الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير خارجية البحرين
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً ترحيباً حاراً في مؤتمر «حوار المنامة» لهذا العام، حيث نؤكد من جديد، في هذه الظروف الإقليمية والدولية الحرجة، على أهمية ومكتسبات المشاركة في حوار صادق وهادف. ونسعى بذلك إلى إيجاد حلول لجميع القضايا والتحديات التي تواجهنا، لخلق فرص للسلام الحقيقي والاستقرار والازدهار في قابل الأيام والسنين.
وتركز جلستنا على سبل التعامل مع التنافس الدائر على نطاق عالمي. إن منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط عانت من تاريخ طويل وشاق من المنافسة الدولية على الأرض والموارد والنفوذ، واستمرت على مر القرون من دول داخل الشرق الأوسط وخارجه، مستخدمة مجموعة واسعة من الاستراتيجيات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. وأدت تلك المنافسة إلى معاناة دول المنطقة وشعوبها من الصراعات المتواصلة، وعدم الاستقرار، والمعاناة الإنسانية المؤلمة، وحرمان الشعوب من الفرصة لتحقيق كل إمكاناتهم.
ولا تزال هذه المنافسة مستمرة، وأصبحت أشد تعقيداً وأكثر ديناميكية وأشد اتساعاً، وربما يكون ذلك متأصلاً في النفس البشرية، فيكون التنافس مع الآخر غريزة أساسية.
ويكمن السؤال هنا في كيفية استغلال هذه المنافسة لإذكاء جذوة الإبداع والنمو والتقدم. فكيف يمكننا ضمان ألا نتخلف عن الركب وألا نترك الآخرين يتخلفوا عن الركب؟ وكيف يمكننا تحقيق التوازن بين مصالحنا الوطنية ومسؤولياتنا العالمية؟ وكيف يمكننا تبني عالم أكثر شمولية ومرونة وسلام؟
وفي السياق الدولي الأوسع، علينا أيضاً أن نتساءل كيف يمكننا، دولاً ومجتمعات، توجيه المنافسة بين الجهات الإقليمية والعالمية نحو التعاون بدلاً من الصراع.
فمن الأهمية أن ندرك القيمة والإمكانات الجبارة التي تكمن في تعزيز التعاون والتآزر بدلاً من أن نديم دوامة العداوة التي تقضي على الأخضر واليابس.
وأعتقد أن هذا الهدف لا يتحقق إلا بشرطين أساسيين: أولاً نحتاج إلى إطار من المبادئ والقيم المشتركة التي يمكن أن توجه تصرفات جميع الأطراف المعنية، ومملكة البحرين تؤمن دوماً بأهمية الاحترام المتبادل والحوار والتسامح، فلا غنى لنا عن هذه القيم في إدارة المنافسة العالمية وخلق السلام والاستقرار والازدهار، ليس في المنطقة فحسب، بل خارجها أيضاً. ولا تساعدنا في الحفاظ على علاقات وطيدة مع جيراننا وشركائنا فحسب، بل وتساعدنا على تشكيل مشاركتنا البناءة مع المجتمع الدولي الأوسع.
واستناداً إلى هذه القيم الأساسية، فإننا نرسي مبادئ مثل احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتعتبر هذه القيم والمبادئ بوصلة للدول، ترشدنا وسط مشهد منافسة عالمية دائم التغير.
وتعتبر منهاجاً ثابتاً في أوقات التغير غير المسبوق في ظل ظهور جهات وتحالفات وديناميكيات جديدة كل يوم، وتساعدنا على التغلب على التحديات وإيجاد أرضية مشتركة وسط صعود الاقتصاديات الناشئة وسرعة انتشار التقنيات الرقمية، وتحديات العولمة وصلابة العرض.
وإذا تمكنا من الاهتمام بهذه القيم والمبادئ والدفاع عنها على نطاق عالمي، بإظهار أهميتها لجميع الدول والمجتمعات والشعوب، أعتقد أننا قادرون على إعادة توجيه المنافسة في اتجاه إيجابي في منطقتنا وخارجها. سوف نظهر أن العلاقات الدولية ليست من الأمور التي لا يُرجى نفعها، وإنما فرصة للتعاون والتآزر الذي يؤدي إلى منافع متبادلة وحلول مشتركة.
التعليقات مغلقة.