الدفاع المشترك: رؤية القيادة السيبرانية الأمريكية
الفريق تشارلز مور، نائب قائد القيادة السيبرانية الأمريكية
أدلى أكثر من 158 مليون أمريكي بأصواتهم في انتخاباتنا الوطنية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020؛ وبما أنَّ التصويت ركن من أركان جمهوريتنا الديمقراطية، فلابدَّ أن يكون الأمريكيون على يقين بأنَّ عملية الانتخابات ونتائجها خالية من أي تدخل أجنبي مع التخفيف من وتيرة المحاولات الأجنبية الخفية للتأثير على الناخبين؛ إذ كانت العناصر السيبرانية الخبيثة قد سعت قبل ذلك بأربع سنوات إلى التأثير على الناخبين باستخدام عمليات في الفضاء السيبراني.
عقدت وكالات الحكومة الأمريكية العزم على منع الأنشطة المماثلة خلال الانتخابات الوطنية عامي 2018 و2020، فشكلت فريقاً تعاونياً متعدد المهام لتحديد التهديدات وتبادل المعلومات وتنسيق الإجراءات؛ وهذه الوكالات هي وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن القومي، والقيادة السيبرانية الأمريكية.
وعلاوة على ذلك، فقد حرص الفريق على التعاون الوثيق مع البلدان الحليفة وشركاء القطاع لتعزيز جهوده؛ وهذا نموذج لنوعية الدفاع الجماعي اللازم لحماية نظامنا الديمقراطي ووطننا ككل.
تنفذ القيادة السيبرانية نهجاً استراتيجياً وعملياً قائماً على فكرة «الدفاع للأمام» بهدف الدفاع عن وطننا في الفضاء السيبراني. وبما أنَّ الفضاء السيبراني يتسم بطبيعته العالمية المتأصلة، فإنَّ غالبية التهديدات التي يتعرَّض لها وطننا تنشأ من الفضاء السيبراني الأجنبي، الشهير بمصطلح «الفضاء الأحمر». تتطلب مكافحة تهديدات القرن الحادي والعشرين السرعة وخفة الحركة – والشراكات – للبحث عن الأعداء في الفضاء الأحمر وتحديد مواقعهم قبل أن يتمكنوا من ايقاع أضرار بأنظمة البيانات وأنظمة الأسلحة والشبكات الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها.
وأقول ببساطة إننا نريد تجهيز رامي سهامنا بدلاً من تفادي السهام التي تستهدفنا أي المبادرة بالهجوم كوسيلة للدفاع. كما نحرص على تبادل المعلومات الاستخباراتية المجمَّعة خلال عملياتنا داخل الهيئات مع الشركاء والحلفاء لخلق حالة من الوعي المشترك بالظروف المحيطة جرَّاء التهديدات المحتملة، وتعزيز وحدة الجهود، وتجهيز استجابة متكاملة ومتزامنة.
على غرار جهودنا في ميادين القتال الأخرى، فإنَّ الوحدة ركيزة من ركائز نجاحنا في الفضاء السيبراني، والشراكات ركن من أركان ذاك المسعى. ولذا ليس من المستغرب أن تكون هذه الشراكة محوراً من محاور استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية والنهج الاستراتيجي للقيادة السيبرانية. فالفضاء السيبراني يشمل كافة جوانب المجتمع الحديث، ولذلك يُشار إلى الدفاع عنه بمصطلح «الرياضة الجماعية النهائية». فلزاماً علينا تطوير وإنضاج شراكاتنا في مختلف الهيئات الحكومية بما فيهم الحلفاء والشركاء والأوساط الأكاديمية في جهود مستمرة وتعاونية.
ومن السبل التي تسلكها القيادة السيبرانية لتطوير الشراكات ضمن إطار عمل الدفاع الجماعي هي استخدام «عمليات البحث المتقدم»؛ إذ ننشر فرقاً من المحاربين السيبرانيين المهرة المتخصصين في ملاحقة الأنشطة السيبرانية الخبيثة على شبكات البلدان الشريكة بناءً على دعوتها لنا. وتعمل فرقنا السيبرانية في إطار هذا الجهد على جمع معلومات استخباراتية قيمة وتحديد التهديدات المحتملة لشبكاتنا مع تمكين الدولة المضيفة في الوقت ذاته من تحسين القدرات الدفاعية لشبكتها وزيادة صلابتها.
وفي ختام كل عملية من عمليات البحث المتقدم، يرسل الفريق إلى الدولة المضيفة تقريراً عن ثغراتها الأمنية بالإضافة إلى استراتيجيات منع الاختراق على شبكاتها، مع موافاة المجتمع العالمي للأمن السيبراني بالمعلومات التي يجمعها الفريق حول تكتيكات وأساليب وإجراءات الجهة المعادية، بالإضافة إلى أدلة على محاولة البرامج الخبيثة اختراق الأنظمة. في بعض الحالات، تنتج عمليات البحث المتقدم عينات برامج ضارة يمكن للقيادة السيبرانية الكشف عنها حتى تتمكن الشبكات المحلية والمتحالفة معها من الدفاع بشكل أفضل ضد المخاطر المستقبلية. وقد بدأت عمليات البحث المتقدم في عام 2018 في إطار جهودنا للدفاع عن الانتخابات، وها هي تجري الآن في ربوع العالم.
وتوجد طريقة إضافية لتحسين شراكاتنا للدفاع الجماعي تتمثل في التمارين الهادفة إلى رفع القدرة على التوافق العملياتي والاستعداد. فكما هي الحال مع أي عملية عسكرية، من الأهمية بمكان أن تتدرب البلدان الحليفة والشريكة معاً باستمرار للتعرف على نقاط القوة والضعف والتكتيكات والأساليب والإجراءات لدى بعضها البعض؛ فغايتنا تكمن في العمل معاً بسلاسة وانسيابية.
فقد استضافت القيادة السيبرانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أكبر تمرين سيبراني مشترك ومتعدد الجنسيات حتى الآن ، وأقصد بذلك تمرين «اللواء السيبراني 21-1». فهذه السلسلة من التمارين تعمل على اختبار وتنمية المهارات والقدرات الدفاعية لأكثر من 200 محارباً سيبرانياً من 23 دولة من خلال تعريضهم لسيناريوهات الفضاء السيبراني المليئة بالتحديات؛ إذ نعمل من خلال هذه التمارين على صقل الخصال الضرورية للتحالف للدفاع عن أوطاننا جنبا الى جنب، وهذه الخصال هي السرعة والدقة وخفة الحركة وتوحيد الجهود.
كما تحتاج صلابة الدفاع في الفضاء السيبراني إلى شراكة متينة مع القطاع الخاص، وهكذا تتفاعل القيادة السيبرانية مع القطاع الخاص من خلال برنامجين أساسيين: «أندر أدڤايزمنت» و «دريم بورت». فأمَّا «أندر أدڤايزمنت» فهو برنامج من برامج القطاع الخاص لتبادل المعلومات يتصف بأنه علني وتطوعي ويخدم الطرفين. وأمَّا «دريم بورت» فهو مركز ابتكار غير سري يسمح للقيادة السيبرانية بالتفاعل مع أعضاء القطاع والأوساط الأكاديمية لتبادل الأفكار وتقديم حلول مبتكرة لمشكلات الأمن السيبراني. ولكلا البرنامجين إسهام مباشر في قدرة القيادة السيبرانية على الدفاع عن وطننا في الفضاء السيبراني ومواصلة النمو نطاقاً وحجماً.
وما برنامج «دريم بورت» إلَّا سبيل من السبل التي تستفيد بها القيادة السيبرانية من شراكاتنا مع الأوساط الأكاديمية، فقد أنشأت القيادة مؤخراً شبكة رسمية اسمها «شبكة المشاركة الأكاديمية» مع 91 مؤسسة، ومن شأنها تمكين التعاون على الحلول المبتكرة للتحديات التقنية والرؤى التحليلية الجديدة حول العناصر السيبرانية الخبيثة، بهدف تعضيد جهودنا الدفاعية الجماعية. كما ستعمل على النهوض بمستوى توظيف الكوادر البشرية من خلال تسليط الضوء على الفرص المتاحة للطلاب للعمل في وظائف رائعة في مجال الأمن السيبراني في القطاعين المدني والعسكري.
وفي الختام أقول إنَّ القدرة على الدفاع عن شبكات وزارة الدفاع الأمريكية وعن وطننا أجمع من خطر العناصر السيبرانية الخبيثة يتطلب نهجاً جماعياً، وهذا النهج الجماعي يتطلب إقامة شراكات وثيقة بين الهيئات الحكومية وحلفائنا وشركاء القطاع والأوساط الأكاديمية.
إنَّ قدرتنا على تبادل المعلومات بسلاسة وسرعة، والحرص على التدريب وإجراء العمليات معاً، وإعداد مناهج مبتكرة لمختلف تحديات الأمن السيبراني التي تلاحقنا ركيزة من الركائز الأساسية لقدرتنا على تنفيذ مهمتنا الخاصة بالأمن والدفاع السيبراني في القرن الحادي والعشرين بنجاح.
التعليقات مغلقة.