الدفاع الصاروخي التعاوني في الخليج العربي
نظام الإنذار المبكر المشترك درعٌ حصين أمام التهديدات الجوية سواء من دولة أو مجموعة إرهابية
اللواء الركن خالد الشريعان، آمر سلاح الدفاع الجوي الكويتي
لا غنى لنا عن الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في أوقات السلم والحرب، فهو الحل الأمثل لمواجهة التهديدات الجوية الناشئة والمستقبلية، إذ يحقق التكامل والتوافق العملياتي بين جميع منظومات الدفاع لحماية المناطق الحيوية والاستراتيجية من خطر التهديدات الجوية.
فالتهديدات الجوية بالمسيَّرات والصواريخ الجوَّالة (كروز) والصواريخ الباليستية التكتيكية تتطور بين عشيةٍ وضحاها، وتُكثِر جهات مختلفة من استخدامها وتُحسن الاستفادة منها.
فأما المسيَّرات، فإنها ترتقي بالمعايير التكتيكية والفنية، ويقل اكتشافها بالرادارات والتصوير الحراري، وقد تشتد أهميتها مع تزايد دور الذكاء الاصطناعي.
وعلى الصعيد الآخر، يكثر استخدام المسيَّرات التجارية الصغيرة أيضاً في ساحات القتال بعد تطويرها لتحمل أسلحة فتاكة، وهذا النوع من المسيَّرات منخفض التكلفة ويسهل الحصول عليه من الأسواق التجارية.
وأما الصواريخ الجوَّالة، فمن المتوقع أن تؤدي التطورات المستقبلية إلى زيادة مداها واستمرار قدرتها على المناورة على ارتفاعات منخفضة وسرعات عالية، وهي قادرة على العمل بسرعات دون وفوق وفرط صوتية.
والصواريخ الجوَّالة فرط الصوتية من الأسلحة فائقة التطور، وذلك بفضل قدرتها على تغيير مسارها طوال رحلتها من الانطلاق إلى الاستهداف بسرعات تصل إلى 7 ماخ أو أكثر، والمقطع العرضي الراداري المنخفض لها يجعلها غير قابلة للاكتشاف عملياً، فضلًا عن أن قدرتها على المناورة طوال مسارها تقلل من إمكانية اكتشافها على الرادارات.
وأما الصواريخ الباليستية التكتيكية، فإن انتشارها بأعداد كبيرة ووصولها لمصادر تهديد مختلفة يشكل تطوراً خطيراً بصورةٍ دائمةٍ في كل مكان لأنها تستفيد من عنصرَي السرعة والمدى، ولهذا ينبغي الحفاظ على أنظمة الإنذار المبكر والاستعداد القتالي العالي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لسرعة الاستجابة للخطر.
وحرصاً على حُسن التصدي للتهديدات الجوية، ينبغي لنظام الإنذار المبكر أن يوفر متسعاً من الوقت لنظام القيادة والسيطرة لاتخاذ القرارات الصائبة في اللحظة المناسبة، لأن التهديدات الجوية في الآونة الأخيرة أضحت تعتمد على استغلال أفضليات معينة، وأهمها عامل التخفي باستخدام المسيَّرات أو الصواريخ الجوَّالة التي يصعب على الرادارات اكتشافها فضلًا عن قدرتها على المناورة لتقليل اكتشافها وتحقيق عنصر المفاجأة.
ومفهوم الدفاع الجوي الصاروخي المتكامل شديد الأهمية لنجاح الدفاع الجوي الإقليمي، وذلك بتحقيق التكامل بين أنظمة الإنذار المبكر والقيادة والسيطرة والدفاع الجوي والتنسيق بينها، فينبغي مراعاة ما يلي لنجاح أي منظومة من منظومات الدفاع الجوي:
أولاً، تطوير أنظمة إنذار مبكر قوية يمكنها اكتشاف التهديدات الجوية بكافة أنواعها، ولا سيما الأهداف التي يصعب على الرادارات اكتشافها (أي البطيئة والمنخفضة والصغيرة) واكتشافها في الوقت المناسب حتى تتمكن منظومات الدفاع الجوي من صد التهديدات وتدميرها قبل أن تحقق أهدافها.
ثانياً، ينبغي أن يكون مركز القيادة والسيطرة الفعال والمتقدم متوافقاً ومتكاملاً مع مستشعرات الإنذار المبكر وأنظمة أسلحة الدفاع الجوي، ويكون ذلك باتصالات آمنة تراعي جميع متطلبات الأمن السيبراني. ولا بدَّ أن يكون مركز القيادة والسيطرة قادراً على العمل في إطار الشبكات الوطنية والإقليمية، ولا بدَّ أن يتكامل مع نظام الإنذار المبكر لدول مجلس التعاون الخليجي ومع أنظمة قوات التحالف. وينبغي الاستفادة من التدريب المستمر الذي يتضمن سيناريوهات واقعية لصقل مهارات العاملين في مراكز القيادة والسيطرة لاتخاذ القرارات على جناح السرعة.
ثالثاً، لا بدَّ أن نستحدث مظلة متكاملة للدفاع الجوي قادرة على تدمير التهديدات بكافة أنواعها ومصادرها أيًا كان ارتفاعها أو سرعتها أو مسارها، ولا بدَّ أن يركز التخطيط على الدفاعات الجوية التي تغطي المجال الجوي بواقع 360 درجة وتتميز بقدرتها على صد الهجوم بأسراب والحفاظ على الاستعداد القتالي للأفراد والمعدات برفع مستوى الأداء بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وحرصاً على تأمين أنظمة الكمبيوتر، فعلينا أن نضع سياسة للأمن السيبراني تتطور بتطور التهديدات ولا تتعارض مع السياسات الوطنية والإقليمية.
ولا يزال الدفاع الجوي الصاروخي المتكامل يواجه تحديات على الصعيد السياسي والتقني، ولا بدَّ من التغلب عليها؛ فلا بدَّ أولاً من وضع سياسات وطنية واضحة مع خطة طويلة الأجل تحدد كيف ومن وأين ومتى، ولا بدَّ من تنسيق السياسات الوطنية على المستوى الإقليمي لإرساء سياسة مشتركة.
وعلى الصعيد الآخر، لا بدَّ من التعجيل بحل التحديات التقنية لأن التهديدات الجوية لا تلبث أن تتطور، ولا بدَّ من تحديث منظومة الدفاع الجوي الصاروخي المتكامل لتواكب تلك التهديدات في أقرب وقت ممكن.
ولقد وضع العقيد جون بويد، وهو أحد منتسبي القوات الجوية الأمريكية، نموذجاً لاتخاذ القرار يُسمى «حلقة أودا» يتضمن أربع خطوات (الرصد، التوجيه، اتخاذ القرار، التحرك).
وإذا طبقنا هذه الحلقة على عملية اتخاذ القرار في الدفاع الجوي الصاروخي المتكامل واستطعنا التحرك لمواجهة التهديد الجوي في الزمان والمكان المناسبين، يمكننا حينها دحر التهديد الجوي، ولكن إذا لم نتحرك إلا بعد أن يبلغ التهديد الجوي مرحلة متقدمة، فسوف نتعرض لانتكاسات.
ولهذا السبب يوفر الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل عنصر الرصد بأنظمة الإنذار المبكر، وعنصرَي التوجيه واتخاذ القرار في مركز القيادة والسيطرة، وعنصر التحرك بأنظمة أسلحة الدفاع الجوي. ولا سبيل لنا للتصدي للتهديدات الجوية إلا بتحقيق التكامل والتوافق العملياتي على كافة المستويات.
التعليقات مغلقة.