ضرورة تطوير الاستخبارات
عصام عباس أمين، مديرية الاستخبارات والأمن في وزارة الدفاع العراقية
يعاني المجتمع الاستخباري من ثقل التوقعات غير الواقعية بصدد منع وقوع المفاجئات، خاصة تلك التي تستهدف سيادة الدولة أو أمنها الداخلي؛ ومن أمثلة ذلك هجوم الطائرتين المسيَّرتين على منزل رئيس الوزراء يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
الإخفاق الاستخباري بطبيعته أمر يثير التساؤل دائماً حول مدى كفاءة الأجهزة الاستخبارية وطرق عملها لمنع أي خرق أمني.
معضلة الاستخبارات أنها تتعرَّض للنقد دائماً؛ فلطالما شهدت أجهزة استخبارية عريقة، كالاستخبارات الأمريكية، إخفاقات استراتيجية على مدار تاريخها؛ كما في هجوم بيرل هاربر في عام 1941، واحتلال كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في عام 1950، والتدخل السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا في عام 1968، وهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وفي بعض الأحيان لا تقدم الأجهزة الاستخبارية التحذيرات الكافية كما في حالة 11 أيلول/سبتمبر، أو تقدم تحذيرات كثيرة لكنها غير صحيحة كما في حالة حيازة العراق لأسلحة دمار شامل.
ففي كلتا الحالتين كان الإخفاق واضحاً والنقد لاذعاً. والاعتقاد السائد هنا وفي كل مرة أنَّ الاستخبارات يجب أن تكون على صواب على طول الخط، وهذا محال في الواقع العملي، ممَّا يشكل مصدر إحباط كبير عندما تقع أية مفاجئة.
فالأجهزة الاستخباراتية يمكن أن تؤدي دورها بشكل جيد نسبياً إذا كان السؤال يتعلق بموقف دولة من دول الجوار مثل إيران وكم سيتأثر العراق إذا ما تعرَّضت إيران لضربة إسرائيلية؟ وتجيب هذه النوعية من الاستخبارات عن أسئلة مفتوحة، ويعتمد الإحاطة بجوانبها على الافتراضات الجيدة أكثر من المعلومات المؤكدة.
أما إذا كان السؤال: متى وأين سيقع الهجوم الإرهابي الجديد لداعش مثلاً؟ فالأمر يختلف لاَّن الإجابة الدقيقة تتطلب اختراق حلقات التنظيم السرية؛ وهذا يتوقف على مدى قدرتنا على تحقيق طفرات كبيرة في وسائل جمع المعلومات.
أربعة أمثلة على إخفاقات الاستخبارات التي غيَّرت العالم: غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في عام 1950، الهجوم الياباني على بيرل هاربر في عام 1941، والغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968، وهجوم 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة. وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز
كما يصعب تحقيق نقلة نوعية في العمل الاستخباري، خاصة فيما يتعلق بأساليب التحليل لمنع التعرض لأي مفاجئات. وعلى الرغم من التحسن الذي يمكن أن يطرأ على طرائق ووسائل جمع المعلومات، فذلك لا يعني حدوث تغيير حقيقي في درجة الموثوقية بالتحليلات الاستخبارية والتقييم الاستخباري، وتبقى حالة اللايقين والشك قائمة حتى عند توفر معلومات عالية الموثوقية والمصداقية.
ويكمن الاستنتاج المهم هنا في أنَّ الاستخبارات لا تستطيع دائما إلغاء عنصر المفاجأة، فالاستخبارات تجيد إحاطة صناع القرار علماً بالحقائق، ممَّا يجعل هذه القيادات قادرة على اتخاذ قراراتها بقدر معقول من الثقة. وليس هذا بالشيء القليل، إلا انه قد لا يحدث في أحيان كثيرة.
وعلى الصعيد الاستراتيجي، تكون الأجهزة الاستخبارية مسؤولة عن التقييم الاستخباري على المستوى القومي. ويُوظف هذا التقييم لبلورة السياسات والاستراتيجيات في مجالات الأمن القومي، وإدارة المخاطر الأمنية، وتحديد ميزانية الأمن، وبناء القوات المسلحة، إذ تعتمد هيئة الأركان على مثل هذه التقييمات خلال عمليات التخطيط. وهنا علينا أيضاً أن نتذكر الفرق بين التقييمات الاستخبارية على المستوى القومي فيما يتعلق بالتهديدات الخارجية، والتقييمات التي تخص المحيط الداخلي.
يركز العراق على هذا الأمر أكثر من تركيزه على العامل الخارجي؛ وهذا خلل يجب معالجته، إضافة إلى أنَّ محللي الاستخبارات مقيدون بسلسلة المراجع وصولاً لرأس الهرم، ممَّا سيؤثر حتماً على جودة التقييم من الناحية الموضوعية. ومن المستحسن أن تحرص أقسام الاستخبارات على التمتع بقدر من الاستقلالية عند إعداد التقييم الاستخباري لاتخاذ قرارات استراتيجية.
تتصف التقييمات الاستخبارية على المستوى القومي بأهميتها الشديدة لتوجيه تصرفات القيادات السياسية. وينبغي أن تكون هذه التقييمات مهنية وواقعية وقابلة للاستخدام. فالتحذير الاستراتيجي مثلاً من الحرب، التي هي مسألة سياسية عسكرية، يمكن أن تشترك في تقييمه المديرية العامة للاستخبارات والأمن، ووزارة الخارجية، كل حسب اختصاصه. بيد أنَّ فرعي الحكومة هذين لا يتمتعان بالقدر الكافي من التكامل لتقديم تحذير موثوق معاً؛ فهذا العمل يتطلب تنسيقا عالياً وتعاوناً ولغةً بيروقراطية مشتركة.
لقد تحوَّل التقييم الاستخباري في الوقت الحالي إلى مهمة أكثر تعقيداً وصعوبةً، بسبب بروز كيانات جديدة، ومساحات غير مستقرة، وتفاعلات من الصعب التنبؤ بنتائجها، إضافة إلى التعقيد المتزايد بسبب العمليات الاجتماعية والثقافية الجارية – كالإقبال على استخدام التقنيات الجديدة كوسائل الإعلام الاجتماعي – التي تتصف بأنها جديدة على المجتمع الاستخباري. وكثيراً ما لا تتمتع الأجهزة الاستخبارية بالخبرة اللازمة للتعامل مع هذه المستجدات، مع أنها تمثل جذور العديد من المشاكل والتحديات والمخاطر.
ويصعب على مجتمع الاستخبارات في الظروف الحالية التوقع الدقيق بما سيحصل غداً، فكل شيء يحدث بسرعة؛ إذ يستطيع الأعداء التحرك في الفضاء السيبراني على الفور، ويكاد لايستغرق إطلاق الطائرات المسيَّرة والصواريخ والقذائف أي وقت، ممَّا يقصِّر الطريق على العدو من مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ. وهذا ما حصل في هجوم يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2021؛ وكان مفاجئة ليس فقط لرئيس الوزراء بل لجميع الأجهزة الاستخبارية.
محاور التقييم الاستخباري:
- التهديدات: وصف قدرات ونوايا مختلف الناشطين والارتباطات القائمة فيما بينهم، وتحليل العمليات والاتجاهات على المستوى التنظيمي، ومتابعة السياسات الإقليمية والعالمية.
- العمليات: وصف إمكانية استمرار العمليات والاتجاهات، وعرض مختلف السيناريوهات، وتحليل الردود الممكنة للناشطين بخصوص أحداث معينة؛ على سبيل المثال، كيف سيرد الناشطون (المحليون والخارجيون) في حال قامت قواتنا بفعل ما؟
- التوصيات: تقديم مشورات بشأن المخاطر والفرص.
التعليقات مغلقة.