رسالة قائد مهم
في البدء، أود ان أتقدم بالشكر الجزيل لأصدقائنا في القيادة المركزية لدعوتهم الكريمة لنا لتقديم هذا العدد الجديد من مجلة يونيباث الموقرة، والذي يركز على مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في المناطق المحررة. كما أن هذا العدد الخاص يتزامن مع احتفال مجلة القيادة المركزية (يونيباث) بعامها العاشر، إذ واكبت أحداثًا كثيرة في المنطقة وكان لها دورٌ متميز في تسليط الضوء على الانتصارات الباهرة لقواتنا المسلحة.
أود أن اغتنم هذه الفرصة لأقدم شكري واعتزازي لمنتسبي مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، إذ كانوا يزفون أخبار النصر لبيوت العراقيين في الوقت الذي يحاربون به أكاذيب وهرطقات داعش. فعندما كانت طائرات التحالف تقصف مخابئ إرهابيي داعش على مشارف محافظة صلاح الدين، كان أبطال هذه المديرية يوزعون مجلة يونيباث في الخنادق الأمامية. إذ كانت صفحات المجلة تؤكد التزام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على دعم القوات العراقية لتحرير أرض العراق من دنس الإرهاب. كما كان لنشرها لقصص وبطولات قواتنا المسلحة الأثر الكبير في طمأنة الشعب العراقي وشعوب المنطقة من خلال تأكيدها على أن القوات المسلحة العراقية قادرة على دحر الإرهاب وإعادة سيادة العراق على كامل أراضيه.احتلال تنظيم داعش الإرهابي لأراض شاسعة من محافظاتنا الشمالية والغربية مثل منعطفًا خطيرًا في تاريخ العراق، وكنا في حال لاتسر الصديق للحد الذي اعتقد البعض أن العراق متجه إلى اللادولة والفوضى. الجرائم التي ارتكبها مقاتلو تنظيم داعش يندى لها جبين الإنسانية وتقشعر لها الأبدان، ولم تستهدف داعش البشر فحسب، بل لم يسلم منها حتى الحجر، إذ دمرت بمعاولها آثارًا انسانية وشواهد تاريخية لأنها قررت إعادة كتابة التاريخ وفق أوهام زعمائها.
بعد نكسة الموصل بدأنا كقادة البحث في أسباب انكسار قواتنا بتلك السرعة؛ فوجدنا أن هناك خلل في إعادة بناء القوات المسلحة بعد 2003، والتي تمت على شكل سريع ومربك خارج السياقات المتبعة ولم تخضع القوات للتدريبات والسياقات التقليدية. وكان القرار بعد حزيران 2014 هو إعادة بناء القطعات العسكرية على السياقات والمناهج التي بني عليها الجيش العراقي ولم نقتصر على الجانب البدني والتكتيكي في تدريب الجيش فحسب، بل خصصنا كثيرًا من الوقت والجهد والإمكانيات لتدريب جنودنا على جوانب معنوية كأخلاق الفرسان والالتزام بحقوق الانسان والمعاهدات الدولية المتعلقة بقوانين الحرب. ما يدعو للفخر هو أننا قمنا بالتدريب والقتال بنفس الوقت واستطعنا أن ننتصر على الجبهتين. حيث تعود الوحدات المتضررة إلى الخطوط الخلفية فيتم إعادة تجهيزها وتدريبها ثم تنتظر دورها للالتحاق في المعركة لتبدل وحدة أخرى واستمر الأمر على هذا المنوال حتى تم النصر.
ان المعركة ضد الإرهاب معركة معقدة ومتعددة الأبعاد ولا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل على الجانب الفكري، والاقتصادي والثقافي. وما يجعلها أكثر خطورة هو كونها معارك داخلية تجد لها حواضن ومتعاطفين وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى تصدع الجبهة الداخلية حيث يستثمر الإرهابيون في البيئة الهشة التي تفتقد أبسط مقومات الحياة وتعاني من البطالة، فيبدأون بإثارة الفتن والتحريض على محاربة الدولة ويقوم أئمتهم
بتأويل النصوص المقدسة واستخدامها لتبرير جرائمهم الإرهابية لكل من يخالفهم الرأي. وكلما وجدوا لهم موطئ قدم بين المواطنين، كلما صعب هزيمتهم واجتثاث فكرهم الهدام، لذلك يجب على الأجهزة
الأمنية والاستخبارية ملاحقة المروجين لأفكارهم والمحرضين ضد الحكومة ومؤسساتها الأمنية والخدمية وعدم السماح لهم بالتغلغل في المجتمع.
وقد لعب أصدقاؤنا في قوات التحالف الدولي دورًا كبيرًا في التدريب الميداني إضافة إلى التدريب التقني على المعدات الحديثة حيث قطفنا ثمار الشراكة من خلال الدعم الجوي والاستخباري واللوجستي على مدار الساعة. وحتى بعد التحرير لازال تواصل الشراكة يؤتي ثماره وخير دليل على ذلك هو عملية مقتل الإرهابي أبي بكر البغدادي. وعملية إلقاء القبض على ثاني شخص في التنظيم الإرهابي، فهذه العمليات الاستباقية وملاحقة قيادات التنظيم هي نتيجة عمل استخباري تعاوني.
إن مرحلة ما بعد تحرير المدن من رجس داعش لا تقل صعوبة عن القتال داخل المدن إن لم تكن أكثر تعقيدًا. حيث خلف الإرهاب دمارًا كبيرًا في البنى التحتية، وجرحًا عميقًا في المجتمع، وأطفالاً تعرضوا للعنف وغسيل الدماغ. وهذا يحتاج لتكاتف جهود الدولة ومنظمات المجتمع المدني لإعادة تأهيل هذه الشريحة وحمايتها من أن تكون هدفًا للإرهاب. كما ونحتاج لجهد استخباري مكثف لملاحقة الخلايا النائمة، وشبكات التمويل والتجنيد. والاستعانة بحلفاء العراق لتبادل المعلومات الاستخبارية وملاحقة الشبكات الإرهابية خارج العراق، وعمل جماعي من خلال تكاتف جميع مؤسسات الدولة لإعادة بناء المناطق المحررة وإعادة الحياة الاقتصادية لها.وعلينا أن ندرك ان الهزيمة العسكرية التي منيت بها عصابات داعش لا تعني أن التنظيم انتهى، وهناك احتمالات كبيرة لعودته في أي مكان وفي أي لحظة طالما لازال فكره حيًا. إن محاربة فكر داعش ستشكل المعركة الأطول والتي تحتاج جهودًا وموارد أكثر ويتطلب الانتصار فيها وجود النية والعمل الجماعي لتطوير كل الخدمات الاساسية، وتوفير فرص العمل والتعليم، وإعادة دمج التائبين من أنصار داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى من الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء.
هناك آلاف الاطفال الذي ولدوا لمقاتلين إرهابيين يعيشون الآن مع أمهاتهم في معسكرات لاتتوفر فيها مقومات الحياة ولايتغذى فيها الأطفال إلا على مايسمعون عن فكر آبائهم المبني على الكراهية والقتل. هؤلاء قنابل موقوتة ستحرقنا إن لم نسرع بنزع فتيلها عن طريق إدماج هؤلاء الاطفال بالمجتمع والحاقهم بالمدارس الحكومية وضمان رعايتهم وتعليمهم.
وفي النهاية، أود أن أشكر منتسبي وزارة الدفاع على تضحياتهم وتفانيهم في خدمة العراق. والرحمة والغفران لشهدائنا الأبرار. وإنني أعاهد الشعب العراقي على أن نكون الجنود الأوفياء والعين الساهرة لأمن وسيادة العراق.
جمعة عناد الجبوري
وزير الدفاع العراقي
التعليقات مغلقة.