تلافي الدمار
مسؤولو الأمن بالشرق الأوسط يستوعبون دروساً في كشف وردع ثم دحر التهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية
أسرة يونيباث
من بين مختلف الأعمال الوحشية التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق كان ابرزها قصف الإرهابيون بلدة تازة بالقرب من كركوك في عام 2016 باستخدام قذائف مدفعية وصواريخ بدائية الصنع محملة بغاز الخردل والكلور. وراح ضحية هذه الأسلحة المحظورة 1,800 بين جريح وقتيل وسط سكان تازة البالغ عددهم 45,000 نسمة، وعانى الكثير منهم من تقرحات في الجلد والرئتين.
كما حاول هؤلاء الإرهابيون استخدام قنابل إشعاعية قذرة من المواد النووية المسروقة من المستشفيات ومختبرات الأبحاث؛ وهكذا دقَّ عبث داعش بأسلحة الدمار الشامل ناقوس الخطر لمسؤولي الأمن في الشرق الأوسط لتحذيرهم من التهديد الأكبر للمنطقة.
حضر نخبة من ضباط الجيش وحرس الحدود وقيادات الشرطة والعلماء والإداريين المكلفين بمكافحة أسلحة الدمار الشامل فعاليات التدريب خلال «الندوة الإقليمية الرابعة لمكافحة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي».
وجرت فعاليات تلك الندوة في مدينة غارمش بارتنكيرشن بألمانيا في تموز/يوليو 2022، وتضمنت محاضرات وتدريب مكتبي بقيادة خبراء أسلحة الدمار الشامل. وحضرها نحو 75 مشاركاً من 11 دولة من دول الشرق الأوسط تشمل: البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وسلطة عُمان وقطر والسعودية والإمارات واليمن.
وحرصت الندوة على رفع كفاءة تلك البلدان على مكافحة أسلحة الدمار الشامل من خلال تعزيز أمن الحدود، وتقييم المخاطر بناءً على المعلومات الاستخبارية، وتحسين الإجراءات القانونية والبيروقراطية لتبسيط الاستجابة الوطنية لمثل هذه التهديدات.
كان الهدف المعلن للحاضرين يتمثل في منع أي هجوم بالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية أو النووية. أو كما قال أحد كبار الضباط العراقيين حين تحدث عن تبعات هجمات داعش بغاز الخردل:
“لا أريد أن أصل إلى مرحلة الاستجابة، بل أريد أن أمنع الهجمات.”
الخطر المحدق
ومع ذلك، فإنَّ الكثير من دول العالم غير مستعدة لكشف التهديدات الناجمة عن أسلحة الدمار الشامل وتجنبها، ولا تستطيع أي دولة بمفردها تعبئة كافة الموارد اللازمة للتصدي لأسلحة يمكن إنتاجها في بعض الحالات في المرائب والحمامات باستخدام كتيبات إرشادية متوفرة على الإنترنت. وجوانب القصور في هذا كثيرة ومن أمثلتها:
ما تزال الحدود البرية والبحرية الدولية مليئة بالثغرات الأمنية وعرضة للتهريب.
يصعب اكتشاف أنواع اليورانيوم المستخدمة في العبوات الناسفة بأجهزة استشعار الإشعاع. وتحدث معظم عمليات الاعتراض بفضل ذكاء وبديهة حرس الحدود ومفتشي الجمارك.
سلطت جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) الضوء على فشل اللوائح الصحية الدولية على التصدي لنشر مسببات الأمراض الخطيرة وانتشارها.
غياب اللوائح التي تنظم العوامل البيولوجية والكيميائية ثنائية الاستخدام؛ أي التي لها استخدامات سلمية وغير سلمية. وما يقرب من 95% من دول العالم ليس لديها قوانين تمنع استخدامها لأغراض هدامة.
تتميز تهديدات أسلحة الدمار الشامل بتطورها وتأقلمها بسرعة تفوق قدرة المؤسسات الحكومية على مواكبتها.
ما يزال الحظ يحالف عالمنا حتى هذه اللحظة، إذ لم تفلح محاولات الهجمات الإشعاعية قط، ومنها نجاح داعش في الاستيلاء على عينات إشعاعية من المستشفيات ومختبرات الأبحاث خلال احتلال الموصل. كان إطلاق غاز السارين المستخدم كسلاح داخل مترو أنفاق في اليابان ورسائل البريد الملوثة بالجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة من أبشع الهجمات الإرهابية بأسلحة الدمار الشامل غير العسكرية.
إلا أنَّ ظهور جماعات إرهابية جيدة التمويل – بعضها برعاية بعض الدول – والاستعانة بأجهزة توصيل رخيصة ومتاحة للجميع كالطائرات المسيَّرة زاد من شعور مسؤولي الأمن بضرورة التدخل العاجل. ومما يزيد القلق أنَّ أنظمة مثل كوريا الشمالية تبث مقاطع فيديو توحي بأن الاسلحة النووية احدى الادوات المشروعة للإكراه الذي تمارسه الدولة.
بالنسبة لمجرم يحاول تهريب مادة كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية عبر الحدود، فإنَّ المكاسب كثيراً ما تفوق المخاطر. يتذكر لواء لبناني كيف أنَّ تجار مخدرات أخفوا كمية من المخدرات في شكل شحنة رمان معبأة في أقفاص. وقال محذراً: “إذا كان يمكنك تهريب المخدرات في الرمان، فيمكنك تهريب أي شيء.”
الاحتواء عبر التعاون
سلط المحاضرون في ندوة مكافحة أسلحة الدمار الشامل الضوء على نهج ثلاثي المستويات للتصدي للتهديد الناجم عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية: الوقاية والحماية والاستجابة. استحوذ مستوى الوقاية – بما يشمل النهوض بأمن الحدود – على قدر كبير من تركيز المؤتمر.
وحثوا البلدان على إجراء تقييمات للتهديدات والمخاطر لكل فئة من فئات أسلحة الدمار الشامل: أيمتلك المجرمون والإرهابيون وسائل الحصول على مثل هذه المواد الخطرة؟ أيمتلكون الخبرة الفنية لتحويلها إلى سلاح؟ وهل يتوافق استخدام مثل هذه الأسلحة مع أيديولوجياتهم ونواياهم؟ تم مناقشة هذه المحاور.
ودعا خبير أردني متخصص في الأسلحة البيولوجية باستخدام مجموعة من ضوابط التصدير والترخيص والدبلوماسية والاعتراض للحيلولة دون وقوع أسلحة الدمار الشامل في الأيادي الخاطئة. ولكن حتى إذا وافقت الحكومات على تشريعات لتقييد الانتشار العشوائي للعوامل البيولوجية، فيجب أن تمتلك الجهات الوطنية السلطة القانونية لفرض مثل هذه الضوابط.
وعلى صعيد الأسلحة الكيميائية، شرعت نقابة صيادلة العراق في مهمة لترخيص أعضائها وبناء قواعد بيانات للمواد الكيميائية الخطرة وتتبع استهلاكها. ونوَّه العراقيون إلى أنَّ 23 معبراً حدودياً في البلاد تفاقم مشكلة تتبع حركة المواد الخطرة عبر الحدود الدولية.
وتواجه القوات المسلحة اللبنانية مشكلة مماثلة، إذ تولت المسؤولية الشرطية على الحدود الشرقية والشمالية المضطربة للبنان مع سوريا. ولدى الدولة أيضاً تسع محطات مراقبة ساحلية.
وحرصاً على إعداد رجال القوات المسلحة لتلك المهمة، افتتح لبنان مدرسة تدريب أفواج الحدود البرية بدعم مالي من هولندا. واستفادت القوات المسلحة اللبنانية من برامج تدريب جديدة وتكنولوجيا متطورة على حدود الدولة بمساعدة برنامج منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التابع لوكالة الدفاع الأمريكية المعنية بخفض التهديدات.
كما قام عنصران من الجيش الأمريكي بعمل مهم في مساعدة شركائنا في الشرق الأوسط على الارتقاء بمستواهم في مكافحة تهديد أسلحة الدمار الشامل.
وتُجري فرقة مكافحة أسلحة الدمار الشامل بمديرية الاستراتيجية والسياسة والخطط التابعة للقيادة المركزية الأمريكية عشرات الدورات التدريبية سنوياً لدعم شركائنا في ربوع المنطقة وتستعين بمجموعة من المؤسسات العسكرية والمدنية لمساعدتها في هذه الجهود، ومن أبرزها المدرسة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية التابعة للجيش الأمريكي. واستفاد ضباط وضباط صف دوليون من تدريب ميداني واستمروا في خدمة أوطانهم ببسالة.
يرى السيد سكوت كيميل، وهو عقيد متقاعد بالجيش الأمريكي وضابط متخصص في الأسلحة الكيميائية يشغل الآن منصب نائب آمر المدرسة، أنَّ الاستعداد خير وسيلة ردع في كثير من الأحيان؛ ولذلك يركز هو وزملاؤه على التكنولوجيا والرقمنة لتسريع عملية تحليل المواد المشبوهة. ويمكن أن تتجنب القوات سموم تلك الأسلحة عند استخدام الروبوتات للاستجابة الأولى.
وقال للحاضرين في الندوة: “يجب أن نقي كوادرنا من المخاطر.”
التدريب في الندوة
وفي سبيل اختبار المفاهيم التي تجلت في الندوة، انقسم المشاركون إلى ثماني مجموعات، ركزت كلٌ منها على تهديد معين لأسلحة الدمار الشامل. أجبر التمرين هذه الفرق متعددة الجنسيات على التنسيق على المستوى الإقليمي في مواجهة المخاطر الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية المحتملة.
وكان السياق العام عبارة عن ثلاثة بلدان وهمية تشبه الشرق الأوسط من حيث تضاريسها وسواحلها. وبدأ سيناريو التدريب على إثر تحرك شحنة سرية من المواد الخطرة من كوريا الشمالية. ولدرء الكارثة، أجرت الفرق متعددة الجنسيات مجموعة من المهام تضمنت تعبئة القوات، ونشر فرق مكافحة المواد الخطرة، وتنبيه المنظمات الدولية، وإصدار أوامر الاعتراض البحري، وتنسيق حملات توعية المواطنين.
واجتمع على طاولة اجتماعات كبيرة لواء لبناني مسؤول عن أمن الحدود، وأحد كبار قادة الجيش السعودي، وعقيد مصري، وخبير عسكري أردني في مجال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية؛ كانوا يعملون معاً على تجهيز الرد المناسب. وكان يحيط بهم لواء قطري وآمر سرية عُمانية وعالم عراقي متخصص في مكافحة انتشار الأسلحة الكيميائية.
وعلى الرغم من تباين العقيدة العسكرية والتنظيم الحكومي والأنظمة القانونية في أوطانهم، أنجزت فرق العمل مهامها بمستوىً أشاد به القائمون على تنظيم المؤتمر.
فقال السيد جون دروشال، وهو عقيد متقاعد بالجيش الأمريكي وضابط متخصص في الأسلحة الكيميائية يتولى الآن قيادة فرع قدرات البلدان الشريكة بالقيادة المركزية الأمريكية: “من المشجع أن نرى كل هذه البلدان تجتمع معاً، وتستفيد من الخبرة الفنية لبعضها البعض، ثم تضع خطة.”
الرعب في أنبوب اختبار
الأسلحة البيولوجية المحتملة
- زيادة العوامل البيولوجية أو السموم
- تحطيم المناعة أو فعالية التطعيم
- زيادة قدرة العوامل البيولوجية على المقاومة لتجنب اكتشافها والوقاية منها
- زيادة استقرار أو قابلية انتقال العوامل البيولوجية
- تغيير الصفات الوراثية للعوامل البيولوجية لتوسيع أنواع الحاضن (تعديل فيروس النبات لإصابة الحيوان وهكذا)
- زيادة تعرض الحاضن لخطر الأمراض
- توليد عوامل بيولوجية جديدة أو إعادة إنتاج ميكروبات منقرضة
المصدر: فيفيان سميث، كلية بلومبيرج للصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز
موارد مفيدة
فرع قدرات البلدان الشريكة التابع للقيادة المركزية الأمريكية: يعمل في إطار مديرية الاستراتيجية والسياسة والخطط التابعة للقيادة المركزية الأمريكية، وغايته مساعدة البلدان الشريكة على التصدي لأسلحة الدمار الشامل.
المدرسة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية التابعة للجيش الأمريكي: يوجد مقرها في قاعدة «فورت ليونارد وود» في ولاية ميزوري بالولايات المتحدة، وتدعو الجنود من شتى بقاع العالم لحضور دورات في مكافحة المخاطر الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
وكالة الدفاع الأمريكية المعنية بخفض التهديدات: يرعى برنامج منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التابع للوكالة برامج تركز على أمن الحدود واكتشاف أسلحة الدمار الشامل لوقف انتشار هذه الأسلحة الخطيرة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: تعمل هذه الوكالة التي يوجد مقرها في فيينا مع الدول لتعزيز الاستخدام الآمن والسلمي للتكنولوجيا النووية، ويقدم مركز الحوادث والطوارئ بها فريقاً من الخبراء للتعامل مع حالات الطوارئ النووية المحتملة.
الإنتربول: يوجد مقر هيئة الشرطة الدولية هذه في مدينة ليون بفرنسا ولديها قاعدة بيانات عالمية ضخمة للمجرمين المعروفين وجرائمهم.
التعليقات مغلقة.