عانت هذه المنطقة من تحديات وصراعات شتى طوال السبعة أو الثمانية عقود الماضية، وكلنا سعينا لإيجاد حلول من خلال مبادرات غايتها تسوية النزاعات والصراعات، لا سيما بالمساعي الدبلوماسية.
إلا أن هذه المبادرات إنما كانت تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذها، واتخاذ خطوات عملية لتفعيلها، وتشجيع الأطراف المتفاوضة على التحلي بالمرونة والتوافق، بما يُفضي إلى التنفيذ.
ولا بدَّ أن أقول إن ما يحبط بعض الشيء أن بعض هذه المبادرات ظلت في أحيان كثيرة قائمة طويلاً، وكانت توحي بأنها تقدم حلاً، لكنها ما كانت إلا وهماً، بل أتاحت فرصاً للتعنت والإبقاء على الوضع الراهن بدلاً من تسوية الصراعات بناءً على تلك المبادرات.
تشكلت هذه المبادرات على الصعيد الوطني في دول مؤثرة، أو على الصعيد المؤسسي في منظمات مثل الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي. لكنها كانت في أحيان كثيرة غير مؤثرة ولم تحرك ساكناً.
وأعتقد أن القضية تتوقف على الإرادة السياسية للشروع في تنفيذها ، فثمة جهات دولية لديها من القدرة والموارد والحيلة ما يجعلها قادرة على التأثير على الوضع واستحصال المرونة والتوافق اللازمين.
وهذا كله مرهون بالإرادة السياسية وقدرة من يروجون لهذه المبادرات على السعي لتنفيذها، وهذا ينطبق على صراع غزة، إذ لا يزال الحل السياسي له بعيد المنال.
وأعتقد أن هذا ينطبق على صراعات أخرى، مثل ليبيا، إذ عجزت المبادرات التي أقرها مجلس الأمن الدولي وممثل الأمين العام عن تحقيق توافق في الآراء يفضي إلى إجراء حوار بين الليبيين.
فحل الخلافات السياسية بين مختلف أطراف الصراع في ليبيا للتفاهم على ما يخدم مصالح الشعب الليبي لا يزال بعيد المنال عن جهود المفاوضين الإقليميين والدوليين.
ونظراً لطبيعة الصراعات في المنطقة وتعنتها، عانت مبادرات كثيرة، الدولية منها والإقليمية، من غياب الإرادة السياسية لدى من دشنوها أو لدى أطراف الصراع أنفسهم.
نحن، خبراء الأمن، الذين نتعامل مع حل النزاعات يومياً، لا يسعنا إلا أن نواصل الدعوة إلى الأخذ بمبدأ الحل السلمي للنزاعات، وأن نسعى إلى مبادرات لا تحظى بدعم المجتمع الدولي فحسب، بل والأهم من ذلك أن تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وسيأتي التنفيذ بقدرة تأثير الجهات الراعية للمبادرات السلمية أو بموافقة أطراف الصراع.