بناء العلاقات، والتركيز على الأهداف المشتركة. وعلى الرغم من أن هذا التقدم كان متفاوتاً، إلا أننا جددنا الأمل في أن يرسم الشرق الأوسط مساراً جديداً في السنوات القادمة. ولا شك أن الحرب في غزة تمثل انتكاسة خطيرة لجهود وقف التصعيد في المنطقة ككل.
لذا لا بُد من منع ترسّخ سرديات الانقسامات في المنطقة، ومواجهة التطرف بجميع أشكاله. وبينما نواصل العمل الجاد من أجل وقف الأعمال العدائية، فإن الأولوية العاجلة هي تحقيق وصول مستدام وغير مقيد للمساعدات الإنسانية إلى غزة وتقديم كميات كبيرة من مواد الإغاثة للتخفيف من معاناة المدنيين فيها.
واستجابة لهذه الحاجة الماسة، كثفت دولة الإمارات بشكل كبير جهودها الإنسانية لدعم سكان غزة، ليس من خلال زيادة التزاماتها المالية فحسب، وإنما أيضاً عبر العمل التضامني مع الفرق الطبية في غزة لإنشاء مستشفى ميداني للطوارئ هناك، وكذلك عن طريق نقل الأطفال من غزة إلى دولة الإمارات لتلقي العلاج الطبي.
وقد قمنا مؤخراً بنقل 90 طفلاً مصاباً جواً إلى أبو ظبي وذلك في إطار التزامنا بتوفير هذه الرعاية لـ 1000 طفل جريح من غزة. وهذا بالطبع جزء بسيط للغاية مما تحتاجه غزة. ولكن علينا جميعا أن نعمل معاً للتأكد من تعزيز الجهود الإنسانية واستدامتها.
وقد حان الوقت للنظر إلى المستقبل، وطرح بعض الأسئلة العميقة والاستقصائية على أنفسنا. هل يمكننا المحافظة على زخم استشراف المستقبل رغم الأزمات الإقليمية؟ وفي ظل الحرب الدائرة في غزة وتداعياتها، هل يمكننا العمل معاً لإيجاد حلول دائمة لتهدئة التوترات الحالية في الشرق الأوسط؟
أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة هي أننا يجب أن نواصل وبحزم طريقنا في الدفاع عن الاستقرار الإقليمي وهذا يقتضي مواصلة الجهود الرامية إلى “إصلاح المنطقة”، وذلك عبر تعزيز الخطط الوطنية للتنمية لضمان التقدم، ومن خلال الجهود التعاونية مع الشركاء الدوليين والإقليميين لوضع استراتيجيات طويلة الأمد للمنطقة. إن الحاجة إلى شركاء موثوق بهم في المنطقة أمر أساسي.
هناك قضايا في المنطقة تحتاج إلى حلول مستدامة من بينها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتطلعات الشباب إلى السلام والازدهار في جميع أرجاء المنطقة. وعلى الرغم من أن بعض هذه القضايا لا تزال بعيدة المنال، إلا أنه يجب معالجتها لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في الشرق الأوسط.
تبقى الإمارات ملتزمة بأمن المنطقة واستقرارها وعازمة على مواصلة العمل مع الاصدقاء والشركاء لتنفيذ أجندة الازدهار المشترك. ومن خلال القيام بذلك، سنواصل إعطاء الأولوية لخفض التصعيد وإقامة الشراكات والعمل الدبلوماسي وتعزيز تركيزنا على الجيواقتصاد كون المتانة الاقتصادية أمراً أساسياً لسلامة دول المنطقة، ولتحقيق الاستقرار المشترك الذي يعود بالنفع على الجميع.
وإذا نجحنا في سعينا نحو تحقيق هذه الأهداف عبر اتباع سبل شاملة وتعاونية مع الشركاء الإقليميين والدوليين، فمن الممكن تحسين الأمن الإقليمي وإرساء الأسس اللازمة لشرق أوسط أكثر ازدهاراً وسلاماً في السنوات القادمة.
التعليقات مغلقة.