معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة باليمن
دقت عملية القرصنة التي نفذتها مليشيا الحوثي التي تحظى بدعم إيراني ضد السفينة «روابي» التي ترفع علم الإمارات قبالة سواحل محافظة الحديدة اليمنية ناقوس الخطر مرة أخرى.
وذكَّرت تلك الهجمات العالمَ بالخطر الذي تشكله الميليشيا على سلامة السفن وحركة التجارة داخل ممرات الملاحة الدولية بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي التي يمر عبرها 6 ملايين برميل نفط يوميًا.
لم تكد تمر ساعات على تلك الحادثة التي وقعت يوم 2 كانون الثاني/يناير 2022 حتى أعلن «تحالف دعم الشرعية في اليمن» بقيادة السعودية عن تلقيه مكالمة استغاثة من ناقلة نفط تعرَّضت لمضايقات مسلحة بالقرب من ميناء الحديدة. وهذه مؤشرات على تزايد المخاطر في المنطقة وفي الممر الملاحي الواقع قبالة الميناء الذي تسيطر عليه ميليشيا الحوثي التي تحظى بدعم إيراني.
وتعيد هاتان الحادثتان اللتان كانتا تمثلان تصعيداً للأعمال العدائية في البحر الأحمر للأذهان تزايد استهداف واعتراض واختطاف السفن التجارية وناقلات النفط في الممرات الملاحية الدولية لمضيق هرمز وخليج عُمان وبحر العرب طيلة العامين المنصرمين. وحملت كل هذه الأحداث بصمات الحرس الثوري الإيراني وميليشياته الطائفية في المنطقة.
تطل سواحل اليمن بطول 2,500 كيلومتر على البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وتسيطر مليشيا الحوثي على نحو 300 كيلومتر من الشريط الساحلي في مدينة الحديدة، كما تستخدم الموانئ الثلاثة بالمحافظة كورش لتصنيع وتجميع الصواريخ الباليستية والقوارب المفخخة، ولديها مراكز لإعداد وتنفيذ أنشطة معادية في البحر الأحمر وباب المندب في انتهاك صارخ لاتفاقية ستوكهولم والتحايل عليها.
طورت مليشيا الحوثي قدراتها على الاعتداء على الموانئ والمنشآت النَّفطية والسفن التجارية وناقلات النَّفط، كاستخدام الصواريخ الذكية والألغام البحرية والقوارب المفخخة التي تعمل بالتحكم عن بُعد والطائرات المسيَّرة، وكل ذلك بدعم وإشراف وتخطيط خبراء من الحرس الثوري الإيراني والمتواطئين معه.
واستُخدمت السفينة الإيرانية «ساڤيز» الراسية قبالة سواحل اليمن من عام 2016 وحتى نيسان/أبريل 2021 كقاعدة تجسس عائمة لتخزين الأسلحة، وإدارة عمليات التهريب الحوثية، وجمع معلومات عن تحركات الملاحة الدولية، والتخطيط لعمليات عدائية. واستُبدلت في منتصف عام 2021 بالسفينة «بهشاد» التي حذت حذو سابقتها.
تشير الإحصائيات إلى أنَّ مليشيا الحوثي نفذت 21 عملية إرهابية بحرية طالت 23 سفينة من تسعة بلدان؛ وهي اليونان وجزر مارشال وعُمان والسعودية وكوريا الجنوبية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. واستخدمت صواريخ موجهة لاستهداف سفن في سبع عمليات معادية، وقوارب مفخخة في 11 عملية، وطائرة مسيَّرة في عملية واحدة، وألغام بحرية في عملية أخرى.
وقعت إحدى أبرز هذه الهجمات في تشرين الأول/أكتوبر 2016، حين دمر الحوثيون السفينة «سويفت 2» بصاروخ، وتعرَّضت ثلاث سفن حربية أمريكية في الشهر نفسه للقصف بصواريخ قبالة سواحل اليمن المطلة على البحر الأحمر، وهاجمت ثلاثة قوارب حوثية سفينة سعودية في نفس المكان في عام 2017. وهاجم الحوثيون في عام 2018 ناقلة نفط كبيرة ترفع العلم السعودي بالصواريخ، وخطفوا قارب سحب في جنوب البحر الأحمر في عام 2019. وزرعت الميليشيا في عام 2020 لغماً بحرياً أصاب سفينة شحن تجارية.
كما قامت مليشيا الحوثي منذ انقلاب 2015 باختطاف أربع سفن تجارية وأخذها إلى موانئ خاضعة لسيطرة الحوثيين، وتنفيذ سبع عمليات استهدفت موانئ سعودية ويمنية، وزراعة مئات الألغام البحرية في المياه الإقليمية بالبحر الأحمر وعلى طول السواحل الغربية على مقربة من الممرات الملاحية الدولية وباب المندب وخليج عدن؛ دُمر منها 247 لغماً. كما خطط الحوثيون لهجمات باستخدام 99 قارباً يعمل بالتحكم عن بعد، اعترضها التحالف العربي ودمرها في عام 2021.
تأتي أعمال العنف على أيدي ميليشيا الحوثي في إطار استراتيجية إيرانية تهدف إلى إبراز سيطرتها على البحر الأحمر وباب المندب وقدرتها على إغلاقهما وقتما تشاء إيران، فتوقف حركة التجارة وإمدادات الطاقة، وتضغط على الاقتصاد العالمي، وتستخدمه للضغط على المجتمع الدولي وابتزازه.
وبعد مرور ساعات على اختطاف السفينة «روابي»، هدَّد الفريق أول بحري علي رضا تنكسيري، قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني، بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية؛ وما هذا إلَّا مثال واحد على الرسائل الإيرانية الموجهة ضد العالم.
وعلى الصعيد الآخر، لا يتوقف «تحالف دعم الشرعية في اليمن» بقيادة السعودية عن العمل منذ الانقلاب بالنيابة عن العالم لحماية الممرات الملاحية والحركة العالمية في باب المندب والبحر الأحمر، وإحباط الأنشطة العدائية لمليشيا الحوثي بأمر إيران وبتخطيطها وتسليحها.
تشجعت مليشيا الحوثي على مواصلة أنشطتها العدائية بسبب استمرار تجاهل المجتمع الدولي لسياسات النظام الإيراني وميليشياته الطائفية التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى والعنف في المنطقة، بما يشكل تهديداً جديداً للأمن البحري اليمني والإقليمي والدولي، وحركة التجارة العالمية، وأمن الطاقة، وصيد الأسماك، وتلوث البيئة البحرية للبدان المطلة على البحر الأحمر.
وثمة تهديد آخر يلوح في الأفق يتمثل في ناقلة النَّفط «سيفر» الراسية قبالة «ميناء رأس عيسى» في الحديدة؛ فلا يمكننا التغاضي عن مخاطر الكارثة البيئية والاقتصادية والإنسانية المرتقبة بسبب تسرب نفط «سيفر» أو غرقها أو انفجارها، إذ لم تخضع للصيانة منذ سبع سنوات وتحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط الخام، وتستخدمها مليشيا الحوثي كقنبلة موقوتة لممارسة الضغط والابتزاز، وترفض أي جهد أو دعوة لتقييم حالتها وصيانتها.
وأمام كل هذا، فإنَّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي مدعوون لإدراك خطورة أفعال النظام الإيراني ووكيله الحوثي. فلا بدَّ أن يتحملوا المسؤولية في التعامل بحزم مع الاعتداءات وتأمين التجارة العالمية في عدد من أهم ممرات الملاحة الدولية، ولا بدَّ أن تتغير واجبات «بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة» من المراقبة إلى الإشراف الكامل على موانئ الحديدة تماشياً مع اتفاقية ستوكهولم ودعم جهود الحكومة الشرعية لإعادة السيطرة على سواحل اليمن بأكملها، وأداء دورها في مكافحة الأنشطة الخبيثة التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
التعليقات مغلقة.