تأمين مخيمات اللاجئين السوريين
الأردن يركز على التدريب الفكري لتشخيص الفكر المتطرف قبل أن يصبح هدَّاماً
مديرية الأمن العام الأردنية
سبَّب اجتياح عصابات داعش الإرهابية نزوحاً كبيراً للمدنيين الهاربين من مناطق القتال بحثاً عن مأوىً آمن. ولأنَّ المملكة الأردنية تنعم بالأمن والاستقرار في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، فقد أصبحت الوجهة المفضلة لتدفق بشري هائل من اللاجئين الباحثين عن الأمان من دول الجوار، في ظروف إنسانية عصيبة توجب معها التنبه لإمكانية مرور أشخاص يحملون أفكاراً وثقافات مختلفة قد يكون الفكر الإرهابي من بينها.
بذلت المملكة الأردنية الهاشمية جهوداً حثيثة ضمن الشراكة الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب. وعلى الصعيد المحلي، فقد نجحت الدولة الأردنية في منع تسلل الفكر الإرهابي وتجفيف منابعه خاصة القادمة من دول مجاورة تزايد النشاط الإرهابي على أراضيها تحت تأثير الصراعات المحلية.
شهدت مخيمات اللاجئين في دول الجوار أنشطة إرهابية متعددة؛ إذ أصبحت بؤرة لتجنيد الأطفال والنساء والتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية داخل وخارج المخيمات. واستغل الإرهابيون الفساد الإداري والثقافة الدينية المحدودة لدى العاملين على إدارة المخيمات للتغرير والتجنيد. فتارة يستخدمون الرشوة لإدخال الأسلحة والممنوعات للمخيمات، وتارة أخرى يستخدمون التفسيرات المفبركة للنصوص الدينية لخداع الشباب وبعض منتسبي أمن المخيمات.
ولذلك اتخذت المملكة الأردنية خطوات أمنية للتأكد من هوية اللاجئين ومراقبة الأنشطة المريبة داخل المخيمات وتحصين جميع منتسبي الدولة العاملين في تلك المخيمات. كما سعى الأردن بالتعاون مع جميع المؤسسات والمنظمات الدولية الشريكة لخلق بيئة فكرية آمنة في مخيمات اللجوء الإنساني على الأراضي الأردنية، انطلاقاً من كونها جزءاً من المجتمعات المحلية المتواجدة على التراب الأردني، واستمراراً للدور الأردني في التصدِّي لشرور الإرهاب أينما كان.
ومن أهم الخطوات في هذا الصدد هو تسليم الملف الأمني لمخيمات اللاجئين لمديرية الأمن العام، وهي واحدة من أهم المؤسسات الأردنية التي قدمت شهداءً وتضحيات على مدار سنوات مضت في مواجهة الجماعات المتطرفة، وهي مؤسسة أمنية أردنية عريقة وفاعلة على المستوى الدولي، إذ امتدت مشاركات الأمن العام في قوات حفظ السلام على مدار ما يقارب 30 عاماً؛ فكانت من بين أكثر الأجهزة الأمنية مساهمة في قوات حفظ السلام الدولية ذات الطابع الأمني.
تمكنت مديرية الأمن العام الأردنية بفضل الخبرات التراكمية من امتلاك القدرة اللازمة لإدارة مخيمات اللاجئين عن طريق «مديرية شؤون اللاجئين» التابعة لوزارة الداخلية، والعاملين بها من ضباط وأفراد مديرية الأمن العام، ومهمتها توفير البيئة الآمنة، وتنظيم الحياة اليومية، وتكثيف جهود التعاون مع المنظمات والهيئات الدولية لرعاية اللاجئين والوصول بهم للحياة المستقرة والكريمة في مخيمات اللجوء المنتشرة شرقي المملكة وشمالها، ويقيم على أراضيها حتى عام 2021 ما يزيد على 128,000 لاجئ، وقد مرَّ على وجودهم سنوات في الأراضي الأردنية.
اعتمدت مديرية الأمن العام خطة أمنية فكرية سعت من خلالها إلى مكافحة الفكر المتطرف، فاعتمدت على عنصر الوقاية والتحصين الفكري لعناصرها وللاجئين المتواجدين في هذه المخيمات، من خلال وحدات متخصصة ومساندة لإدارة شؤون اللاجئين، ومن بينها إدارة الإفتاء والإرشاد الديني ومركز السلم المجتمعي.
بيَّن العقيد سامر الهواملة، مدير إدارة الإفتاء والإرشاد الديني بمديرية الأمن العام، أنَّ إدارته ساندت عمل الأمن العام في مخيمات اللجوء بحكم دورها الوظيفي، من خلال منهجية علمية بُنيت على ترسيخ الصورة الحقيقية للإسلام انطلاقاً من «رسالة عمَّان» التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين؛ وتحمل في مضامينها الفهم العميق لأصل العلاقة بين الناس في الإسلام والقائمة على السلام والتسامح والاعتدال.
واستوعبت هذه المنهجية الخطة الوطنية الأردنية لمواجهة التطرف الفكري لعام 2014؛ وتقوم هذه الخطة على سياسة متوازنة بين الحريات العامة والمحافظة على الأمن وسيادة القانون.
وقد عملت إدارة الإفتاء على محورين رئيسيين؛ أولهما المستوى العلمي لدى العاملين في إدارة الإفتاء، لتعزيز المعرفة والقدرات لدى الأئمة والواعظين التابعين لها في الأمن العام بشكل عام، والعاملين في إدارة شؤون اللاجئين بشكل خاص، لما يمثلونه من ركائز هامة في عملية البناء الفكري لمنتسبي الأمن العام.
وتنطوي هذه العملية على تعزيز فهمهم الصحيح للنصوص الشرعية والدينية، ولتعريفهم بمختلف أنواع وأشكال التطرف لكي يتمكنوا من نقلها في عملهم اليومي وتماسهم مع اللاجئين بمختلف شرائحهم وثقافاتهم، ولكي يستطيعوا تمييز أصحاب الفكر المتطرف داخل المخيمات وتحصين فئة الشباب من براثن الفكر المتطرف.
واتبعت إدارة الإفتاء في سبيل ذلك عدداً من الإجراءات من أهمها إعداد المناهج الخاصة بتأهيل وتدريب الأئمة والواعظين، كما شجعت إدارة الإفتاء الأئمة والواعظين على الكتابة والتأليف في مجال مكافحة الفكر المتطرف، لبيان التعاليم الحقيقية للدين الحنيف، وتشخيص التعاليم الدخيلة التي حاول دعاة الإرهاب ترويجها للوصول إلى أهدافهم الخبيثة. وهذا جعل من منتسبي إدارة الإفتاء الخط الأول في مواجهة الفكر المتطرف في بيئة تضم أطياف متعددة من اللاجئين الذين تعرَّضوا للعنف وشهدوا مشاهد فظيعة لقطع الرؤوس وتفجير البيوت الآمنة.
وربما تعرَّض اللاجئون لغسيل الأدمغة نتيجة للدعاية التي يبثها الإرهابيون في المناطق التي يستولون عليها كالمنشورات والإذاعات المتنقلة والمحاضرات الإجبارية في الأحياء السكنية. ومن بين أخطر تلك الأنشطة تلك التي يجبرون بها الأطفال للالتحاق بمعسكرات التدريب والتغرير بهم. كما طبعت داعش مناهج دراسية للمرحلة الابتدائية مبنية على العنف والتطرف، عثرت على بعضها قوات التحالف بعد تحرير المدن.
وتركز إدارة الإفتاء والإرشاد الديني في المحور الثاني على تأهيل عموم العاملين من منتسبي جهاز الأمن العام، فقامت بإعداد مناهج موحدة لمادة الثقافة الإسلامية تُدرس في معاهد ومراكز التدريب في الأمن العام. كما يتضمن هذا المحور خطة للوعظ والإرشاد الديني تشمل المحاضرات واللقاءات الميدانية مع منتسبي الأمن العام العاملين في المخيمات، وبما يضمن الأخذ بالحسبان ملاحظاتهم ومقترحاتهم لترسيخ معاني الرحمة والتسامح والاعتدال.
ومن جهة أخرى قدَّم مركز السلم المجتمعي التابع للأمن الوقائي بمديرية الأمن العام جهوداً كبيرة في مجال الحماية من الفكر المتطرف، من خلال دورات وبرامج وخطط متخصصة كان للاجئين نصيب كبير منها.
يقول المقدم رياض البطوش، رئيس مركز السلم المجتمعي: “منذ بداية الأزمة السورية قام الأردن باستضافة اللاجئين السوريين على أراضيه، حيث تمَّ إيلاء الفئات ذات العلاقة اهتماماً خاصاً من قِبل مركز السلم المجتمعي باعتباره وحدة متخصصة في مكافحة الفكر المتطرف لضمان تحصينهم وتثقيفهم من الأفكار الضالة.”
استهدف مركز السلم المجتمعي أولاً المنتسبين العاملين بمخيمات اللاجئين السوريين، ليكونوا قادرين على تحديد الشخصية المتطرفة وطرق التعامل مع اللاجئين القادمين من مناطق الصراع، ثانياً المتطوعين داخل مخيمات اللاجئين السوريين، وأخيراً اللاجئين السوريين المقيمين داخل المخيمات أو خارجها.
وأضاف المقدم رياض قائلاً: “وضع المركز منهجية وخطة وقائية طويلة المدى نفذها مدربون متخصصون، واشتملت على برامج ومحاضرات وورش عمل تُعنى بمكافحة الفكر المتطرف والتجنيد الإلكتروني وما يستجد من ظواهر دخيلة على المجتمع تمس السلم المجتمعي لمنتسبي إدارة شؤون اللاجئين السوريين؛ وكان من بين هذه البرامج ما اختص في نقل المعارف للوجهاء في مخيمات اللاجئين السوريين باعتبارهم الشريحة الأكثر تأثيراً داخل المخيمات.”
كما عُقد برنامج تدريبي بعنوان «مبادرة شباب واعٍ» بالتعاون مع الشرطة المجتمعية في مناطق مختلفة من المملكة، وشارك فيه شباب من الجنسية السورية، وتضمَّن محاضرات توعوية في مجال الفكر المتطرف ودور الشباب في مكافحته.
وعُقدت كذلك عدة اجتماعات ولقاءات بين القائمين على المركز والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والشركاء على المستوى الدولي والمحلي، اتفقوا خلالها على عقد برامج توعوية وتثقيفية في مجال مكافحة الفكر المتطرف والحماية المجتمعية داخل مخيمات اللاجئين السوريين.
وعقد مركز السلم المجتمعي برنامج توعوي آخر هام بالتعاون مع مؤسسة الملك حسين – معهد العناية بصحة الأسرة، حول مكافحة التطرف؛ واستهدف طلبة الجامعات بما فيهم الطلبة السوريين واشتمل على محاضرات تثقيفية بمواضيع مكافحة الفكر المتطرف والتجنيد الإلكتروني.
وثمة عامل مهم آخر يتمثل في التنسيق بين المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة الأردنية، والجهود الوطنية التي تبذلها كافة الأجهزة الحكومية في هذا المجال، مثل وزارة الأوقاف ووزارة الداخلية ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ووزارة العمل.
فقد حرصت على تأمين اللاجئين بكافة احتياجاتهم اليومية بلا تفرقة وبعدل ومساواة وفي إطار احترام حقوق الإنسان؛ وأدى هذا السخاء إلى إضعاف أي مشاعر سلبية قد تقود إلى تغذية الفكر المتطرف، فضلاً عن الجهود الأمنية والاستخبارية المستمرة، والتي تهدف إلى الوقاية من امتداد أو تسلل أصحاب الفكر المتطرف والتعامل معهم إن وُجدوا. َ
التعليقات مغلقة.