شراكة ضد الإرهاب
قوات الدرك الأردنية تلعب دوراً محورياً في عمليات مكافحة الإرهاب في الأردن
أسرة يونيباث | صور المقالة بعدسة مديرية التوجيه المعنوي لقوات الدرك
لاشك أن التحديات الأمنية المتمثلة في أنشطة الخلايا الإرهابية وتخطيطها لتقويض الأمن والسلم الأهلي هو ما يشغل الأجهزة الأمنية، فبعد تداعيات سقوط الموصل بيد عصابات داعش الإرهابية، بدأت القوات الأمنية بتغيير تكتيكات مكافحة الإرهاب الكلاسيكية إلى التدريب على خوض قتال في المناطق المبنية والاستعداد لعمليات أمنية غير تقليدية ضد مجاميع تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية، وتفخخ العجلات، وتحتجز الرهائن داخل بيوت آهلة بالسكان.
ومن هنا، كانت المملكة الأردنية الهاشمية من الدول السباقة في هذا المضمار حيث تم افتتاح البرنامج التدريبي الدولي المشترك لمكافحة الإرهاب بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية، والذي جاء إنشاؤه بالتعاون ما بين قوات الدرك الأردنية والمكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب، وتم اختيار مركز “الدرك” الأردني الإقليمي المتميز ليحتضن هذا البرنامج للتدريب على حفظ النظام، ويعد هذا المركز مدينة تدريبية متكاملة، وتم تخصيص أحد أجنحته لهذا البرنامج وتم تجهيزه بأحدث التقنيات والتكتيكات الحديثة في مجال التدريب على عمليات مكافحة الإرهاب.
التقت مجلة يونيباث المدير العام لقوات الدرك اللواء الركن حسين الحواتمة، للحديث عن أهمية هذا البرنامج.
يونيباث: ما هي الغاية من البرنامج المشترك للتدريب على مكافحة الإرهاب؟

اللواء الحواتمة: لقد بذل الأردن طول السنوات الماضية، جهوداً شجاعة في مكافحة الإرهاب الرافض لكل معاني الرحمة والتسامح، والذي استهدف التلاعب بالمعتقدات والأفكار، وقمنا باتخاذ أشد الإجراءات لمحاربة عصابات الخوارج، وتجفيف منابع الإرهاب، وهي حربنا التي نخوضها للدفاع عن مستقبلنا، وعن قيمنا، ويخوضها معنا جميع أصدقائنا دفاعاً عن الإنسانية. وقد قدم الأردن التضحيات في سبيل الحفاظ على قيمه الراسخة في هذا المجال، وقدمت أذرعه العسكرية والأمنية والاستخبارية جهوداً جبارة، وأداء احترافياً فاعلاً، بالتعاون والتنسيق مع شركائنا.
والشراكة بين المملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال شراكة قديمة، وتعززت من خلال الجهود السياسية لجلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الملك عبدالله الثاني، الذي دعا على الدوام إلى توحيد الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب في نهج شمولي دولي، يضمن توحيد وتنسيق الجهود الأمنية والعسكرية بين الدول الأصدقاء والشركاء في هذا المجال، حيث لا توجد دولة محصنة من خطر الإرهاب وشروره، أو قادرة على مواجهته بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي.
لذا كان من الطبيعي أن تتوسع الشراكة الأردنية الأمريكية في هذا المجال لتشمل الجانب التدريبي، فجاء إطلاق هذا البرنامج المشترك الذي تم التخطيط له بعناية فائقة، بين قوات الدرك الأردنية ومكتب مكافحة الإرهاب التابع للحكومة الأمريكية وأخذ شهوراً وسنوات من العمل ليكون قادراً على تلبية طموحاتنا المشتركة، وتم اختيار موقع التدريب الحالي الذي يلبي جميع المتطلبات التدريبية من حيث الميادين الواسعة والمباني الحديثة، وتم إعداد الدراسات المستفيضة من قبل الجانبين على مدار عامين لضمان تحقيق النتائج المرجوة، كما قامت الحكومة الأمريكية ومن خلال مكتب مكافحة الإرهاب بتوفير المعدات الحديثة، وبناء ميدان رماية مغلق حديث ويحتوي على غرف تدريب تحاكي الواقع في واجبات مكافحة الإرهاب، وتم تهيئة القاعات التدريسية بشكل أفضل، وتم تجهيز المنامات الخاصة بسكن المتدربين، بأفضل سبل الراحة، بحيث يجد المتدرب كل ما يلزمه في بيئة محفزة للحصول على المعرفة واكتساب المهارة.
يونيباث: ماهي سعة المركز التدريبية؟
اللواء الحواتمة: سعة المركز والبرنامج التدريبي تصل إلى (120) في وقت واحد، ونتحدث هنا عن توافر معايير عالية من حيث الوسائل التدريبية، والمرافق الإدارية لخدمة المتدربين، وسوف يضاعف هذا الرقم القدرة التدريبية للأجهزة الأمنية الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب.
يونيباث: كيف تم التنسيق على افتتاح هذا الصرح الاستراتيجي المهم وأن يتم احتضانه من قبل قوات الدرك؟

اللواء الحواتمة: كما أشرت سابقاً فإن الثقة المتبادلة التي تربط الأردن بالولايات المتحدة الأمريكية والتاريخ الطويل من التعاون في هذا المجال شكلا الأساس لإطلاق المشروع.
أما بالنسبة لقوات الدرك فهي قوة أمنية ذات صبغة عسكرية، وتنظيم عسكري، وتم بناؤها بطريقة احترافية، وعلى أسس مهنية تراعي الاختصاص، حيث تم إعادة تشكيل قوات الدرك في العام 2008 بتوجيهات من جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، وخطت خطوات واسعة لبناء قدراتها الأمنية المتقدمة، وقدمت أدواراً مؤثرة في تعزيز إنفاذ القانون والتصدي للجريمة، ومكافحة الإرهاب، ولعبت دوراً ريادياً بارزاً في إحلال السلام الدولي من خلال مشاركتها الفاعلة في قوات حفظ السلام الدولية، فقوات الدرك الأردنية من أكبر المساهمين في قوات حفظ السلام الدولية ذات الطابع الأمني، حيث شاركت وتشارك قوات الدرك في وحدات الشرطة الدولية في عدة مناطق نزاع تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد استفاد جنودنا من ذلك بالاطلاع على أفضل الممارسات الدولية، وتعزيز مهاراتهم في العمل مع الآخرين والتفاهم الأمني في مجال العمليات المشتركة، وفي ظروف مختلفة.
وعليه، فإن قوات الدرك الأردنية اليوم تتمتع بسمعة محلية ودولية مرموقة بفضل أدائها الاحترافي في الواجبات الأمنية في الأردن أو في مهام حفظ السلام الدولية، وعندما حتمت الضرورة القائمة إطلاق برنامج بمواصفات عالية الجودة للتدريب على عمليات مكافحة الأرهاب، كانت قوات الدرك هي الخيار الملائم، كما هو الحال بالنسبة للمكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب الذي يعد صاحب تاريخ طويل في العمل الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، ولديه الطواقم المتميزة على مختلف المستويات، والقادرة على إغناء هذه الشراكة.
يونيباث: لماذا تم إعادة بناء قوات الدرك بعد عام 2008؟
اللواء الحواتمة: يعود ظهور قوات الدرك في الأردن إلى عهد تأسيس المملكة في العام 1921 وظلت تقوم بواجباتها منذ ذلك العام وحتى العام 1956 عندما تم تأسيس الأمن العام الأردني وعهد إليه بواجبات حفظ الأمن في الأردن، واختفى اسم الدرك تدريجياً عن خارطة العمل الأمني في البلاد، حتى جاء العام 2008 حين أصدر جلالة القائد الاعلى الملك عبدالله الثاني توجيهاته بإعادة تشكيل قوات الدرك بشكلها العصري والحديث.
وكان لجلالته آنذاك نظرة استشرافية للمستقبل خاصة في ظل تطور المجتمع الأردني، وازدياد الحاجات الأمنية، وخلال ما أصاب المنطقة لاحقاً من متغيرات أمنية في الأعوام اللاحقة اكتسبت هذه القوة سمعة طيبة من خلال قدرتها على التعامل مع الأحداث الأمنية بقدر كبير من الالتزام والانضباط والمهنية، وفي إطار من احترام حقوق الإنسان، وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط متغيرات ومستجدات أمنية وسياسية كبيرة، لكن وبحمد لله، وبحكمة جلالة الملك وبوعي أبناء الوطن بقى الأردن في مأمن من تلك المتغيرات، وشكلت قوات الدرك ذراعاً أمنياً فاعلاً من خلال عملها المتزن والمحترف في التعامل مع المواطنين، إضافة إلى الواجب الذي أسند إليها في توفير الغطاء الأمني للممتلكات والمقدرات، والمرافق الوطنية الحساسة، وبإمكاننا القول أن قوات الدرك، راعت بشكل تام مبادئ وقيم المملكة الأردنية الهاشمية التي اهتمت برعاية الإنسان واحترامه.
وقد استطاع جلالة القائد الأعلى أن يقود البلاد بحكمة كبيرة في مرحلة حساسة، وأظهر الأردن للعالم بأن القيم الإنسانية تكون أحيانا أقوى من الآلة العسكرية التقليدية، غير أن وجود القوة الأمنية القادرة على إنفاذ سيادة القانون يظل ضرورياً لسير الحياة وإحقاق الحقوق. وبناء على ذلك، فإن الأمن والاستقرار في الأردن رغم ما يحيط به من منطقة ملتهبة، ارتكز على عدة أسس من أهمها القيادة الحكيمة والواثقة، والأجهزة الأمنية القوية والمنضبطة، والمواطنة الأردنية العميقة.

التعليقات مغلقة.