مهمة في سماء وسط إفريقيا
وحدات الطيران الباكستانية تقوم بمهام جريئة لدعم عمليات حفظ السلام الأممية
الرائد خُرَّم شاهزاد، القوات المسلحة الباكستانية
يتزايد تعقيد عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مدار عقود من الزمان، وتشمل عمليات حفظ السلام الأممية استعادة سلطة الدولة، وحماية المدنيين، ونزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم وإعادة إدماجهم؛ ولهذا تتطلب بعثات حفظ السلام الناجحة قدرا أكبر من المرونة والتوافق العملياتي.
وللتغلب على تحديات حفظ السلام المعقدة هذه، فكثيراً ما تلعب عناصر الطيران دوراً محورياً في الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في سبيل نجاح تحقيق متطلبات المهمة. وعلاوة على توفير الآلاف من القوات البرية لبعثات الأمم المتحدة، تفخر باكستان بإمدادها بوحدات طيران لتخفيف المعاناة في بقاع مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية.
عمليات الأمم المتحدة
كانت عملية الأمم المتحدة في الكونغو أول بعثة أممية لحفظ السلام تتمتع بالقوة، وقد أُرسلت إلى الكونغو البلجيكية عقب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 143 بتاريخ 14 تموز/يوليو 1960.
وتوجهت قوة الأمم المتحدة الثانية إلى محافظة كيفو الجنوبية بالكونغو الديمقراطية في عام 2004 في إطار لواء كيفو الجنوبية، وكانت مهمتها تتمثل في تنفيذ تكليف البعثة الأممية في المنطقة والاستعداد للعمل في مناطق مختلفة من الكونغو الديمقراطية بناءً على توجيهات قائد القوة.
وجاءت العملية الثالثة في عام 2011 في إطار بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المونوسكو)؛ وكانت مكلفة بفرض الاستقرار في الكونغو الديمقراطية وتقديم الإسناد الجوي إلى جانب نشر وحدات أخرى في التوقيت المناسب. كما كان عليها التصدِّي لانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة وإدارة تدفق اللاجئين من بوروندي.
وحتى يوم 31 تموز/يوليو 2021، بلغ إجمالي قوام قوات حفظ السلام الأممية في الكونغو الديمقراطية 17,456 فرداً، وقد ساهمت أكثر من 50 دولة بعناصر من الجيش والشرطة في جهود حفظ السلام.
وجدير بالذكر أنَّ وحدة طيران باكستانية تتكون من مروحيات من طراز «بوما» كانت من أبرز محاور بعثة حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية منذ عام 2011، وكانت الوحدة قد خدمت قبل ذلك في كلٍ من بعثة الأمم المتحدة في سيراليون من عام 2001 وحتى عام 2004، وبعثة الأمم المتحدة في السودان من عام 2006 وحتى عام 2011.
الطيران الباكستاني في الكونغو الديمقراطية
تعمل وحدة الطيران الباكستانية على خدمة الإنسانية من خلال إنجاز تكليف بعثة حفظ السلام الأممية، وقد أبقت علم باكستان مرفوعاً عالياً خلال هذه العملية متعددة الجنسيات.
يعد القطاع الجنوبي منطقة العمليات الرئيسية لهذا السرب، ولكن يمكن تكليف الوحدة بمهام عدة في ربوع الكونغو الديمقراطية باعتبارها أصلاً من أصول البعثة؛ وتتصف هذه المنطقة بكثرة تحدياتها، إذ تتكون من غابات ومرتفعات عالية ومستنقعات ومناطق قليلة السكان، ويوجد في الدولة مناطق هبوط طارئة محدودة ناهيك عن البنية التحتية المحدودة للطرق.
يتكون السرب من ثلاث مروحيات من طراز «بوما إس إيه 330 إل» بقيادة ضابط برتبة مقدم، ويضم السرب 12 طياراً (منهم آمر السرب)، وتستطيع كل مروحية أن تحمل ما يصل إلى 10 جنود بكامل عتادهم أو حمولة مربَّطة بوزن 2,000 كيلوجرام.
ويمكن أن تتمركز المروحية مسبقاً في قواعد عمليات مؤقتة لمدة تصل إلى أربعة أسابيع، مع إعادة التزود بالوقود في الميدان من البراميل إذا لزم الأمر. ويستطيع السرب الطيران في غضون ساعتين فور استدعائه لمهمة عسكرية، ولكن قد تطول فترة التحضير إذا كانت المروحيات تنقل قوة من قوات الرد السريع، ويمكن نشر قوات الرد السريع هذه عن طريق النزول على الحبال بنوعيه.
تتمتع مروحيات «بوما» بالقدرة على الهبوط على أرض غير ممهدة باستخدام قواعد الطيران المرئي ليلاً ونهاراً دون مساعدة من القوات الموجودة على الأرض، وتحمل كل مروحية رشاشين للذود عن نفسها.
وعند استخدامها لإخلاء الحالات الطبية، فإنَّ كل مروحية «بوما» تستطيع استيعاب خمسة أو ستة مرضى مستلقين على نقالات أو 10 مرضى جالسين، بالإضافة إلى مسعفين اثنين.
العمليات والمهام
تتمثل المهمة الرئيسية لوحدة الطيران الباكستانية في صفوف بعثة المونوسكو في تقديم الإسناد الجوي وفقاً لشروط العمل المتفق عليها بين حكومة باكستان والأمم المتحدة. وقد سجلت المروحيات الباكستانية نحو 14,000 ساعة طيران حتى منتصف عام 2021.
وبالنظر إلى وعورة التضاريس في الكونغو الديمقراطية، فإنَّ طول مدة الخدمة هذا خير شاهد على المهنية غير العادية التي يتمتع بها الطيارون والفنيون.
وقد شارك السرب بفعالية في عدة عمليات عسكرية خطط لها مقر قيادة القوة لتحقيق هدف حفظ السلام؛ ومن أمثلة العمليات العسكرية التي ساندتها وحدة الطيران الباكستانية: «عملية المحيط الهادئ» و«عملية العزم» و«عملية جارودا».
تقتصر عمليات الإخلاء الطبي الطارئة على الوسائل الجوية بسبب ندرة الطرق في الكونغو الديمقراطية، وهكذا لم تنفك وحدة الطيران الباكستانية عن إجراء عمليات الإخلاء الطبي لجميع أنواع المرضى، من العسكريين والمدنيين.
وقد دأب السرب على الإقلاع في غضون 30 دقيقة من تلقي الأوامر، ونجح في إنقاذ حياة الكثيرين من خلال الإقلاع في الوقت المناسب، فحظى بالاحترام وسط فرع العمليات الجوية للأمم المتحدة. ونفذت المروحيات الباكستانية نحو 150 عملية إخلاء طبي، ومن بينهم مرضى فيروس كورونا (كوفيد- 19)، وأنقذت حياة أكثر من 200 إنسان.
أرسلت باكستان آلاف من جنودها إلى بعثات حفظ السلام الأممية حول العالم على مدار عقود من الزمان؛ ودفعت الثمن بأرواح أبنائها: إذ استُشهد 156 مجنَّداً و24 ضابطاً خلال بعثات حفظ السلام والاستقرار هذه في عدد من أكثر المناطق اضطراباً في العالم.
وتفتخر وحدة الطيران الباكستانية الـعاشرة بتمثيل العلم الباكستاني في بعثة المونوسكو، وعلى الرغم من الظروف الجوية القاسية وغير المواتية، واظبت الوحدة على التزامها التام بدورها ومهمتها، وقد حازت على احترام كبير من قوات البلدان المساهمة.
وفي إطار دعم السلام العالمي بغض النظر عن التحديات الداخلية والخارجية، فقد أثبتت باكستان بلا شك صدق مقولة شهيرة: “إنَّ باكستان، كدولة مسؤولة، تدعم السلام وتمقت الحرب، وهكذا فإنها قادرة على جعل نفسها قوة عالمية لحفظ وإحلال السلام.”
ظهرت نسخة من هذا المقال في مجلة «الهلال» الباكستانية.
التعليقات مغلقة.