ثمار السلام في أفغانستان
من شأن التسوية السياسية التي تحترم دستور البلاد أن تحسن مستوى الحياة في المنطقة.
أحمد فريد فوروزي مدير برنامج، المساواة من أجل السلام والديمقراطية
كانت أفغانستان إلى حد كبير دولة مسالمة حتى نهاية حكم سردار داود خان في عام 1978. وبعد تدخل الاتحاد السوفيتي السابق في السياسة الأفغانية، وغزوه لها في وقت لاحق، أصبحت أفغانستان وشعبها ضحايا للصراعات المسلحة وانعدام الأمن المستمرين. وخلق الصراع الدائر حالة دفعت المجتمع الأفغاني، لا سيما الشباب، إلى التطرف على أيدي جماعات أجنبية جاءت في البداية إلى أفغانستان لمقاومة الغزو السوفيتي. زادت الجماعات المتطرفة المحلية والعابرة للحدود من تعقيد الوضع السياسي والأمني، وأصبحت أفغانستان ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية العالمية مثل القاعدة، التي خططت لهجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية في 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وقد أتاح تدخل الولايات المتحدة الذي أدى إلى انهيار نظام طالبان في عام 2001 لأفغانستان فرصة نادرة لوضع دستور جديد ونظام سياسي يستند إلى المبادئ الديمقراطية وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لشعبها.
وأدت مليارات الدولارات في شكل معونة أجنبية، فضلاً عن الدعم العسكري والسياسي المقدم من المجتمع الدولي، بقيادة حكومة الولايات المتحدة، إلى تحسينات كبيرة فيما يتعلق بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الأفغاني. وارتفع معدل العمر المتوقع للأفغان من 56 عاماً في عام 2001 إلى 64 عاماً في عام 2016. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من ما يقدر بـ 197 دولارًا في عام 2002 إلى 544 دولارًا في عام 2018. ويلتحق بالمدارس الآن ما يقرب من 10 ملايين فتى وفتاة، وتم بناء 000 13 مدرسة جديدة.
مع ذلك، بينما كانت الحكومة الأفغانية وحلفاؤها الدوليون يركزون على إعادة إعمار البلد ونماءه، لاحت عودة طالبان وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى في الأفق. ويشكل التوسع التدريجي لأنشطتها المقلقة تهديدات أمنية خطيرة على حياة الأفغان ويؤدي إلى زعزعة استقرار البلد. أبلغت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان عن المزيد من الضحايا المدنيين (3,804 قتيل و 7,189 جريح) في الصراع المستمر في عام 2018 وذلك أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2009، عندما بدأت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان في تسجيل أعداد الضحايا.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى الصراع الدائر إلى إبطاء النمو الاقتصادي في أفغانستان وتشويه عملية التنمية. تباطأ الاقتصاد الأفغاني، الذي كان ينمو بمعدل قياسي بلغ 21.4 ٪ في عام 2009، إلى 2.7 ٪ في عام 2017، وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من 4.4 ٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 إلى 0.3 ٪ في عام 2017. وبدأت الأعمال التجارية المحلية في نقل رؤوس أموالها إلى أسواق مستقرة خارج البلد، مما أسهم في ارتفاع معدل البطالة، لا سيما بين الخريجين الجدد. كما أن الشباب المحبط غادر أو يخطط لمغادرة البلاد بحثا عن معيشة مرضية في مكان آخر.

رويترز
ومن ناحية أخرى، أصبح الصراع الدائر أمراً مكلفاً سياسياً واقتصادياً بالنسبة لجماعات المعارضة المسلحة ومؤيديها الأجانب. وقد أطلقت الحكومة الأفغانية وحلفاؤها الدوليون، بقيادة الولايات المتحدة، جهوداً عسكرية ودبلوماسية كانت فعالة للغاية في تكثيف الضغط على جماعات المعارضة المسلحة وتهميش مؤيديها الأجانب. وكان هذا الجهد المتعدد الأوجه أمراً ضرورياً، ومثّل فرصة للأطراف المشاركة في الصراع الدائر لكي تدرك أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها من خلال العنف وحده وأن التفاوض السلمي على المطالب المشروعة هو أمر يصب في مصلحة الجميع.
بعد ما يقرب من 18 عامًا من العنف، حدث التحرك الملحوظ نحو السلام عندما وقع قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، الذي كان يمثل مجموعة بارزة في القتال ضد القوات السوفيتية، وفي وقت لاحق أثناء الحرب الأهلية، على اتفاقية سلام مع حكومة الوحدة الوطنية في أيلول/سبتمبر 2016. وبالمثل، قدّمت الحكومة الأفغانية لطالبان عرضاً تاريخياً لتحقيق السلام في مؤتمر السلام والتعاون الأمني في كابول في شباط/فبراير 2018. وقد تم تفصيل هذا العرض في وثيقة رسمية تسمى “خارطة الطريق لتحقيق السلام” وتم تقديمه للمجتمع الدولي في مؤتمر جنيف حول أفغانستان الذي عقد في الفترة من 27 إلى 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
وتمثل خارطة الطريق لتحقيق السلام هذه الرؤية الشاملة للحكومة الأفغانية وجدول أعمالها السياسي للمحادثات المحتملة بين الأطراف الأفغانية. وأعقب خطة السلام التي تبنتها الحكومة الأفغانية إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد من قِبَل الرئيس الأفغاني احتفالاً بعيد الفطر. وردت الطالبان على وقف إطلاق النار بإعلان وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام. وقد مثلت هذه الأحداث الملحوظة تنازلات تاريخية تعكس ميل طالبان غير المسبوق إلى التفاوض على تسوية سلمية للصراع الدائر.
رفضت طالبان الاجتماع مباشرة بالحكومة الأفغانية وطالبت بعملية تفاوض من خطوتين: الأولى، معالجة الجوانب الدولية لاتفاق سلام محتمل (مثل انسحاب القوات الأمريكية ومستقبل علاقتها بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود )، والثانية، إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية والجماعات السياسية بشأن الشؤون الداخلية (مثل المسائل الدستورية وتنظيم الحكومة المقبلة). ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الولايات المتحدة عملية مفاوضات دبلوماسية كاملة مع طالبان في الدوحة، قطر، بقيادة مبعوثها السابق إلى أفغانستان والعراق، زلماي خليل زاد.
اعتبارًا من ربيع عام 2019، شهدت المفاوضات بين طالبان وممثل الولايات المتحدة سبع جولات من المحادثات المكثفة، وقدأحرز بعض التقدم بناءً على ملاحظات الطرفين. وبطبيعة الحال، فإن التحدي الأكبر في مفاوضات السلام هو أن المحادثات بين الأطراف الأفغانية لم تبدأ بعد.
ولكن هذا أمر يستحق المتابعة: بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لأفغانستان، فإن التسوية السلمية للصراعات الجارية تتيح إمكانية الإسهام الإيجابي في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية لشعب أفغانستان والبلدان المحيطة بها.
كيف يمكن للسلام والمصالحة أن يحسنا اقتصاد أفغانستان وحياتها الاجتماعية آفاق النمو الاقتصادي
أدى العنف المستمر في أفغانستان إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وانعدام الثقة بين أفغانستان وباكستان. وكان لهذه الحواجز آثار ضارة على التجارة الثنائية بين أفغانستان وباكستان، وعلى التجارة الإقليمية بين جنوب ووسط آسيا.
فعلى سبيل المثال، انخفض حجم التجارة بين أفغانستان وباكستان من 1.5 مليار دولار في عام 2017 إلى 1 مليار دولار في عام 2018، كما أن حجم التجارة الحالي بين جنوب ووسط آسيا لا يكاد يُذكر. ويمكن لأفغانستان تنعم بالسلام أن تعزز احتمالات جني فوائد اقتصادية من التعاون الإقليمي عن طريق ربط الصناعات في جنوب آسيا بالمواد الخام والطاقة في آسيا الوسطى، وتيسير تصدير السلع والخدمات من جنوب آسيا إلى الأسواق في أفغانستان وبلدان آسيا الوسطى الأخرى.
بالفعل فإن لدى أفغانستان، باعتبارها جسراً برياً واسعاً بين جنوب ووسط آسيا، القدرة على التحول إلى مركز تجاري إقليمي وتحقيق مكاسب هائلة من التبادلات الاقتصادية بين المناطق والبلدان المتجاورة. وسيجد الشباب الأفغاني العاطل، والمعرض حاليا لخطر الهجرة أو التلقين العقائدي من جانب الجماعات المتطرفة وجماعة المعارضة الأفغانية، فرصاً للعمل. وستصل المنتجات الزراعية والمعادن والحرف اليدوية الأفغانية بسهولة إلى أسواق جنوب آسيا المربحة. وسيستأنف تنفيذ المشاريع الرئيسية لنقل الطاقة التي توقفت بسبب انعدام الأمن.
لم يتم القيام بمشروعي تابي وكاسا – 1000، وهما مشروعان رئيسيان لنقل الطاقة تم البدء بهما منذ سنوات عديدة، بسبب أنشطة المتمردين في أفغانستان والمناطق القبلية في باكستان. في التسعينات من القرن المنصرم، تم اطلاق مشروع خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، وهو مشروع طوله 735 1 كيلومترا، بهدف نقل احتياطيات تركمانستان من الغاز عبر أفغانستان إلى باكستان والهند. وسوف يتمتع هذا المشروع بالقدرة على توفير 32.8 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لاثنين من أضخم الاقتصاديات في جنوب آسيا ــ الهند وباكستان ــ من خلال أفغانستان.

التعليقات مغلقة.