رسالة قائد مهم
لعب جهاز مكافحة الإرهاب العراقي دوراً كبيراً في محاربة العصابات الإرهابية والجماعات الخارجة على القانون منذ تأسيسه في عام 2003، وسبق وأن مثَّل رأس الرمح في مطاردة فلول القاعدة في بلاد الرافدين وتفكيك شبكاتهم واعتقال قياداتهم أو قتلهم. ولكن لم يقتصر دور الجهاز على مكافحة الجماعات الإرهابية الناشطة في العراق فحسب، بل كُلِّف كذلك بمهام أخرى كالمساعدة في إخماد الصراع الطائفي الذي نشب في عام 2006. بمساعدة شركائنا من قوات العمليات الخاصة الأمريكية، نجح الجهاز في تشكيل قوة متماسكة وظفت في عملياتها التكنولوجيا العسكرية الحديثة والتكتيكات المعاصرة في حرب العصابات ومكافحة الحركات المتمردة.
إنَّ النجاحات الميدانية التي حققها جهاز مكافحة الارهاب تُعزى إلى احترافية ووطنية واندفاع مقاتلينا معززة بالتدريب المتقدم والمشورة والتجهيز الذي كنا وما زلنا نتلقاه من شركائنا الأمريكيين الذين عملوا معنا كتفاً إلى كتف طوال السنين العصيبة؛ فلا يُجَرَّب الأصدقاء إلا في أوقات الشدة.
بعد اجتياح داعش لمدينة الموصل في عام 2014، برز الجهاز كقوة قتالية استراتيجية استطاعت الصمود في مواقعها في معسكر الغزلاني وقاعدة سبايكر ومصفى بيجي، وصدت جميع الهجمات المستميتة التي نفذتها عصابات الإرهاب. ويعود الفضل في ذلك إلى عملية انتقاء المقاتلين وإيمانهم بقضيتهم العادلة والقيادة الشجاعة والتدريب والتجهيز العالي والدعم المعنوي الكبير الذي نتلقاه من الشعب العراقي.
كانت قوات جهاز مكافحة الإرهاب في مقدمة الطلائع المقتحمة في معارك تطهير المدن من رجس عصابات داعش الإرهابية. فبعد أن تمترس الإرهابيون بين المواطنين أصبحت عمليات تطهير المدن أشبه بعمليات جراحية تتطلب دقة وتركيز عاليَين. فكان على قواتنا اقتحام المدن بقوات خفيفة التسليح لتجنب إيقاع خسائر بين المدنيين، وشكَّل العامل الاستخباري أحد أهم العوامل التي ساعدتنا على هزيمة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى؛ وفي هذا الصدد لا بدَّ أن نُثني على الدور الكبير الذي لعبه طيران التحالف الدولي في جمع المعلومات، إضافة إلى مهمته الرئيسية الأخرى.
رغم استمرار جهاز مكافحة الإرهاب بملاحقة فلول داعش وتنفيذ مهمات متعددة على مدار الساعة، فلم يزل يداوم على التدريب وتطوير قدارتنا القتالية سواء على مستوى المقاتل أو الوحدة.
إنَّ عملية محاربة التطرف العنيف عملية معقدة جداً وتحتاج إلى حلول جوهرية لمعالجة أسبابها ولا يمكن مواجهتها بالحلول العسكرية فحسب. فبعد النصر الكبير الذي حققته القوات الأمنية العراقية على داعش، بدأنا عملية بناء استراتيجية مكافحة الإرهاب من خلال عقد مؤتمرات ووضع استراتيجية مبنية على دراسات أكاديمية وعلمية لمعرفة الأسباب الحقيقية لظاهرة التطرف العنيف وطرق مكافحتها.
فيجب العمل مع قادة وممثلي المجتمع المدني والسكان لعدم السماح للفكر المتطرف بإيجاد حاضنة ومتعاطفين داخل المجتمع.
وبعد تجربتنا الطويلة في محاربة العصابات الإرهابية وملاحقة قياداتها، وجدنا أنَّ مفتاح النجاح في هذه المهمة يكمن في بناء قوة متكاملة رشيقة وسريعة الحركة؛ لأنَّ الجماعات الإرهابية تعتمد على سرعة الحركة وتغيير الأوكار والتخفي، ما يجعل مهمة اصطيادها صعبة إذا اتبعنا الطرق العسكرية التقليدية في ملاحقة الهدف والتنسيق مع قوى الجهد العسكري الرئيسية في المنطقة التي يُراد استهدافها قبل التنفيذ.
فرضت حروب الجيل الرابع تحدياً جديداً على الجيوش يتمثل في استخدام تقنيات ذات تكلفة منخفضة لضرب أهداف حيوية باهظة التكلفة، إذ ركزت الجماعات الإرهابية على استخدام الطائرات المسيَّرة الصغيرة لاستهداف مواقع عسكرية ومنشآت اقتصادية مهمة. إنَّ توفر هذه التقنيات في الأسواق والمتاجر الإلكترونية أعطى فرصة ثمينة للجماعات الإرهابية بحيازتها وتحويرها لحمل مقذوفات وكاميرات استطلاع، مما أحدث سباق تسلح بين الجيوش التي تحاول تعزيز دفاعاتها الجوية ضد هذا التهديد الناشئ وبين الجماعات الإرهابية الحريصة على تطوير هذا السلاح لاختراق الدفاعات الجوية للجيوش النظامية.
لقد واجهنا هذه التحديات في معارك تحرير الموصل من خلال استخدام تقنيات التشويش الإلكتروني والقنص من مسافات قريبة. ولذلك لم تشكِّل الطائرات المسيَّرة تفوقاً تكتيكياً للعدو آنذاك. بيد أنَّ الهجوم على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية في عام 2019 جعل العالم يعيش في صدمة كبيرة بسبب حيازة الجماعات الإرهابية سلاحاً متطوراً يشكل تهديداً للأمن القومي.
ففي قضية الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، قطعت المسيَّرات مسافة تتجاوز 100 كيلو متر، وهذا يدل على أنَّ هذا النوع من الطائرات حديث ويختلف عمَّا واجهنا في عام 2017. وربما تقوم جهات أخرى راعية للإرهاب بتطوير هذا السلاح لحمل مواد بيولوجية وكيمياوية لإيقاع خسائر جسيمة بين المدنيين.
ولذلك لا بدَّ أن يتوحَّد العالم لمواجهة هذا التهديد بحزم ومحاسبة الدول التي توفر هذه التقنيات للجماعات الإرهابية. فمثلما شهدنا تصدي المجتمع الدولي لعصابات داعش، يجب على دول العالم المعنية بمكافحة الإرهاب في العالم جمع المعلومات الاستخبارية وملاحقة الجماعات الإرهابية التي تستخدم الطائرات المسيَّرة الانتحارية في شن هجمات ضد المنشآت المدنية والحكومية ومحاسبة الدول التي ترعى تلك الجماعات وتسهل لها الوصول إلى مثل هذه التكنولوجيا العسكرية المتطورة.
فالدول الصديقة والحليفة مطالبة بالعمل جدياً على تبادل المعلومات الاستخبارية التي من شأنها إيقاف الهجمات قبل وقوعها. ويشمل ذلك الدول التي تعمل ضمن منظومة موحدة للدفاع الجوي من أجل حماية منشآتها الحيوية واستدامة سيادتها الجوية.
الفريق أول عبد الوهاب الساعدي
رئيس جهاز مكافحة الإرهاب العراقي
التعليقات مغلقة.