فضح المتطرفين

الأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬محدودة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬آفة‭ ‬الإرهاب

أسرة‭ ‬يونيباث

عندما أجرى‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الدولي‭ ‬لدراسة‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬100‭ ‬عضو‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬جاءت‭ ‬نتائجهم‭ ‬مفاجأة‭ ‬للكثيرين‭.‬

فقد‭ ‬شعر‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬—‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬والمتطوعين‭ ‬الذين‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬بعيدة‭ ‬مثل‭ ‬أوروبا‭ ‬—‭ ‬بخذلان‭ ‬داعش‭ ‬لهم‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬بسبب‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قضية‭ ‬خاسرة‭. ‬

لقد‭ ‬أغراهم‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بوعود‭ ‬التضامن‭ ‬أي‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬إسلامي‭ ‬مثالي‭ ‬ذي‭ ‬كرامة‭ ‬تلبى‭ ‬فيه‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬المعنوية‭ ‬والمادية‭.‬

لم‭ ‬يتحقق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأشياء‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬اكتشفوه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬نظاماً‭ ‬إرهابياً‭ ‬وحشياً‭ ‬استهزأ‭ ‬بمبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬وخذلها‭ ‬بأعراس‭ ‬العنف‭ ‬الدموي‭.‬

ستكون‭ ‬هذه‭ ‬الرؤى‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬عودة‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬الإرهابيين‭ ‬المحتملين،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتحدثين‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬عمان‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2018‭.‬

قالت‭ ‬الدكتورة‭ ‬آن‭ ‬سبيكهارد،‭ ‬مديرة‭ ‬المركز‭ ‬الدولي‭ ‬لدراسة‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف،‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر،‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬عددهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬شخص‭: ‬“كانت‭ ‬داعش‭ ‬تروج‭ ‬لحلم‭ ‬طوباوي‭.‬”

وقد‭ ‬أتاح‭ ‬المنتدى،‭ ‬الذي‭ ‬استضافه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬المركز‭ ‬العسكري‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬التابع‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية،‭ ‬للمشاركين‭ ‬الدوليين‭ ‬تبادل‭ ‬الأفكار‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬المتطرفة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬حركات‭ ‬إرهابية‭.‬

قال‭ ‬زاك‭ ‬بازي،‭ ‬المستشار‭ ‬الاقليمي‭ ‬لمنظمة‭ ‬روح‭ ‬امريكا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬المؤتمر،‭ ‬قال‭ ‬“عقد‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭. ‬ومع‭ ‬انخفاض‭ ‬حدة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة‭ ‬تدريجياً،‭ ‬سيتحول‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التدفق‭ ‬الحتمي‭ ‬للمقاتلين‭ ‬العائدين‭ ‬إلى‭ ‬أوطانهم‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬المتغير‭ ‬دافع‭ ‬لمنتدى‭ ‬عمان‭.‬”

تضطلع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأردنية‭ ‬بدور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الإيديولوجية‭. ‬وأشار‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬العظمات،‭ ‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬لمركز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأردني،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لعام‭ ‬2014‭ ‬لمواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬دعت‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الأردنية‭ ‬الملكية‭ ‬لإجراء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬حول‭ ‬ظواهر‭ ‬التطرف‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬البلاد‭.‬

إن‭ ‬مقاضاة‭ ‬الإرهابيين‭ ‬وسجنهم‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬لاحتواء‭ ‬التهديدات،‭ ‬ولكن‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والمهنيين‭ ‬الأمنيين‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬زج‭ ‬المتطرفين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬التفكير‭ ‬المماثل‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬يخلق‭ ‬مشاكل‭.‬

من‭ ‬وراء‭ ‬القضبان‭ ‬يشكل‭ ‬منظرو‭ ‬ايديولوجيات‭ ‬العنف‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬المجرمين‭ ‬العاديين‭ ‬لإنشاء‭ ‬حركات‭ ‬إرهابية‭ ‬تعطي‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الأبرياء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتفقون‭ ‬معهم،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬العظمات‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭.‬

وأضاف‭ ‬الدكتور‭ ‬العظمات،‭ ‬“إذا‭ ‬كانت‭ ‬السجون‭ ‬هي‭ ‬أسوأ‭ ‬الأماكن‭ ‬للعيش،‭ ‬فإنها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أفضل‭ ‬الأماكن‭ ‬لتبادل‭ ‬الأفكار‭ ‬وتشكيل‭ ‬العقول‭ ‬المظلمة‭.‬”

و‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬البدائل‭ ‬التي‭ ‬ناقشها‭ ‬الدكتور‭ ‬العظمات‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المتطرفين‭ ‬المدانين‭ ‬لإعادة‭ ‬دمجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وأثنى‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬سعودي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬لاستهداف‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والنفسية‭ ‬للإرهابيين‭ ‬المحتملين‭. ‬وتستخدم‭ ‬إندونيسيا‭ ‬برنامجاً‭ ‬مماثلاً‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬المتطرفين‭ ‬السابقين‭ ‬لثني‭ ‬المتطرفين‭ ‬الجدد‭.‬

وقد‭ ‬تخصصت‭ ‬منظمة‭ ‬الدكتورة‭ ‬سبيكهارد‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬الخطاب‭ ‬المضاد‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬اعترافات‭ ‬مسجلة‭ ‬بالفيديو‭ ‬لأعضاء‭ ‬داعش‭ ‬المغرر‭ ‬بهم‭ ‬لثني‭ ‬الشباب‭ ‬المتطرف‭ ‬عن‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬الإرهاب‭. ‬تهدف‭ ‬الفيديوهات‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التواصل‭ ‬العاطفي،‭ ‬وليس‭ ‬الفكري‭ ‬فقط،‭ ‬مع‭ ‬المشاهدين‭. ‬

“إذا‭ ‬استطعت‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬روايات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬داعش‭ ‬وتركوها‭ ‬—‭ ‬وهم‭ ‬المنشقون‭ ‬والعائدون‭ ‬والسجناء‭ ‬—‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬مفيدة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حكايات‭ ‬تحذيرية”،‭ ‬تقول‭ ‬الدكتورة‭ ‬سبيكهار‭.‬

وبحسب‭ ‬سامح‭ ‬المعايطة،‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬الأردني‭ ‬لشؤون‭ ‬الاعلام‭ ‬والاتصال‭ ‬السابق،‭ ‬فإن‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬عنصر‭ ‬يحمل‭ ‬نفس‭ ‬الأهمية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬دحضاً‭ ‬للتفسيرات‭ ‬الدينية‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الإرهابيون‭ ‬لتبرير‭ ‬جرائمهم‭.‬

وأضاف،‭ ‬“هناك‭ ‬حرب‭ ‬عسكرية‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬ولكن‭ ‬المجتمعات‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أفكار‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬تعزز‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬والفهم‭ ‬السليم‭ ‬للدين‭ ‬ولنصوص‭ ‬الشريعة‭.‬”

وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬عمان‭ ‬أكاديميون‭ ‬وضباط‭ ‬عسكريون‭ ‬ودبلوماسيون‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭ ‬وقادة‭ ‬دينيون‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬بلد‭. ‬وكان‭ ‬حجم‭ ‬الحضور‭ ‬ضعف‭ ‬العدد‭ ‬المتوقع،‭ ‬مما‭ ‬سر‭ ‬الأردنيين‭ ‬والأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬ساعدوا‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭.‬

“هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬لتعزيز‭ ‬مبادئ‭ ‬الاعتدال‭ ‬والتسامح‭ ‬لحماية‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة،”‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬العميد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الشديفات،‭ ‬قائد‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الملكية‭ ‬الأردنية‭.  ‬

المركز العسكري لمكافحة الارهاب والتطرف أنشئ في الأردن استجابة لرؤية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين لمواجهة التحديات الأيديولوجية والثقافية على المدى الطويل. وقد افتتحه رئيس هيئة الاركان المشتركة الأردنية محمود فريحات في تشرين الأول/أكتوبر 2017. وتتمثل مهمة المركز في مكافحة التطرف الإيديولوجي بما يتماشى مع الجهود الحكومية والشعبية للدولة الأردنية المتوافقة مع الجهود الدولية. يخضع المركزلكلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، ولكنه يتبع أكاديمياً إلى جامعة مؤتة. يتبنى المركز فكراً توعوياً يتمثل في أن الحلول العسكرية وحدها لا تكفي للقضاء على الإرهاب وتعزيز الأمن الوطني والإقليمي والدولي. وكجزء من الجهود التي يبذلها المركز لمكافحة التطرف الإيديولوجي، يسلط المنهج الدراسي الضوء على قيم الإسلام ومبادئه السليمة من التشوهات التي يضفيها المتطرفون. وهو يمنح درجة الماجستير للدارسين استراتيجيات مكافحة التطرف والإرهاب من خلال برنامج متخصص لم يشهده العالمين العربي والإسلامي من قبل.