تطرف المرأة الطاجيكية: مشكلات 9حلول
ديلنوزا منصوروفا، أكاديمية طاجيكستان الوطنية للعلوم
ما يزال التشدد والتطرف والإرهاب من المشكلات التي تواجه العالم أجمع، وبات التصدِّي لها من الأمور ذات الأهمية الوطنية لبلدان عدة، كجمهورية طاجيكستان. وإذ أولت البلدان الأولوية لجائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) على مدار العام المنصرم، فقد تراجع اهتمامها بأنشطة الإرهابيين، واستغل عناصر التنظيمات الإرهابية هذا الوضع؛ فعلى إثر إغلاق الحدود وتقييد الانتقال من دولة لأخرى، غيَّرت التنظيمات الإرهابية تكتيكاتها، وآثرت الشبكات الافتراضية على الإنترنت لتجنيد مؤيديها وتدريبهم. وكشفت جائحة كورونا عن جملة من المشكلات الحادة، ومنها خطر الأشكال الجديدة من الإرهاب، فضلاً عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن يترتب عليها تشدد اليائسين، لا سيما الشباب، وجنوحهم إلى التطرف.
وقد لاحظت أجهزة إنفاذ القانون الطاجيكية خلال السنوات الأخيرة أنَّ ظاهرة التطرف في تزايد، إلى جانب تزايد مشاركة المرأة فيها، وهذا يشكل تهديداً لأمن طاجيكستان واستقرارها، فضلاً عن خطر تقويض التقدم الذي أحرزته في سبيل إرساء دعائم السلام في جنباتها بعدما وضعت الحرب الأهلية أوزارها منذ ربع قرن.
مع تحرير مناطق رئيسية من سيطرة داعش في سوريا والعراق، ينصرف تركيز طائفة من الجماعات المتطرفة إلى أفغانستان، وقد تؤثر هذه العملية مع استمرارها على الوضع السياسي العسكري في طاجيكستان، إذ تشترك في حدود طويلة مع أفغانستان. أصدرت لجنة الدولة للأمن القومي في جمهورية طاجيكستان معلومات تشير إلى أنَّ بعض الدوائر المهتمة في بعض البلدان تستغل الوضع لأغراضها الأنانية، إذ تعمل على نقل المقاتلين الطاجيك من العراق وسوريا وبلدان أخرى إلى المناطق الحدودية لأفغانستان، لإنشاء قواعد جديدة لها، ويخضع المقاتلون بمساعدة رعاة أجانب لتدريب فكري وعسكري، ثمَّ يُنقلون إلى طاجيكستان لارتكاب أعمال تخريب وإرهاب.
وثمة مشكلة أخرى تتمثل في وجود، إلى جانب المقاتلين الأفراد، عدد كبير من العائلات في سوريا والعراق وأفغانستان، ويُنظر إلى المرأة بعد وفاة رب الأسرة على أنها من الأشياء التي يمكن امتلاكها، وتستغل الجماعات الإرهابية الأطفال لغسل أدمغتهم. ويبدو أنَّ داعش يدرِّب عناصره على تنفيذ عمليات إرهابية في بلدانهم الأصلية، ويكثر استغلاله الآن لهؤلاء الأرامل لتنفيذ عمليات انتحارية. وإذا كانت المرأة تعتبر في السابق مجرد رفيقة سفر أو زوجة لمقاتلي داعش الأجانب، واقتصرت واجباتها على الاهتمام بزوجها وتربية أطفالهما، فإذا بها تضطلع بدور أبرز الآن.
نطاق المشكلة
تعد طاجيكستان واحدة من أبرز البلدان التي تشهد مثل هذه الأعمال الإرهابية، ويرجع ذلك إلى ضعف مستوى تأمين حدودها مع أفغانستان التي يبلغ طولها 1,344 كيلومتراً في عدة أماكن بسبب التضاريس الجبلية. وقد راح داعش يستخدم المرأة في ارتكاب أعمال متطرفة وإرهابية، بسبب قلة مبالاة المجتمع وأجهزة إنفاذ القانون بها في هذا الصدد.
وهكذا تكثر أعمال العنف التي تقوم بها عناصر التنظيمات الإرهابية من المواطنين الطاجيك: الهجوم الدموي على نقطة «إيشكوبود» الواقعة على الحدود الطاجيكية الأوزبكية يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهجوم إرهابي على سياح غربيين في جولة بالدرَّاجات الهوائية في طاجيكستان في عام 2018، ومحاولة تمرد عسكري في أيلول/سبتمبر 2015، ومحاولة الإغارة على مكاتب أجهزة إنفاذ القانون في نفس العام.
وفي حين أنَّ الهجمات الإرهابية التي استهدفت الدرَّاجين الأجانب في منطقة دانغارا ومحاولة التمرد العسكري ارتكبها في الغالب رجال، فإنَّ واقعة نقطة «إيشكوبود» الحدودية شارك فيها نساء وأطفال طاجيك، إذ أكَّد السيد يوسف رحمن، المدَّعي العام بطاجيكستان، في تقرير نهائي صدر في آذار/مارس 2020، وجود ثماني نساء وأربعة قاصرين بين المهاجمين على النقطة، وأفادت وسائل إعلام أنَّ النساء كنَّ يعيشن في مدينة استرافشان بمنطقة صغد، وتدرَّبن عدة أشهر على تنفيذ الهجمات الانتحارية في معسكرات داعش بأفغانستان.
وذكر السيد منصورجون عمروف، نائب رئيس لجنة الدولة للأمن القومي بطاجيكستان، في اجتماع لمجلس النوَّاب الطاجيكي يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أنَّ 1,899 مواطناً طاجيكياً شاركوا في القتال في سوريا والعراق في صفوف داعش.
وجاء في تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2017 بعنوان: «النساء والتطرف العنيف في طاجيكستان»، أنَّ أعداد النساء تراوحت من 100 إلى 150 من هؤلاء المغتربين الذين انضموا إلى صفوف داعش. وفي حالات عدة، في منطقتي صغد وخاتلون، غادرت أسر بأكملها الدولة، إذ كشفت وزارة الداخلية في عام 2015 عن وجود 154 أسرة طاجيكية في صفوف داعش، تضم 95 فتىً و67 فتاة، وذكرت وزارة الداخلية أنَّ 30 امرأة من منطقة خاتلون رحلن إلى سوريا ومعهن 17 طفلاً، وغادرت 80 امرأة و32 فتاة أخرى منطقة صغد.
وقد غادرت معظم هؤلاء النساء إلى سوريا والعراق بناءً على إصرار أزواجهن، وفي بعض الحالات، أخبر الأزواج زوجاتهم أنهم ذاهبون إلى تركيا أو روسيا للعمل، ولم تدرك الزوجات إلَّا فور وصولهن أنهن وصلن إلى إحدى مناطق القتال، وكان يُنظر إلى معظم هؤلاء النساء على أنهن رفيقات سفر لأزواجهن لتلبية احتياجاتهم واحتياجات أبنائهم.
كما كشفت أجهزة الشرطة عن حالات لانضمام طاجيكيات بشكل طوعي ومستقل إلى الجماعات المتطرفة تحت تأثير مسؤولي التجنيد الذين وعدوهن بمكافآت روحية أو مالية. وفي واحدة من تلك الحالات، سافرت امرأة طاجيكية تبلغ من العمر 34 عاماً من العاصمة دوشنبه إلى سوريا وعادت إلى طاجيكستان لتجنيد نساء أخريات قبل نجاح أجهزة إنفاذ القانون في اعتقالها في شباط/فبراير 2016، وحُكم على شابة في صغد تبلغ من العمر 28 عاماً كانت راقصة في ملهىً ليلي في سابق الأيام بالسجن لمدة 12 سنة بتهمة التخطيط للمشاركة في الصراع المسلح في سوريا مع زوجها العرفي.
وفي قضية أخرى، حُكم على سيدة تبلغ من العمر 60 عاماً من أهالي بلدة قبادیان بمنطقة خاتلون، مع زوجتي ابنيها وامرأة أخرى من صغد، بالسجن لمدة خمس سنوات على الأقل بتهمة التطرف. ونشرت وزارة الداخلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 قائمة بأسماء وصور المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق المطلوبين، بينهم خمس نساء، أربع منهن وُلدن في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وكانت هؤلاء النساء مؤهلات للعمل وحاصلات على تعليم عالٍ أو لم يكملن مرحلة التعليم العالي، وقد انجذب بعضهن إلى فكرة الزواج من متشددين.
وكانت إحدى هؤلاء النساء مواطنة من أصل طاجيكي عاشت في روسيا لبعض الوقت، والثانية كانت امرأة من أصل أوزبكي تجندت على الأرجح من خلال أوزبكستان، وذهبت ثالثة إلى روسيا، ثمَّ إلى باكستان للدراسة، وانتهى بها المطاف في سوريا، حيث ورد أنها تزوجت من قيادي داعشي. وسافرت سيدة في منتصف العمر من إحدى المناطق الواقعة جنوبي طاجيكستان، وكانت متزوجة من تاجر ولديها ثلاثة أطفال، إلى موسكو حيث تجندت من خلال موقع «أدنوكلاسنيكي»، وهو عبارة عن شبكة اجتماعية لزملاء الدراسة القدامى، وسافرت إلى سوريا. واتصلت في النهاية بزوجها للاستنجاد به، خشية أن يجبرها داعش على أن تصبح انتحارية، لكنها لم تعاود الاتصال به بعد ذلك. وتشير الأبحاث إلى أنَّ هؤلاء النساء خُدعن بصور “المتشددين” ذوي الرجولة المفرطة الذين يقاتلون من أجل نقاء الأخلاق والوحدة والمساواة الاجتماعية والعدالة التي يبثها داعش على المواقع الإلكترونية، وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أحد الدوافع الأخرى الممكنة يتمثل في الرغبة في جني المال “بسهولة ويسر.”
وتفيد السلطات أنَّ مشاركة المرأة في أعمال التطرف ترجع بالدرجة الأولى إلى دورها السلبي في الأسرة والعرف السائد الذي يلزمها باتباع زوجها، ومن المفاهيم الراسخة في أذهان المجتمع أنَّ المرأة لا تشكل تهديداً لأمن وطنها؛ بسبب سلبية مشاركتها وأنها كانت ضحية تتبع زوجها أو أفراد أسرتها دون قيد أو شرط إلى بلدان الشرق الأوسط.
ولكن لا مندوحة عن إجراء أبحاث أخرى قبل أن نخرج باستنتاجات حول دوافع المرأة للمشاركة في التطرف، فقد نستفيد من إجراء مقابلات في السجن مع المتعاطفات مع الإرهابيين، لكن أجهزة إنفاذ القانون تشترط موافقات كثيرة للقاء هؤلاء السجينات، ومن الممكن بكل تأكيد أن تكون الداعشيات الطاجيكيات قد ارتكبن جرائمهن جرَّاء تعرضهن لضغط اقتصادي أو التزامهن بأدوار الأسرة التقليدية المتوقعة من المرأة الطاجيكية.
البحث عن حلول
ما يزال التطرف والتشدد يعتبران في الغالب مشكلة قاصرة على الرجل، وهكذا نجد المواقف تجاه تطرف المرأة لأغراض إرهابية تحفل بالتحيز والمفاهيم الخاطئة، وكثيراً ما تُعرض المرأة في حالات الصراع والعنف على أنها شخصية سلبية وضحية عاجزة تسير خلف غريزة الأمومة. وتعكس هذه المعتقدات الصور النمطية للمرأة المنتشرة في المجتمع وتعززها نوعاً ما، ويترتب على ذلك ألَّا يُنظر إلى المرأة على أنها من الممكن أن تغدو إرهابية، ولا على أنها شخصية لا تقل في خطورتها وضعفها حين تنخرط في أنشطة إرهابية.
ونعتقد أنَّ الفروق بين الرجل والمرأة لا ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار عند مكافحة الإرهاب، وأنَّ المرأة ليست أكثر أو أقل خطورة من الرجل، وأنها لا تميل أكثر أو أقل من الرجل إلى السلام والحوار. والواقع أنَّ الجماعات الإرهابية استغلت صورة المرأة المسالمة لاستقطاب النساء المؤيدات لها وترويج أكذوبة قيامهن بأعمال بريئة وبعيدة عن العنف.
وحتى يتسنى للمرأة مقاومة الضغط الذي تتعرَّض له من مسؤولي التجنيد في صفوف الجماعات الإرهابية، علينا أن نرفع مستوى وعيها بخطر التطرف والتشدد، ومن الأهمية بمكان مناقشة تهديدات تطرف المرأة، واستخدامها لأغراض إرهابية، والاستراتيجيات التي يستخدمها الإرهابيون لاستقطاب النساء والفتيات. وتتمثل القضية المحورية في زيادة التعاطف وسط الآباء والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين ومسؤولي إنفاذ القانون والصحفيين والقضاة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج التثقيف والتدريب القصيرة. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تحجم وسائل الإعلام عن نشر الصور النمطية والتحيزات السائدة حول أدوار المرأة وسلوكياتها.
وينبغي للمرأة هي الأخرى أن تلعب دوراً أكبر في مكافحة الإرهاب، فإشراك المرأة باعتبارها واضعة سياسات ومعلمة وعضوة في المجتمع وناشطة أمر حيوي لتحليل الظروف التي تؤدي إلى الإرهاب ولمنع التطرف والإرهاب، وبوسع المرأة المؤهلة والمدرَّبة إبداء آراء شديدة الأهمية لجهود المجتمع الدولي المستمرة لمكافحة الإرهاب وبوسعها تنبيهنا حين تؤدي السياسات والممارسات الوقائية إلى نتائج عكسية في مجتمعها. ولا بد من معالجة العوامل التي تعيق مشاركة المرأة بفعالية في مكافحة الإرهاب وذلك لتشجيع المنظمات النسائية على تشخيص قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتعليمية معينة قد تؤدي إلى التطرف وإيجاد حلول لها. وتُعرف المرأة ببراعتها في طرح المبادرات والخروج بأفكار لمجابهة التطرف العنيف والدعاية الإرهابية، ويمكنها التفوق في العمل مع النساء، كما أنَّ الاهتمام بحقوق المرأة ودورها في منع الصراعات وحلها وصنع السلام خير مثال على مشاركة المرأة في قطاع الأمن.
يؤكد قرار مجلس الأمن الدولي رقم «1325» بشأن المرأة والسلام والأمن على أهمية المرأة ومشاركتها على قدم المساواة مع الرجل وانخراطها الكامل في الحفاظ على السلام والأمن الدائمين، ويدعو البلدان إلى زيادة تمثيل المرأة في كافة مستويات اتخاذ القرار لمنع الصراعات وإدارتها وحلها، ويعد هذا القرار والدروس العملية المستفادة منه مصدر إلهام لدعم وإطلاق مبادرات جديدة حول دور المرأة في مكافحة التطرف والإرهاب.
كما تحتل قضايا الرجل والمرأة مكاناً في الاستراتيجية الوطنية لجمهورية طاجيكستان لمكافحة التطرف والإرهاب للفترة من 2016 وحتى 2020، التي وقَّع عليها الرئيس إمام علي رحمن في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، فمن أهدافها زيادة النشاط الاجتماعي للمرأة ودورها في الحياة العامة، ورفع مستوى الوعي السياسي والديني والثقافي والقانوني للمرأة والحيلولة دون انخراطها في الأنشطة المتطرفة، والحرص على توسيع مشاركة المرأة في منع التشدد والتطرف والإرهاب.
ويؤكد رئيس طاجيكستان باستمرار على أهمية المرأة في الأسرة والمجتمع، وعيَّن شخصيات نسائية في عدد من المناصب الحكومية رفيعة المستوى، وما هذا إلَّا سبيل من السبل التي تهدف قيادة الدولة من خلالها إلى حل المشكلات المتعلقة بعدم المساواة بين الرجل والمرأة.
التعليقات مغلقة.