خطر الطائرات المسيَّرة
الطائرات المسيَّرة منخفضة التكلفة تغير طبيعة الصراعات قليلة الحِدّة في المنطقة
السيد عصام عباس أمين
المديرية العامة للاستخبارات والأمن بوزارة الدفاع العراقية
تشكل الطائرات المسيَّرة تحدياً جديداً في إطار إدارة الصراع باعتبارها سلاحاً حديثاً بدأت تستفيد منه الدول والجماعات المسلحة. ويبدو أنَّ الطائرات المسيَّرة ستغير من طبيعة الحرب، أو على الأقل الحروب منخفضة الكثافة. فقد كانت الطائرات المسيَّرة خلال عام 2020 السلاح التكتيكي الأفضل في الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط. واللافت هنا أنَّ الدول الراعية للإرهاب هي المستفيد الأكبر من هذا السلاح، ويشكل استخدامها تغييراً في موازين القوى في المنطقة.
باتت حروب الطائرات المسيَّرة شائعة منذ أن نشرت الولايات المتحدة طائراتها من طراز «بريداتور» في أفغانستان عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. والولايات المتحدة متفوقة في مجال الطائرات المسيَّرة، إلَّا أنَّ التكلفة المنخفضة نسبياً لمثل هذه الطائرات يجعلها جذابة لمنفذي الأنشطة الخبيثة في منطقة الشرق الأوسط، وتتقلص الفجوة بين الولايات المتحدة وبين هذه العناصر الخبيثة والجماعات المتطرفة التي تدعمها.
لقد كشفت «معركة إدلب» دوراً وعقيدة قتالية جديدة تستند في روحها إلى الطائرات المسيَّرة في تغيير الموازين على الأرض؛ إذ شنَّت تركيا هجومها الأساسي بنحو 100 طائرة مسيَّرة منتجة محلياً أطلقت ذخائر موجهة رخيصة بكفاءة مميتة، فقد خلالها الجيش السوري قبل نهاية المعركة مقاتلتين على الأقل، وثماني مروحيات، و135 دبابة، و77 مركبة مدرَّعة أخرى، ونحو 2,500 قتيل، بحسب وزارة الدفاع التركية. لقد ترك الهجوم الجيش السوري غير قادر على حماية دروعه ووحدات المدفعية في الخطوط الأمامية، والتي استُهدفت بشكل منهجي بصواريخ رخيصة ولكنها عالية الدقة تطلقها الطائرات المسيَّرة التركية.
وكما قال مسؤول بالناتو: “إنَّ تحليق عشرات من هذه الطائرات المسيَّرة فوق إدلب وإلقاء هذه القنابل الصغيرة على دبابات النظام السوري طوال الليل لفت انتباه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.” فقد استطاعت المسيَّرات التركية فرض هيمنتها على الجو، وهذا الأمر تكرَّر في ليبيا وفي الحرب بين أرمينيا وأذربيجان.
ففي ليبيا أفشلت المسيَّرات التركية الهجوم على طرابلس وحوَّلت حكومة الوفاق من الدفاع إلى الهجوم لمطاردة قوات المشير خليفة حفتر إلى تخوم مدينة سرت الاستراتيجية. ونفس الحال تكرر في القوقاز، حيث حررت أذربيجان معظم أراضيها التي احتلتها أرمينيا منذ أكثر من 20 عاماً.
تثبت الحالة الليبية وقبلها إدلب وبعدها أذربيجان فاعلية استخدام الطائرات المسيَّرة؛ ففي الساحات الثلاث بدا هناك تكتيك متشابه وضعه الخبراء الأتراك، يتمثل في استخدام أنظمة التشويش إضافة إلى بدء الطائرات المسيَّرة هجماتها بقصف أنظمة الدفاع الجوي، حتى لو ببعض الخسائر، ما يتيح للطائرات المسيَّرة قصف الأهداف العسكرية البرية بخسائر أقل بعد تحييد الدفاع الجوي للخصم، إذ تصبح دبابته وعرباته المدرَّعة هدفاً يسيراً.
وتثير هذه الأمثلة هذا السؤال: هل يقود استخدام مثل هذه التكتيكات إلى إعادة النظر في التقديرات الاستراتيجية؟
ويُفضل الإجابة هنا بالهجوم الصادم الذي استهدف منشأة «أرامكو السعودية»، في أيلول/سبتمبر 2019، وأوقف نسبة %6 من إنتاج النفط العالمي لفترة مؤقتة. يشير هجوم «أرامكو» – والهجمات الحوثية ضد السعودية والإمارات – إلى تطور قدرات إيران وأذرعها بشكل كبير في مجال الطائرات المسيَّرة. والملفت للنظر هنا براعة الإيرانيين في قدرتهم على تسيير عدد كبير من الطائرات المسيَّرة – نحو 50 طائرة – في تمرين عسكري أُجري في تموز/يوليو 2019. كما أظهروا قدرة كبيرة حين سيطروا على طائرة مسيَّرة أمريكية متطورة وقعت على أرضهم وصنعوا نسخة مُقلَّدة منها تناسب احتياجاتهم.
تشير التقديرات إلى أنَّ معدَّل نجاح القصف بالطائرات المسيَّرة يصل إلى %85؛ وهي نسبة عالية تشير إلى القدرة المتطورة للتكنولوجيا المستخدمة وارتفاع إمكانية الاعتماد عليها. كما يمكن أن تستهدف هذه الهجمات البنية التحتية مثل محطات الطاقة ومصانع الأسلحة.
نحن إذن أمام حالة جديدة في إدارة الصراع وهي قدرة الطائرات المسيَّرة على تحقيق المفاجأة حتى ضد الدول المتقدمة عسكرياً؛ فقد ثبت حتى الآن أنه في المواجهة بين أنظمة الدفاع الجوي باهظة الثمن والطائرات المسيَّرة الهجومية منخفضة التكلفة، فإنَّ الطائرات المسيَّرة تربح، لا سيما مع استخدام التكتيكات الصحيحة. فهناك تقارير تفيد أنَّ الطائرات المسيَّرة التركية التي استخدمتها أذربيجان دمرت أنظمة «إس 300» الشهيرة، وهي تمثل منظومة أساسية للدفاع الجوي في عدة دول كمصر والهند وإيران وسوريا.
وحتى صواريخ «إس 400» الأكثر تقدماً التي نُشرت في سوريا أثبتت عدم فاعليتها في مواجهة الاستخدام المشترك للحرب الإلكترونية والصواريخ المضادة للإشعاع والذخائر الموجهة بدقة. وحتى دولة مثل السعودية، التي لديها أنظمة دفاع جوي كثيفة ومتطورة، وأغلبها غربي، وجدت صعوبة بالغة في صد هجوم الطائرات المسيَّرة على منشآت «أرامكو» النفطية في عام 2019.
فالعالم إذن أمام تحدٍ جديد لمعادلة الصراعات والتوازنات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بعدما وجدت هذه التكنولوجيا قليلة التكلفة وشديدة التأثير طريقها إلى التنظيمات الإرهابية في العراق وليبيا وسوريا.
واللافت أمام هذا التحدي أنَّ الحروب الحديثة تشهد تصاعد الهجمات الإرهابية وتنفيذها بشكل «خفي». ففي السنوات الأخيرة باتت المسيَّرات سلاحاً رئيساً للتنظيمات والقوى العسكرية، لا سيما بمنطقة الشرق الأوسط، لكن اختلف استخدامها بين ما هو مشروع، وما هو غير مشروع. والعامل الأساسي الذي يدفع القادة إلى استخدام هذا النوع من السلاح هو قدرته على تجنُّب أجهزة الرادار، ومن ثمَّ إنكار المسؤولية عن التنفيذ؛ وهذا ما رُصد في الهجمات على «مطار أربيل الدولي» بالعراق مثلاً.
فعلى العالم الانتباه إلى تداعيات استخدام الطائرات المسيَّرة في الشرق الأوسط؛ فهي قادرة على تغيير التوازنات أو القوى العسكرية في المنطقة، وتشجع على القتل وإحداث الدمار بتكلفة أقل مع هامش كبير للإنكار.
يؤسفنا أن ننقل لكم خبر وفاة الكاتب عصام عباس أمين. وإنَّ وفاته لخسارة كبيرة لقراء مجلة يونيباث والمديرية العامة للاستخبارات والأمن بوزارة الدفاع العراقية.
التعليقات مغلقة.