قطر تقود جهـــود الحــلفاء لإنقــاذ عشرات الآلاف من الأفغان
أجرت مجلة يونيباث التي تصدر من القيادة المركزية الأمريكية مقابلة مع العميد الركن عبدالعزيز صالح السليطي رئيس هيئة التعاون الدولي العسكري بالقوات المسلحة القطرية، وهو أحد شهود أحداث عملية الاجلاء، والوقفة البطولية الإنسانية للقيادة القطرية في كافة مستوياتها، وبتوجيه من صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، حيث سارعت دولة قطر للاستجابة الفورية لاجلاء وايواء عشرات الآلاف من الأفغان ورعايا الدول الأخرى أجبرتهم الظروف على مغادرة أفغانستان في ظروف أمنية بالغة التعقيد في آب/أغسطس 2021م.
يونيباث: باعتباركم أحد المسؤولين الذين لهم دور جوهري في عملية الإجلاء من أفغانستان التي تعتبر من أكبر العمليات اللوجستية التي تمت في الآونة الأخيرة يرجى من سعادتكم توضيح كيف كانت البداية والملابسات التي صاحبت عملية الإجلاء والترتيبات لها؟
العميد عبد العزيز السليطي: بعد قرار انسحاب قوات التحالف من أفغانستان حدث خلل في استقرار الوضع. بدأت، الحملة من واقع المسؤولية الإنسانية والدور الوطني والإقليمي والدولي المحوري للقيادة السياسية والعسكرية في دولة قطر، ثم انطلاقاً من انتمائها للأسرة الدولية، و بالتنسيق مع الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجاوبت السلطات القطرية ممثلة في قيادتها الحكيمة سمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (حفظه الله)، الذي وجه بتقديم كافة أنواع الدعم والمساعدة مما كان له أثر طيب وسريع في انجاز أكبر واسرع مهمة اجلاء في التاريخ الحديث.
يونيباث: كيف وصلتكم التوجيهات لبدء عملية الإجلاء؟
العميد عبد العزيز السليطي: وصلنا طلب من القيادة المركزية الأمريكية أن هناك مجموعة قادمة من أفغانستان عن طريق وزارة الخارجية القطرية، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية القطرية، قمنا باتخاذ الإجراءات، في البداية كان الطلب فقط بإجلاء الرعايا في أفغانستان بأعداد معينة حوالي 8,000 وعلى مدار سنة. وبناءً عليه تم تجهيز معسكري (العديد و السيلية)، وتم الاتفاق على آلية العمل وآلية النقل بحيث يكون لكل أحد من الواصلين الرمز الشريطي التعريفي به مجهز للسفر من افغانستان. و أخذت الاحتياطات اللازمة ما قبل السفر فيما يختص بفيروس كورونا ( كوفيد- 19)، إذ كانت العمليات منظمة جداً، ولكن تغيرت الأمور فيما بعد أحداث ركوب الطائرة الأمريكية بصورة عشوائية، وقبل إقلاعها من أفغانستان.
وقد علمنا بما حدث، حيث لم يكن مؤسفا للولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل كان مؤسفا لنا أيضاً.
يونيباث: مامدى تعاونكم و استجابتكم لطلبات القيادة المركزية؟
العميد عبد العزيز السليطي: وصلت التوجيهات مباشرة من سعادة وزير الدفاع بأن نقدم كل الدعم للولايات المتحدة الأمريكية؛ وقد كان العمل لا يقتصر على القوات المسلحة وحسب، بل كانت جهود موحدة من الخارجية القطرية والخارجية الأمريكية والقوات المسلحة القطرية وصندوق قطر للتنمية، وقامت وزارة الصحة بتخصيص «مستشفى الوكرة» الذي يُعد من أفضل المستشفيات في دولة قطر وأكبرها، فقد جٌهز هذا المستشفى تماما لإستقبال وعلاج المرضى اللاجئين.
يونيباث: ما هي أصعب التحديات التي واجهتكم مع عملية الإجلاء؟
العميد عبد العزيز السليطي: واجهنا عدة تحديات عند نقل بعض المرضى لمستشفيات أخرى، وكان بعض الواصلين إما بدون أوراق ثبوتية أو تعريفية، أو في حاجة إلى مُرافق؛ ونظراً لتسارع الأحداث زادت التحديات، ولكن صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى وبتوجيهات من سموه، أمر بتخصيص مستشفى «الوكرة» بأكمله للمرضى اللاجئين.
يونيباث: علمنا أن هناك عدد من المسارات لعملية الإجلاء، نتمنى من سعادتكم توضيح ذلك؟
العميد عبد العزيز السليطي: وضعنا أربعة مسارات لعمليات الإجلاء: المسار الأول كان مسار إجلاء الدبلوماسيين، ويعتبر هذا المسار هو أسهل المسارات، لأن الدبلوماسي عادة ما يصل مع أفراد عائلته، وهؤلاء الدبلوماسيون منهم من بقي في الدولة ومنهم من غادرها. وأما المسار الثاني فهو مسار الصحفيين وطلاب المدارس وبعض الأفراد من الدول الأخرى التي تقدمت بطلبات اجلاء لرعاياها حيث خصصت وزارة الخارجية القطرية المجمعات السكنية للاجئين .وأما المسار الثالث فكان مخصص لطلبات اجلاء بعض الدول لرعاياها عن طريق مطارات دولة قطر وباستخدام الطائرات التابعة لهذه الدول مثل الهند و بنغلاديش.
وأما المسار الرابع فكان المسار الأصعب، وتمثل بإجلاء المواطنين الافغان بطائرات القيادة المركزية من طراز «سي- 17»؛ وقد كان مساراً صعباً بسبب الأعداد الهائلة وتزايد التهديد حول مطار كابول، وما زاد الأمر صعوبة هو أن بقاء الأفراد حول المطار يسبب مشاكل صحية متنوعة ومتزايدة.
وشاهدنا الجنود الأمريكيين وهم يعملون على نقل عدد من الأطفال ومساعدتهم وإنزالهم من الأسوار؛ فهؤلاء الأطفال كانوا بين الحياة والموت بسبب التزاحم، وقد قمنا بعمل جبار عند وصول هؤلاء الأطفال واستضافتهم في دار رعاية الأيتام القطرية، بعد فرزهم حسب العمر. وقد واجهنا تحديات اضافية عند المرور بالجوازات لأن هؤلاء الأفراد وصلوا إلى قطر كمحطة قبل محطتهم الأخيرة، وكان من الصعب ادخالهم إلى داخل الدولة، وكنا مقبلين على استضافة كأس العرب كمرحلة تأهيلية قبل كأس العالم، علاوة على ذلك تفاجأنا بتطور الأحداث وتسارعها خاصة عند رفض بعض الدول أو تأخرها في استضافة هؤلاء الأجراء. قامت مجموعة النقل الجوي التابعة للقوات الجوية الاميرية القطرية بتشغيل رحلات متعدد من طائرات ال C17 التابعة لها من قاعدة العديد الى قواعد عسكرية تابعة للولايات المتحدة الامريكية و حلفائها كمحاولة لتقليل الأعداد بقاعدة العديد الجوية.
يونيباث: ما هي مراحل تنسيق المهمة مع القيادة المركزية؟
العميد عبد العزيز السليطي: كان الاتفاق الأولي مع القيادة المركزية يشمل 8,000 لاجئ في السنة ولمدة لاتتجاوز ال12 شهر، ثم تفاجأنا أنه في أول أسبوع وصل إلينا 16,000 لاجئ، وقد وصلتنا الأوامر من سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع وسعادة رئيس اركان القوات المسلحة ببناء مخيمات مؤقتة ومجهزة بوحدات تكييف وكافة المستلزمات. وكنا نسابق الزمن للانتهاء من تهيئة هذه المخيمات، إذ كُلفنا بإتمام هذه المهمة في ثلاثة أيام. خلال الثلاثة أيام تضاعف عدد اللاجئين إلى 30,000، ثم 40,000، ثم50,000 وكانت مشكلتنا الرئيسية أن توقيت وصولهم صادف شهر آب / أغسطس حيث ترتفع درجات الحرارة، لذلك كنا حريصين على توفير أماكن مكيفة. ومن جانب آخر كان يجب تجميع كل الفئات في مكان واحد لإتمام كل إجراءات السفر بطريقة صحيحة ونظامية. وقد واجهتنا تحديات عدة، فحتى المتطلبات الروتينية البسيطة كانت صعبة مثل الصرف الصحي والإجراءات الأخرى نظراً لكثرة الأعداد، مما أدى إلى تدخل وزارة البلدية واتخاذ كل الإجراءات اللازمة وتكثيف كل الجهود والدعم بالطعام، فقد تم تزويد اللاجئين بالوجبات الجاهزة، وعملنا خلية في محطة مطار العديد، وترأست الخلية السفيرة جريتا هولتز، القائمة بأعمال السفارة الأمريكية سابقاً، التي أتت خصيصاً لترأس مهمة الإجلاء والإيواء. وكان من الجانب القطري مجموعة من موظفي وزارة الخارجية و من القوات المسلحة هيئة التعاون الدولي العسكري و هيئة الإمداد والتجهيز والخدمات الطبية ووزارة الداخلية و هيئة الجمارك و وزارة الصحة قسم الإسعاف و مؤسسة قطر الخيرية، تم كذالك انشاء خلية في الجزء الخلفي المخصص فقط للقوات المسلحة، حيث ترأس هذه الخلية اللواء الركن/ محمد حمد النعيمي رئيس هيئة العمليات، وبدأ فريق من وزارة الصحة العمل على دعم هذه الخلية، نظراً للطلب المتزايد على الاجلاء و عدم وجود وقت كاف تفاجأنا أن الطائرات كانت تقوم بإيصال اللاجئين فقط، ولا يتم إجلاء أي منهم كما هو متفق عليه، وبالتالي استمرت هذه الطائرات في نقل اللاجئين من كابول إلى قطر مما أدى إلى تضاعف الأعداد، إذ وصلنا إلى مرحلة كنا نستقبل فيها 900 لاجئ كل 90 دقيقة وإلى منتصف النهار. كان يصل العدد إلى 4,000 لاجي في اليوم، وكان علينا توفير وسائل النقل، ولم يكن المطار مجهزاً لاستقبال أكثر من 10,000 لاجي خلال خمس أو ست ساعات، وكان الوضع صعب، على مستوى نقل هذه الأفواج، حتى أن مدرج الطائرات امتلأ، إذ وصل العدد أحيانا إلى 40 طائرة «سي- 17» في المدرج بالإضافة إلى طائرات الدول الأخرى، وكل هذا تطلب روح فريق قوية وتنسيقاً بمستوى عال. ولله الحمد أنا شخصياً استمتعت بهذا العمل برفقة قائد القوات الجوية المركزية الأمريكي الفريق/ جريجوري جيبو، و قائد جناح الحملات الجوية 379 العميد دونهيو. والتقينا في المطار أثناء تعاوننا لمواجهة التحديات وايجاد حلول للعقبات. كانت القوات الأمريكية المتواجدة بقاعدة العديد تبذل جهداً كبيراً جداً، فلكل 3,000 شخص كان يعين عقيد بالجيش الأمريكي مع كافة ضباطه ويعملون على مدار الساعة دون توقف مع الفريق القطري للقوات المسلحة ووزارة الخارجية حيث تكللت كل هذه الجهود بالنجاح، أتذكر في يوم جاءت السفيرة هولتر وقالت: ستتوقف الرحلات الخارجية وتقتصر على الرحلات القادمة من كابول، وبعد عدة ساعات سيكون العدد عدة أضعاف والاستعدادات لن تكون كافية، وستواجهون العديد من التحديات، ولديكم خيار استقبال الطائرات القادمة من كابول أو رفض استقبالها، وكان لابد من استصدار هذا القرار من القيادة العليا، فتواصلنا مع سعادة رئيس الأركان وأبلغناه بالحالة، وهو تواصل مع سعادة وزير الدولة لشؤون الدفاع ومن ثم إلى القيادات العليا في الدولة، وجاء قرار الدولة بعدم الانسحاب ومساندة الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية باستقبال اللاجئين وتوفير المأوى لهم. بعد الموافقة أصبح العدد المتوقع وصوله 30,000، غير الـ 16,000 لاجئ افغاني الذين سبق وصولهم، وبذلك بلغ المجموع الكلي .46,000 وكان هذا العدد يتجاوز قدرة الاستيعاب في المخيمات، وعليه اتصلت بسعادة السفير عيسى المناعي، مدير إدارة الشؤون الأمريكية بوزارة الخارجية، وتوصلنا إلى أن الحل هو توفير طائرات اضافية من جانبنا لنقل اللاجئين.
وبعدها طلبت من السفير عيسى التقدم بطلب لوزارة الخارجية، وبعد تواصلي مع سعادة الفريق الركن (طيار) غانم بن شاهين الغانم رئيس أركان القوات المسلحة وبعد تزويده بالتفاصيل وخصوصاً ما مر به اللاجئون من خمسة إلى سبعة أيام بدون مأوى وأكل قبل وصلوهم، وكان أغلبية الواصلين بحالة متعبة ومرهقة، وضاعف ارتفاع درجات الحرارة من الإرهاق والتعب، وتقدمت بطلب استخدام «طائرة سي- 17» رغم أن لدينا عدداً محدوداً منها، وبعض من هذه الطائرات قد كانت في مهمات أخرى فتفضل رئيس الأركان برفع الطلب الى سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع، فتقدم بالطلب لسمو الأمير وجاءتنا موافقة أميرية بتخصيص 10 طائرات مدنية قطرية لنقل اللاجئين، وكانت قفزة نوعية في تخفيف الأعداد. بعد نقل اللاجئين وبعد الانتهاء من الـ 10 طائرات الأولى، تقدمنا بطلب 10 طائرات أخرى وتمت الموافقة من السلطات العليا، بالإضافة إلى تخصيص مستشفى «الوكرة» بكل كوادره ومعداته، وهذا كلف القوات المسلحة والدولة مبالغ طائلة تجاوزت 35 مليون دولار أمريكي.
هذا هو دور الحلفاء في التعاون والوقوف بصلابه عند الأزمات وخصوصاً في الأزمات الإنسانية، وكنا فخورين بكل الانجازات التي حققناها ونحن حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات طويلة، ومن الجدير بالذكر أن قوات أمريكية تجمعت في تسعينيات القرن العشرين على الحدود القطرية واستضفناها في الخيم التي أصبحت فيما بعد قاعدة العديد؛ فهذا كان جانب ولا يزال لدينا استعداد لدعم حليفنا الرئيسي الولايات المتحدة و اكبر مثال على ذلك قاعدة العديد حيث انها عبارة عن قاعدة مشتركة. وفي الآونة الأخيرة اتجهت القوات المسلحة للتركيز على التسليح الأمريكي فالمشاركة بين البلدين أضافت لقواتنا الخبرات، بالإضافة إلى أن تواجد القوات الأمريكية في قاعدتنا هو سبب مساعد لاستقرار المنطقة؛ ونحن نقدر كل الجهود التي تبذلها القوات الأمريكية.
ويُعد التطور والتقدم في قاعدة العديد الجوية في مراحله البدائية، ولدينا خطة لإجراء توسعة شاملة للمساحة على عدة مراحل لكل من القوات القطرية والأمريكية. (مشروع تطوير قاعدة العديد الجوية)
يونيباث: في نهاية هذا اللقاء هل من كلمة أخيرة أو تعليق؟
العميد عبد العزيز السليطي: اود ان اشيد بروح الفريق والأجواء التي سادت عملية الاجلاء ولابد من أن اشكر كل من كان السبب في نجاح هذه المهمة الإنسانية الصعبة وهذا كله لم يكن ليتحقق لولا دعم حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله ومتابعة سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع وبتوجيهات مباشرة من سعادة رئيس أركان القوات المسلحة السابق الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم وبدعم وعمل مباشر من القوات الجوية الأميرية بقيادة الفريق الركن طيار سالم بن حمد النابت رئيس أركان القوات المسلحة حالياً. والقوات الرئيسية وهي قوات الشرطة العسكرية وهيئة الإمداد والتجهيز وهيئة العمليات و قاعدة العديد الجوية، وأود أن أخص بالشكر قائد القاعدة العميد الركن طيار يوسف شاهين العتيق وطبعاً هيئة الاستخبارات وهيئة التعاون الدولي العسكري.
في ما يتعلق بالجهات خارج القوات المسلحة، طبعاً لا ننسى الدور الرئيسي الذي قامت به وزارة الخارجية وأخص هنا بالذكر سعادة السيدة لؤلؤة الخاطر وكيل وزارة الخارجية وأيضا سعادة السيد عيسى بن محمد المناعي مدير الادارة الأمريكية وكل العاملين في وزارة الخارجية، أيضا وزارة الداخلية وأخص هنا بالذكر سعادة اللواء عبدالله المال وجميع العاملين معه أيضا هيئة الجمارك ونشكر وزارة الصحة ووزارة البلدية وكل من ساهم في نجاح هذه المهمة الإنسانية التي لولا دعم المذكورين أعلاه وتوفيق من رب العالمين لكانت كارثة انسانية يتحدث عنها التاريخ. شكراً جزيلاً لكم اللّهم احفظ قطر قيادة وشعباً وحكومة.
التعليقات مغلقة.