العقيد طيار أحمد جديع المنصوري، قائد جناح طائرات في القوات الجوية الأميرية القطرية
عملت دولة قطر خلال السنوات الأخيرة على تعزيز قواتها الجوية الأميرية عبر تسليحها بأدق الطائرات في العالم؛ وبداية من مقاتلات «الرافال» فرنسية الصنع لسرب «العاديات»، شرع سلاح الجو القطري في الحصول على طائرات «إف 15 كيو إيه أبابيل» أمريكية الصنع. وهذا نابع من رؤية القيادة العليا للدولة لتعزيز قدراتنا العسكرية وللحفاظ على الأمن القومي والإقليمي.
وقد وقع الاختيار على هذه المنظومة بفضل قدرتها على القيام بعدة طلعات جوية، وبالتالي تعزيز قدراتنا الأمنية والدفاعية. وهذه المقاتلة من طائرات الجيل القادم وتتمتع بتكنولوجيا جديدة، منها ضوابط أنظمة الرحلة الإلكترونية، وقمرة القيادة الرقمية الزجاجية بالكامل، وأجهزة الاستشعار الحديثة.
كما تضم المقاتلة الجديدة تكنولوجيا الرادار المطورة، وقدرات الحرب الإلكترونية المدعومة بالهندسة الرقمية والتصنيع المتقدم، ممَّا يجعل منها قفزة تحوُّلية لمقاتلات «إف 15 كيو إيه».
كما تعتبر هذه الطائرة بنظر الخبراء من أفضل المقاتلات من حيث القدرة على المناورة السريعة، سواء في المهام الهجومية أو الدفاعية. ولكم نفتخر بهذا الإنجاز ونتطلع بحماس كبير إلى النجاحات المستمرة لهذا البرنامج!
نبدأ بالطائرة بحد ذاتها، لكنها بالطبع لا يمكن أن تعمل إلَّا بأطقم الصيانة؛ ذلك أنَّ المصنع يجهزنا بالطائرات وتعمل الأطقم الفنية وأطقم الصيانة لدينا على تجهيز الطائرات بكافة المستلزمات، ولذا علينا الاهتمام بتدريب الأطقم الفنية قبل الجوية للمحافظة على الاستدامة وتحضير الطائرات.
ولتوضيح الاحتياجات الفنية والأمنية للطائرة «إف 15 كيو إيه»، أود الإشارة إلى أنَّ الطائرة الحربية تحوي مقعدين؛ أحدهما للطيار، والآخر لضابط منظومات الأسلحة. كما توجد أنظمة عمليات مساندة مثل الاستخبارات والعمليات التي تساهم في تجهيز المهام الخاصة، وعليه فلا بدَّ من التعاون بين أكثر من جهة للوصول إلى الهدف.
يأخذ التعليم والتدريب وقتاً، فلا يعني شراء الطائرات أنَّ الأطقم الفنية وأطقم الصيانة جاهزة، ولذا علينا المبادرة بالتخطيط لتدريب هذه الكوادر لكي تكون الأطقم الفنية وأطقم الصيانة جاهزة لتشغيل الطائرة حين وصولها، بالإضافة إلى الكادر الجوي لتنفيذ المهمة.
ونحن نعمل على تدريب الأطقم الفنية منذ ثلاث سنوات، أي منذ توقيع اتفاقية شراء الطائرة «إف 15 كيو إيه» من خلال ابتعاث الكادر لتدريبه. وبالنسبة للأطقم الجوية، وكما ذكر سعادة الفريق سالم النابت، رئيس الأركان، حين كان في سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية، لدينا عدد جيد من الكادر الجوي أكمل التدرب على طائرات «إف 15 كيو إيه»، وستقوم كوادرنا الجوية بطلعات جوية على متن هذه الطائرات.
التعلم من شركائنا العسكريين الأمريكيين والدوليين ركيزة بالغة الأهمية. فكما هو معروف أنَّ القوات الأمريكية تمتلك أكبر قوات مسلحة في العالم، وخاضت الكثير من العمليات والصراعات، وبما أنني ضابط مشروع الجناح، فمن وجهة نظري أنَّ القوات الأمريكية هي أفضل قوات يمكن التعلم من خبراتها؛ ومن أهدافي أن يأتي يوم، كما أخبرت شركاءنا الامريكيين، تصل فيه القوات القطرية إلى مستوى احترافية القوات الأمريكية بدرجة لا يمكن التمييز بينهما.
هدفنا مساندة ومشاركة القوات الأمريكية في عملياتها قدر الإمكان، وحسب توجيهات القيادة العليا القطرية، وكذلك فهم التطور الحاصل وبالتالي الإضافة إلى خبراتنا؛ فمن طبيعة البشر تعلم كل ما هو جديد والاستفادة من تجارب الغير، كما أنَّ الانغلاق لا يسمح بالتطور.
الطيار يعتبر الطائرة مكتبه الخاص؛ وأنا شخصياً أحب مهنتي كطيار مقاتل، وكأنها تجري في دمي حيث أصل إلى هدفي بأفضل نتائج وأقل خسائر، وهذا يأتي من التدريب والتعلم المستمر، ولقد حرصت الدولة على تعزيز ذلك عبر التمارين المشتركة التي تساهم بشكل كبير في اكتساب المعرفة وتبادل الخبرات ورفع الكفاءة وتنمية مهاراتنا القتالية؛ فضلاً عن التدريبات المتنوعة على عمليات الإسناد الجوي وعمليات الصيانة وعمليات التزود بالوقود.
يعمل كادر العمليات على دراسات لمواجهة كل التهديدات والتحديات الجوية، لا سيما في ظل تقدم تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة التي تواجهها الدول في الوقت الحالي. ولا ينفك كادر العمليات عن الدراسة لدرء هذه التهديدات، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وبما أنَّ قطر أستضافت كأس العالم، فهذه الدراسات كانت على قائمة أولويات القوات المسلحة، كما أنَّ التدريبات المشتركة تساهم بشكل كبير في فهم قيمة العمل المشترك والتعرف على أفضل الطرق لمواجه تهديدات الأمن الإقليمي. فالتمارين والتدريبات تختبر استعداداتنا وقدراتنا الجماعية على العمل معاً من أجل معالجة سيناريوهات واقعية والاستجابة للتهديدات.
وعلى سبيل المثال، فقد عملت شخصياً مع القوات البريطانية، وكانت طائرة قواتنا الجوية «ميراج» أكثر تطوراً من طائرات القوات المشاركة البريطانية، ومع ذلك تمكنت القوات البريطانية من التفوق علينا خلال التدريب بفضل تمكنهم من قدرات طائراتهم، واستثمار ذلك في أدائهم، والعمل على تجاوز التحديات التي قد تواجههم. وأستشهد دائماً بهذه التجربة كمثال عند تدريب الشباب الجدد في الكادر الجوي، وأطلب منهم عدم الحكم على الأمور بظواهرها فقط.
ولمثل هذه التمارين العسكرية فائدة كبيرة؛ منها التعلم والتعرف على وسائل التدريب والاستفادة من الخبرات وبالتالي تطوير الذات، كما أنَّ كادر القوات الجوية يتعاون في معظم الحالات مع قوات أخرى كالبحرية أو البرية كقوات مشتركة. وكما هو معروف في القوات المسلحة، هنالك توسع في مجال التدريب وتطوير المعدات والتعليم؛ وهكذا فإنَّ التعاون كقوات مشتركة يساهم في فتح آفاق تطوير المهارات والإلمام بمهام القوات المتخصصة الأخرى والتوافق العملياتي عبر المشاركة في التمارين المشتركة.
وفي الختام أقول إنَّ توسيع القوات الجوية الأميرية القطرية من خلال تزويدها بطائرات «إف 15 كيو إيه» حلم تحقق، وأشكر الدولة على قرار الاختيار. وكما تحرص الدولة دائماً على التطوير من خلال الدعم وشراء الآليات والطائرات، فدوري يأتي في جعل هذه المنظومة على مستوى عالي من الجودة من خلال التدريب والتعلم والرؤية، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات القوات الأمريكية في هذا المجال.
وبصفتي قائد جناح، أحرص على حفظ الأمانة، وألا أخيب أمل بلدي وقيادتي، وسأبذل كل ما بوسعي حسب خبراتي وتدريبي ومعرفتي.
التعليقات مغلقة.