جهاز مكافحة الإرهاب
يمتاز العراق بتعدد الثقافات نتيجة التعدد العرقي والأثني لوطن تعاقبت على ارضه الحضارات منذ القدم. برغم أن هذا التنوع هومصدرفخر للمجتمع العراقي الذي يعتبره هويته الوطنية والتاريخية، لكنه أيضا يعتبر بيئة خصبة لنمو الأفكار والأيدولوجيات الدينية والمذهبية والسياسية المتنافسة الى الحد الذي يستغله المتطرفون لنشر أفكارهم الأقصائية وتحويل تنوع الأطياف الى الصراعات العنيفة مكونة جماعات اثنية وعرقية تنغلق على نفسها بدعوى الاحقية فيما تتبناه هذه الجماعة او تلك.
مر العراق بحقب تاريخية من الصراعات المذهبية والعرقية وهو لا يختلف كثيرا عن باقي الامم والشعوب سواء في اوربا او المنطقة العربية والاسلامية التي عانت من ويلات الخلافات المجتمعية نتيجة الاختلاف في الطروحات والرؤى اتجاه المقدس الديني او المتبنى السياسي.
ساعدت البيئة المنغلقة التي شكلها نظام الدكتاتور صدام حسين وسياسته الداخلية اتجاه المجتمعات العراقية المتنوعة على اتساع الفجوات بين الاطياف التي تشكل الشعب العراقي وحولته الى مجتمعات منقسمة متناحرة بعد ان فقد المجتمع العراقي هويته الوطنية الموحدة التي تجمعه والتي اختزلها النظام السابق في عنوان البعث وقائد البعث!
استغلت بعض دول الجوار ذات النوايا الخبيثة هذا الانقسام بعد سقوط نظام صدام ومهدت الطريق لمجموعات التطرف للتغلغل في الساحة العراقية وتنوعت العناوين والرايات و بدأت الشعارات تنطلق من هنا و هناك بهدف انشاء الجماعات التي شكلت قواها المرحلية لفرض اراداتها الفكرية و السياسية على النظام الجديد في العراق وكان اخطرها تنظيم القاعدة الذي اعلن الحرب على أهل العراق و انطلقت سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسيحيين والأيزيدين العراقيين والهجمات الطائفية وأخرى عرقية، لم يستثن الإرهاب من عملياته الا اتباعه، وهنا بدأت مرحلة جديدة من الانقسامات الفئوية والطائفية والعرقية و ليدخل المجتمع العراقي دائرة التهديد الوجودي بعد اتساع مساحة الاختلافات وتحولها الى انهار من الدماء التي اريقت بين أبناء الوطن الواحد.
و استنادا لما تقدم من موجز وصفي للحالة العراقية، تظهر لنا حجم وصعوبة المهمة لإعادة بناء النسيج العراقي.
تنطلق رؤيتنا الاستراتيجية لمكافحة التطرف العنيف في جهاز مكافحة الارهاب من مفهوم (العراق هويتنا) والتي نستند عليها كمنطلق لوضع الخطط لمكافحة التطرف المؤدي الى الارهاب.
ومنذ تأسيس جهاز مكافحة الإرهاب عام 2007 وضعت قيادة الجهاز برنامج لمكافحة قدرات وسائل التنظيمات الإرهابية الاعلامية بمختلف اساليبها على قمة اولوياتها في المنع والاعاقة والمجابهة الفكرية والميدانية وكشف التضليل الفكري ومحاولات خلق بيئات اجتماعية مغلقة طائفيا او عرقيا يسهل السيطرة عليها عبر التأثير الفكري المضلل والدعاية الاعلامية التي تشكل السلاح الاكثر فعالية وتأثير لدى الجماعات المتطرفة للاستحواذ على عقول الصبية والشباب في المجتمعات المنغلقة.
ركزت قيادة جهاز مكافحة الارهاب على كسر الحواجز النفسية التي خلقتها المنظمات الارهابية بعد سقوط النظام السابق مع الاشارة الى اننا بدأنا متأخرين كدولة بسبب الظروف السياسية الناتجة عن التحولات الديمقراطية.
اليوم تفهم مؤسسات الدولة العراقية مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية والامنية اكثر من السنوات التي مضت من عمر التجربة ,ولهذا انطلقت القدرات النفسية والاعلامية في جهاز مكافحة الارهاب لتنفيذ خططها في كسر الحواجز وردم الانفاق النفسية والفكرية وبدأت اولى عملياتها في مخيم الجدعة جنوب محافظة نينوى لإعادة احتضان العوائل النازحة واللقاء بهم وفتح قنوات الاتصال والتواصل معهم وعدم تركهم لقمة سائغة للجماعات الارهابية والمتطرفة وعرضة للاستغلال والتجنيد.
استندت فعاليات مكافحة التطرف العنيف في جهاز مكافحة الارهاب على موارد التحليلات الاستخبارية والدراسات التي يجريها الباحثون على عينات من الملقى القبض عليهم من الارهابيين لبيان الدوافع النفسية والفكرية التي دفعتهم الى السلوك المتطرف والعنيف وتحليل البيئة الاجتماعية وخلفياتها الفكرية ،وكذلك معطيات التحليل الميداني لساحات العمليات في المجتمعات المستهدفة والحاجات والتحديات والمخاطر وعليها تؤسس خطط مواجهة التطرف والانغلاق وكسر الجمود في العلاقات بين المجتمعات العراقية نفسها وبينها وبين القوات المسلحة العراقية وهنا بدأت عملية اذابة الهويات الفرعية (الدينية، الطائفية، العرقية) في بودقة الهوية الوطنية العراقية.
شملت فعاليات مكافحة التطرف التي نفذتها وحدات جهاز مكافحة الارهاب اغلب المحافظات العراقية وكانت كركوك وكنائسها ومساجدها ومدارسها بأطياف ألوانها المجتمعية احدى أهم المحطات التي ركزت عليها جهودنا بعملية (أنتم ابناء العراق) ومنها انتقلت الى الموصل شمالا والناصرية والسماوة جنوبا برسالة نحن ابناء العراق نرفض التطرف.
كما وضعت قيادة الجهاز رعاية العراقيين من أتباع الديانة المسيحية وزيارتهم والتواصل معهم عبر اقامة الفعاليات الجماهيرية اثناء الاحتفالات والاعياد المسيحية وحضورها من قبل قيادة وضباط ومنتسبي الجهاز وتقديم الهدايا ورسائل السلام المتبادلة كأساس راسخ يمكن ان يعيد بناء اللحمة الوطنية ويقدم الطمأنينة لأبنائنا من الطائفة المسيحية في العراق.
تواجه عمليات مكافحة التطرف العنيف تحديات منها زمانية ومنها مكانية، حيث تختلف مستويات التطرف في المجتمع العراقي بين منطقة وأخرى نتيجة الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و قدرة المتطرفين على التغلغل في تلك المنطقة او المدينة وعمر التغلغل الزمني وما انتجه من أجيال تبنت هذا الفكر او منحى الجماعة الإرهابية المتطرفة. خاصة الأطفال الذين خضعوا لغسيل دماغ ممنهج على يد ارهابيي داعش في المناطق التي كانوا يسطرون عليها والشباب الذين كانوا يجبرون على مشاهدة قطع رؤوس أقرانهم بتهم يلفقها الإرهابيون مثل ”مرتد“ او جاسوس.“ ولأن مثل هذه الأحداث تترك أثرا سلبيا في ذاكرة الطفل والشاب، يجب ان تعالج على يد اختصاصيين في السلوك السيكولوجي وتحتاج لحملات مكثفة لأعادة تأهيلهم.
ساهمت الجهود الدولية و الدعم الاممي للتحالف الدولي في بناء ودعم الجهود العراقية لبناء قدرات مكافحة التطرف وقدمت لها ،عبر المنظمات الاجتماعية و الإنسانية و مستشاري التحالف الدولي، الموارد الساندة و المعدات والتدريبات التخصصية لرصد و إعاقة رسالة خطاب التطرف و الكراهية التي تبثها منصات تنظيم داعش و العمل على مواجهته بروح الفريق العراقي الموحد.
وقد اثبتت القدرات العراقية بعد سنوات من عمر المواجهة مع الإرهاب انها قادرة على هزيمة داعش ميدانياً و في العالم الافتراضي الرقمي وبدأت بشائر الهوية العراقية تهلل في فضاء العراق وتحتضن ابناءه تحت راية العراق الديمقراطي الموحد بسنته وشيعته، عربه وكرده، مسلميه و مسيحييه ويزيدييه، عراق واحدة يفتخر بتاريخه المشترك و مستقبله المشرق.
التعليقات مغلقة.