تتآمر دولة تُسمى «الأرض الحمراء» لتلم شمل إمبراطوريتها البائدة التي تفككت منذ 30 سنة، فتستأجر مرتزقة للاعتداء على إحدى الدول التي كانت تابعة لها فيما مضى، تُسمى «الأرض الزرقاء».
ويساور مجلس الأمن الدولي القلق حينما عبر وكلاء «الأرض الحمراء» الحدود الدولية واحتلوا بقعة من أراضي «الأرض الزرقاء»، فيدعو إلى تشكيل تحالف عسكري متعدد الجنسيات لحماية مواطنيها، وطرد القوات المدعومة من الدولة المعتدية إذا لزم الأمر.
تقع مهمة حفظ السلام على عاتق فرق مهام تتألف من قوات من كازاخستان وقرغيزستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان والولايات المتحدة، ويجتمع لفيفٌ من كبار الضباط من هذه الدول في هيئة أركان لتوجيه العمليات للذود عن سيادة «الأرض الزرقاء».
أجرت القيادة المركزية الأمريكية تمرين «التعاون الإقليمي 24» في آب/أغسطس 2024، وهو من تمارين القيادة والسيطرة، وقدَّم هذا السيناريو الافتراضي في حال واجهت القوات أحداث مشابهة في عالم الواقع.
قال العقيد الأوزبكي رسولجون جباروف: ”غايتنا الإلمام بالتهديدات الحالية للأمن القومي في العالم والتأهب للاستجابة للأزمات، وتوفر لنا القيادة المركزية الأمريكية فرصة رائعة للعمل مع شركائنا وأصدقائنا وتبادل معارفنا.“
خدم العقيد جباروف في فريق من كبار الضباط الذين وضعوا السيناريوهات لـ 250 مشاركاً في التمرين متعدد الجنسيات الذي أُجري في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية. واستعان ضباط الأركان بمترجمين، وقاموا بمهام مثل جمع المعلومات الاستخبارية والتخطيط وتوفير سبل الإمداد والتموين والعمليات باستخدام شبكة من أجهزة الكمبيوتر.
ولما قوبل المتدربون بوابل من الأزمات الوهمية، كان عليهم أن يتحلوا بسعة الحيلة والتنظيم والقدرة على التواصل لتحقيق النجاح.

تولى العقيد المنغولي باتزايا أودسورين قيادة قوة المهام المشتركة، وكان أهلاً لهذا المنصب، فهو في بلاده ضابطٌ في العمليات الخاصة والمدفعية، وشارك في خمس بعثات متعددة الجنسيات لحفظ السلام والاستقرار في بقاع مثل العراق وأفغانستان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وطرح على من تولى إمرتهم في تمرين «التعاون الإقليمي» أسئلة تنم عن إلمامه بما يلزم في عمليات حفظ الاستقرار.
هل كانت القوات تحمي النساء والأطفال داخل مخيمات المهجَّرين؟ هل نفذت القوات حملات إعلامية لكسب دعم المدنيين؟ هل كانت الأفواج تحمي سداً كهرومائياً شديد الأهمية من هجمات العدو؟
وقال من داخل خلية القيادة: ”هذه هي المرة الـ 10 التي ترسل فيها منغوليا جنودها للمشاركة في تمرين «التعاون الإقليمي»؛ فقد يصعب أحياناً التواصل مع جنود من بلدان أخرى، ولكن يقدم التمرين فوائد مهمة للمنغوليين للاستفادة من المواقف والتكتيكات الواقعية.“
شُجع الجنود الذين تولوا مهمة ضباط الأركان على التأهب والانتباه وإبلاغ التسلسل القيادي بأي أحداث غير عادية، ومن لم يفعل ذلك منهم سمع لوما شديدا.
وقال ضابط أمريكي لفريقه متعدد الجنسيات: ”سيحدث سوء فهم، ومحال ألا يحدث، ولكن على القادة أن يكتشفوا أي خلل إذا ظهر.“
وعلى غير العادة في تمرين «التعاون الإقليمي» منذ انطلاقه في عام 2001، أعدَّت نسخة 2024 منه ضباط الأركان للقيام بعمليات هجومية للقضاء على قوات العدو التي عبرت الحدود إلى أراضٍ صديقة، ونصَّ تفويض الأمم المتحدة الذي عملت بموجبه قوة المهام الافتراضية على عدم اعتبار المرتزقة مقاتلين أعداء وحرمانهم من أي حماية خاصة.

قال أنتوني ليتو، من معهد عمليات حفظ السلام والاستقرار التابع لكلية الحرب الأمريكية، وهو ممن شاركوا في وضع عمليات المحاكاة في تمرين «التعاون الإقليمي 24»: ”نستعد دائماً لأسوأ السيناريوهات، وأسوأها هو الحرب.“
وأضاف: ”ولكن لا تزال عمليات الاستقرار وحفظ السلام تُمثل غالبية المهام، وهذا التمرين يجمع بين كل شيء أو يكاد.“
يرى العقيد سامات سيداليف، وهو قائد فرقة من قرغيزستان، أن تمرين «التعاون الإقليمي» يمثل استعداداً للأزمات التي تتطلب استجابات من تحالف متعدد الجنسيات.
وقال: ”نتعلم التفاعل والتنسيق مع بلدان أخرى في التمرين؛ فلكل دولة رؤيتها في نشر قوات العمليات الخاصة، على سبيل المثال، لكننا هنا نركز على رؤية واحدة ونجعلها رؤيتنا.“
ومن المحاور الأخرى النافعة في تمرين «التعاون الإقليمي» هو تلك التوأمة بين قوات وسط آسيا ومنغوليا وبين نظيراتها من برنامج شراكة الولايات التابع للحرس الوطني الأمريكي، وهذا البرنامج ينسق الفعاليات العسكرية بين الجنود الأمريكيين وجنود الدول الشريكة.
وتشمل توأمة كازاخستان مع الحرس الوطني لولاية أريزونا، وقرغيزستان مع الحرس الوطني لولاية مونتانا، ومنغوليا مع الحرس الوطني لولاية ألاسكا، وطاجيكستان مع الحرس الوطني لولاية فرجينيا، وأوزبكستان مع الحرس الوطني لولاية ميسيسيبي.
وقال العقيد الكازاخي يرميك عبد الرحمنوف، متحدثاً عن الأجواء متعددة الجنسيات في تمرين «التعاون الإقليمي»: ”يكتسب أفراد جيشنا خبرات يُمكن تطبيقها على أرض الواقع، فالجيش الكازاخي يختلف عن الجيش الأمريكي، وكلنا نتعلم من بعضنا البعض.“
ومن دأب باكستان أنها ترسل أحد كبار الضباط إلى تمرين «التعاون الإقليمي»، وكذلك فعلت في تمرين عام 2024. فأتى العميد عاطف إعجاز، مدير التدريب في هيئة الأركان المشتركة الباكستانية، على رأس وفد يضم 14 ضابطاً من جيش باكستان وبحريتها.
وقال: ”نريد الحفاظ على علاقاتنا الطيبة مع الولايات المتحدة، كما تربطنا علاقات عسكرية طيبة مع جمهوريات وسط آسيا منذ نشأتها.“
وشغل العميد إعجاز منصب نائب قائد قوة المهام المشتركة في تمرين «التعاون الإقليمي» تحت قيادة العقيد أودسورين.
وقال العميد: ”نؤمن بالأهداف الجوهرية للتمرين، مثل رفع مستوى التوافق العملياتي، ونتعلم من بعضنا البعض الممارسات المُثلى، وللإسناد والحرب الإعلامية أدوارٌ شديدة الأهمية أيضاً.“
وجدير بالذكر أن تمرين «التعاون الإقليمي» هو أبرز تمرين متعدد الجنسيات لحفظ السلام تجريه القيادة المركزية الأمريكية مع شركائها في وسط آسيا، ويُجرى على مدار أسبوعين تقريباً، ومن المعهود أن تستضيفه دولة جديدة كل عام، واستضافته قبل ذلك كلٌ من كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان.