شركاء في التدريب
تمرين «النجم الساطع» العسكري يعود إلى مصر مع 7,600 مشارك متعدد الجنسيات في عمليات برية وبحرية وجوية
أسرة يونيباث
تحلق طائرة تزود بالوقود جواً من طراز «كيه سي-10» تابعة للقوات الجوية الأمريكية في سماء مصر الصافية فوق أراضٍ زراعية بعيدة في دلتا النيل.
ويلحق بها طيارٌ بطائرة مقاتلة مصرية من طراز «إف-16 فايتينغ فالكون» فيطير أسفلها.
فيقول مشغل خرطوم التزود بالوقود الأمريكي وهو يراقب اتصال الطائرتين من الجزء الخلفي من طائرة «كيه سي-10»: ”الزم مكانك.“
يستجيب الطيار المصري في اللاسلكي: ”استُلمت.“
وينزل خرطوم التزود بالوقود إلى طائرة «إف-16» المصرية حتى يصل إلى فتحة التزود بالوقود بها خلف قمرة القيادة.
فيقول المشغل الأمريكي عند وصول فوهة الخرطوم إلى فتحة خزان الوقود في الطائرة «إف-16» لإتمام المناورة الجوية: ”اتصال!“ وهذه الفوهة قادرة على ضخ 4,180 لتراً من الوقود في الدقيقة.
كان هذا العمل الجماعي المتقدم من المواضيع الرئيسية في التمرين العسكري «النجم الساطع 23» في مصر؛ وغاية هذا التدريب رفع مستوى التوافق العملياتي بين الدول الشريكة لمواجهة التهديدات الإقليمية.
استضافت مصر فعاليات تمرين «النجم الساطع»، وتولت وحدة كبيرة من الجيش المصري قيادة فعاليات التمرين، وبلغ عدد المشاركين 7,600 مشاركاً، وأمضوا أسبوعين في الاستعداد للعمل في مهام مشتركة إذا ما استُدعوا لذلك، وعملوا على تخفيف التباين في الاتصالات والأسلحة والعقيدة العسكرية.
ويعد تمرين «النجم الساطع» واحداً من أكبر التمارين متعددة الجنسيات في العالم التي تشارك فيها القوات البرية والبحرية والجوية. وجرت فعاليات التمرين في الفترة من 31 آب/أغسطس إلى 14 أيلول/سبتمبر 2023، وكانت المرة الـ 18 التي تستضيف فيها مصر تمرين «النجم الساطع» منذ عام 1980.
وقال الفريق أول محمد زكى، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع: ”إن مشاركة القوات نفسها في تنفيذ تمارين مشتركة في مختلف الساحات من الأمور شديدة الأهمية، وقد بُذلت هذه الجهود بروح الفريق بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع العالم.“
شاركت 17 دولة في تمرين «النجم الساطع» وأرسلت عشر دول أخرى مراقبين، وجاءت قوات من الأردن والكويت وباكستان وقطر والمملكة العربية السعودية من داخل المنطقة. كما دعت مصر اثنتين من شركائها البحريين من شرق المتوسط (اليونان وقبرص) بالإضافة إلى دول من جنوب الصحراء الكبرى، من بينها الكاميرون ومالاوي وجنوب إفريقيا. واكتمل جمع المشاركين في التدريب بقوات من فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى والهند وإيطاليا. وأرسلت تونس والإمارات العربية المتحدة مراقبين.
وحدث على الأرض تدريب بري مثل التدريب الجوي في سماء مصر بين القوات الجوية الأمريكية والمصرية، إذ التقت وحدات الدبابات والمدفعية والمروحيات من عدة دول لإجراء مناورات بالذخيرة الحية على أرض الصحراء.
وجرت فعاليات المناورة البرية على الشواطئ، حيث قامت قوات برمائية مدعومة بأسطول بحري متعدد الجنسيات بإنزال قوة هجومية تصدى لها المشاركون الآخرون في تمرين «النجم الساطع» على حافة المياه.
وحدث ذلك في قرية وهمية في الصحراء حيث قضت قوات العمليات الخاصة متعددة الجنسيات على قوات العدو في محاكاة لمكافحة الإرهاب؛ والكثير من قوات العمليات الخاصة كانوا مظليين أُنزلوا من مروحيات «شينوك» وطائرات نقل من طراز «سي-130».
وقال العميد الباكستاني عمران شهيد، رئيس وحدة باكستانية تجاوز عددها 100 فرد من الجيش والقوات الجوية والبحرية: ”يبشر تمرين «النجم الساطع 23» بالتعاون بين الجيوش، إذ يعد أفضل أداة لرفع مستوى التوافق العملياتي والتلاحم الإقليمي والدولي.“
وأضاف قائلاً: ”إذ يمنحنا الفرصة لاستعراض البسالة والقدرات الاحترافية، ويردع أعداءنا المُشتَرَكين.“
وبالإضافة إلى المناورات العسكرية التي أجادت القوات التدرب عليها في الميدان، فإن نجاحات تمرين «النجم الساطع» حدثت أيضاً بين أجهزة الكمبيوتر، وداخل قاعات المحاضرات، وفي ميادين الرماية. وهذا سمح للشركاء متعددي الجنسيات بالتعلم من بعضهم البعض في بيئات تتمتع بقدر أكبر من الحرية.
ركز مدربو الإخلاء الطبي الجوي بالقوات الجوية الأمريكية على تدريب مجموعة من الأطباء والممرضات العسكريين المصريين على علاج وإخلاء القتلى والجرحى من ساحة المعركة، وكان كل أفراد المجموعة يتعلمون بقلوبهم وجوارحهم؛ فتعلموا طرق وقف النزيف، وتثبيت الأطراف المصابة، وتسليك الشعب الهوائية، وتوفير الأوكسجين. كما استفاد المدربون الأمريكيون من خبراتهم، فأراهم طبيب مصري في إحدى الجلسات طريقة رائعة لعمل حمالة ذراع للمصابين، فشكروه على ما فعل.
وفي جلسات أخرى، نفع أطباء من القوات المسلحة الكويتية شركاء متعددي الجنسيات بتخصصهم الطبي، وهو علاج المصابين بالحروق.
وقال العميد الكويتي مشعل أبا الخيل: ”للتمارين العسكرية المشتركة دورٌ حاسمٌ في إعادة بناء وإعداد القوات على كافة المستويات وتعتبر ركناً من أركان الجاهزية القتالية. وإن تمارين مثل تمرين «النجم الساطع 23» تحسن لياقة الجنود بدنياً وذهنياً، ويدرك الجيش الكويتي أهمية التمارين المشتركة ويبذل جهوداً جبارة للمشاركة فيها.“
اجتذب ميدان رماية في الصحراء بقاعدة محمد نجيب العسكرية أكثر من 500 جندي متعدد الجنسيات لإجراء ”تمارين تكتيكية على المواقف“ شملت القنص وأمن الحدود ومكافحة العبوَّات الناسفة محلية الصنع والطائرات المسيَّرة وإنقاذ الأرواح في ساحة المعركة.
وركز تمرين لمركز القيادة في الغالب على إجلاء المدنيين من منطقة القتال، وأظهر كيف يستطيع ضباط متعددو الجنسيات التغلب على الاختلافات الثقافية والاندماج في طاقم قيادة مشترك، وحرص المنظمون على أن تتزامن بعض السيناريوهات المحوسبة مع التدريب الميداني في تمرين «النجم الساطع» لإضفاء عنصر الأصالة على التدريب.
ووضع تمرين للأمن السيبراني على مدار 48 ساعة، فريقين في مواجهة بعضهما البعض، ودَمج سيناريوهات سيبرانية في التمرين الأكبر، وشارك به 18 مشاركاً من ثماني دول: مصر والأردن والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والكاميرون والهند وجنوب إفريقيا. وعُقدت «أكاديمية سيرانية» استمرت ثلاثة أيام، تعلموا فيها مفاهيم الأمن السيبراني، وانقسم المتدربون بعدها إلى فريق أحمر حاول اختراق دفاعات شبكات الكمبيوتر وفريق أزرق يدافع عنها.
قال العقيد عبد الله الرشود، كبير الضباط السعوديين في تمرين «النجم الساطع»: ”تتضمن التمارين تدريبات جماعية تهدف إلى رفع مستوى المهنية والاحترافية والعمل الجماعي في تنفيذ الواجبات، وأثرها عظيم في النهوض بقدرات القوات ورفع جاهزيتها والارتقاء بالاحترافية وصقل المهارات في أداء المهام الموكلة إليها.“
واستضاف المصريون لأول مرة «منتدى النجم الساطع» لمناقشة موضوعات الدفاع والأمن التي شملت العواقب الإنسانية لحرب المدن، والمسيَّرات، واستخدام الجيوش الذكاء الاصطناعي. وقدم بعض الدارسين متعددي الجنسيات البالغ عددهم 91 دارساً في الندوات خلاصة أبحاثهم إلى لجنة من كبار القادة في ختام تمرين «النجم الساطع».
أكدت القوات على أهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين القدرات القتالية، إذ يُحَسِّن أداء الملاحة والطيران والمُسيَّرات. ويساهم في معالجة كميات هائلة من البيانات المجمَّعة إلكترونياً، ويزيد من دقة توجيه الأسلحة وسرعتها، ويساعد على إزالة الحواجز اللغوية في البيئات متعددة الجنسيات. إلا أن البعض شككوا في قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرار بمفرده دون إشراف العنصر البشري، واعترفوا بضعف أنظمة الذكاء الاصطناعي أمام الهجمات السيبرانية.
تُقبِل دولٌ كثيرة على مصر بسبب تنوع فعاليات تمرين «النجم الساطع». وليس أدل على ذلك من أن قبرص، التي تجري الكثير من التمارين الثنائية مع مصر، أرسلت فريق مشاة آلي للمشاركة في العرض الختامي بالذخيرة الحية في تمرين «النجم الساطع»، وفريق عمليات خاصة لفعالية مكافحة الإرهاب، وكتيبة متخصصة في التدمير تحت الماء لفعاليات التمرين البحرية.
وحضر الرائد ستيليوس كراشياس التمرين مع زملائه من الحرس الوطني القبرصي، وأوضح أن ما يقرب من 70 مشاركاً قبرصياً يعتزمون تبادل المعرفة المكتسبة في تمرين «النجم الساطع» مع زملائهم في الوطن.
وقال: ”لا مثيل لهذا التعاون، إذ يسمح لنا بالعمل مع زملائنا في مجموعة كبيرة من تمارين الجيش والقوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة وأنواع أخرى من التمارين والأنشطة التي تكاد تغطي كافة الأفرع والتكتيكات العسكرية.“
وأعرب القادة المصريون عن رغبتهم في أن يضم تمرين «النجم الساطع» مجموعة أكبر من الفعاليات التي تناسب مختلف التخصصات العسكرية. ويُشار إلى أن مصر تستضيف تمرين «النجم الساطع» كل عامين، ومن المقرر أن تُقام النسخة التالية منه في عام 2025.
وقال الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي: ”نسعد بالتدريب، سواء بموضوعات القيادة والسيطرة أو الموضوعات التكتيكية في أداء أنشطة محددة براً أو بحراً أو جواً، ثم دمج كل هذه الأنشطة معاً في التمرين. ونرجو أن يزيد حجم المشاركة في التدريبات المستقبلية من جانب الدول المشاركة.“
التعليقات مغلقة.