ضرورة الشراكات
التحالفات متعددة الجنسيات باتت ضرورة لا غنىً عنها بعد مرور 20 عاماً على هجمات 11 أيلول/سبتمبر
أسرة يونيباث
فيالذكرى الـ 20 لهجمات 11 أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة، حضر عشرات من الخبراء الأمنيين، ومنهم الكثير من القادة الحاليين والسابقين في القيادة المركزية الأمريكية، مؤتمراً على مدار يومين للتباحث في تداعيات ذلك اليوم المشؤوم.
وخرجوا بدرس شديد الأهمية للأمن العالمي: لو كانت تحالفات مكافحة الإرهاب الموجودة الآن موجودة في تسعينيات القرن العشرين، فلربما حالت دون حدوث هجمات 11 أيلول/سبتمبر وظهور تنظيم القاعدة؛ أي أنَّ الشركاء متعددي الجنسيات الذين يتعاونون في سبيل مصالحهم المشتركة يمثلون قوة من أجل السلام.
فقد استضاف مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية مؤتمر «التنافس بين القوى العظمى» في أيلول/سبتمبر 2021.
وتحدَّث اللواء بالقوات الجوية الأمريكية أليكسوس جرينكيويك، رئيس عمليات القيادة المركزية الأمريكية، عن “شبكة كثيفة من الحلفاء” كونوا بمجموعهم قوة أكثر كفاءة وفاعلية من أي دولة تعمل بمفردها، وقد قويت العديد من تلك التحالفات في بيئة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر ولعبت دوراً حاسماً في دحر داعش في العراق وسوريا.
وأشار الفريق متقاعد بالجيش الأمريكي هربرت مكماستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الذي شغل عدة مناصب رفيعة المستوى في القيادة المركزية الأمريكية، إلى أنَّ الشراكات بين أجهزة الاستخبارات والعمليات الخاصة والقوات التقليدية وأجهزة إنفاذ القانون من مختلف البلدان تضاعف فعالية جهود مكافحة الإرهاب.
وذكر أنَّ الولايات المتحدة ساعدت خلال الـ 20 عاماً التي أعقبت هجمات 11 أيلول/سبتمبر على بناء قدرة شركائها على مواجهة المتطرفين العنيفين بمزيد من الكفاءة والفعالية.
وقال خلال عرض تقديمي في المؤتمر الذي استمر على مدار يومين في أيلول/سبتمبر 2021 في مدينة تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية: “نظير الاستثمار بقدر صغير نسبياً، يمكننا العمل من خلال شركائنا لضمان حرمان هذه الجماعات الإسلامية المتشددة من القوة والسلطة.”
ثمة أدلة كثيرة على وجود تحالفات متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب؛ إذ تتكون القوات البحرية المختلطة المتمركزة في البحرين من ثلاث قوات مهام مكونة من عشرات القوى البحرية، ويقوم التحالف بدوريات في الممرات البحرية حول شبه الجزيرة العربية في عمليات مكافحة القرصنة والتهريب والإرهاب.
ويعتبر كلٌ من التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وكلاهما بقيادة المملكة العربية السعودية، محاولتين من محاولات قمع المتطرفين العنيفين ومتكفليهم.
كما تأسس التحالف العالمي لهزيمة داعش في عام 2014، ويتألَّف من أكثر من 80 دولة عضو عازمة على القضاء على الحركة الإرهابية الوحشية التي احتلت بقاع من شمال العراق فيما مضى.
وتوجد «قاعدة العديد الجوية» على أرض قطر، وتعد النقطة التي شنَّت منها القوة الجوية للتحالف مهامها ضد داعش، كما كان لها دور محوري لإمداد الأفغان بالمساعدات خلال حملة فرض الاستقرار التي استمرت 20 عاماً في تلك الدولة، وكانت بمثابة نقطة إجلاء وملاذ للأفغان الفارين من قمع طالبان.
قالت السيدة جينا بينيت، إحدى كبار الخبراء بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بشأن القاعدة، وكان لها عرض تقديمي في المؤتمر: “لو كان لدينا تحالف الشركاء والشعور المشترك بالغاية ذاتها حيال مكافحة الإرهاب في السنوات التي سبقت 11 أيلول/سبتمبر، فما كانت هجمات 11 أيلول/سبتمبر لتحدث، وما كانت القاعدة لتظهر.”
وحذَّر خبراء أمنيون من التراخي فيما تولي الولايات المتحدة تركيزاً أكبر على ما تسميه «التنافس بين القوى العظمى» مع بلدان مثل الصين وروسيا والتنافس الاقليمي مع أيران؛ إذ تظل مكافحة الإرهاب بؤرة التركيز لاستراتيجية أمنية عالمية موحدة.
ودعا الفريق أول متقاعد بالجيش الأمريكي ديفيد بتريوس، قائد القيادة المركزية الأمريكية سابقاً ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سابقاً، الى إنعاش الشراكات العسكرية والأمنية باستخدام التكنولوجيا.
فمع أنَّ المتطرفين العنيفين يستخدمون تقنيات مثل الطائرات بدون طيار لمواكبة القوات المسلحة التي تفوقها في قوتها، فإنَّ التكنولوجيا ذاتها تخدم الولايات المتحدة وشركاءها أيضاً.
وأشار إلى أنَّ أنظمة الطائرات المسيَّرة الاقتصادية نسبياً، علاوة على تبادل المعلومات الاستخباراتية، تسمح للبلدان الشريكة للولايات المتحدة بخوض معارك كثيرة ضد الإرهابيين، وأوضح قائلاً: “تستطيع قوات الدولة المضيفة القيام بذلك ما دمنا نقوم بالتدريب والتجهيز وإسداء النصح وتقديم المساعدة.”
بل لن تحتاج بعض هذه الأسلحة التوجيه عن بعد في ظل تطور التكنولوجيا، إذ ستسمح الابتكارات المستقبلية للأنظمة، بمجرد برمجتها برمجة صحيحة، بالقتال بنفسها.
ويقول: “يمكن أن تخوض الأنظمة ذاتية التحكم المرحلة الافتتاحية من الصراعات المستقبلية.”
وانتقد الفريق متقاعد بالجيش الأمريكي تيري وولف، مدير مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، الولايات المتحدة على تفاؤلها المفرط عند القيام بمهام معقدة مثل مهام العراق وأفغانستان.
ففي ظل عقليتها التاريخية القائمة على مبدأ العمل الفردي، لم تولِ الولايات المتحدة اهتماماً كافياً لتشكيل التحالفات التي من شأنها المساعدة على نشر السلام في العالم، ويرى وولف أنَّ الولايات المتحدة أخطأت في التعامل مع مثل هذه الشراكات بوضعها في منزلة ثانوية.
وصف الفريق أول بمشاة البحرية الأمريكية كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق، كيف تولي القيادة اهتماماً أكبر بتقوية شركائها؛ واستشهد بأمثلة كصندوق تمويل التدريب والتجهيز لمكافحة داعش الذي وزَّع أكثر من 700 مليون دولار أمريكي في الشرق الأوسط.
فيقول: “من خلال تعزيز مصالحنا المشتركة والتعاون على مواجهة التهديدات المشتركة، تجهز القيادة المركزية الأمريكية شركاءً إقليميين قادرين على صون أمنهم وسيادتهم، وقادرين على تأمين حدودهم، وضمان استقرارهم الداخلي.”
وعلى الولايات المتحدة وشركائها التأهب للتهديدات المتغيرة في ظل معاودة ظهور أنماط هجينة من الصراع تتجنب خوض المعارك المباشرة بين الجيوش التقليدية، وذكَّر الفريق أول ماكنزي المشاركين في المؤتمر بأنَّ الغفلة الاستخباراتية والعسكرية والسياسية التي تسببت في حدوث هجمات 11 أيلول/سبتمبر ما تزال تتطلب اهتمام القوى العالمية اليوم.
فيقول: “لا يسعنا تجاهل أي خطأ مهما كان قديماً.”
التعليقات مغلقة.