التصدي للتهديدات المتربصة بالتجارة البحرية
المتمردون الحوثيون اليمنيون وحلفاؤهم الإيرانيون يواصلون تهديد حركة الشحن وتهريب الأسلحة
معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني
يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، نجحت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية وأخرى تابعة لخفر السواحل الأمريكي في طريقهما إلى اليمن في اعتراض سفينة إيرانية تحمل مواداً تُستخدم في تصنيع الأسلحة. فعثر المحققون على 70 طناً من كلورات الأمونيوم تُستخدم في تصنيع وقود الصواريخ الباليستية و100 طن من سماد اليوريا القابل للانفجار.
وأعلن الجيش الأمريكي في بيان أنَّ السفينة تشكل تهديداً للملاحة التجارية وأمن المنطقة، فتخلص من حمولتها وأغرق السفينة وسلَّم طاقمها لقوات خفر السواحل اليمنية.
تهديد يحيق بإمدادات الطاقة العالمية
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُعترض فيها مثل هذه الشحنات، فقد تمكنت البحرية الأمريكية منذ عام 2015 من توقيف عدة سفن تحمل شحنات أسلحة ومكونات لتصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة. كما أُعلن في عام 2022 أنَّ سفينة مشابهة قادمة من الصومال تحمل شحنة من اليوريا، التي تُستخدم في صنع العبوَّات الناسفة، كانت في طريقها إلى الحوثيين.
وبالمثل، نجحت البحرية الملكية البريطانية في نيسان/أبريل 2022 من توقيف سفينة إيرانية محملة بالصواريخ في خليج عُمان كانت متجهة إلى الحوثيين. وبتقييم حمولتها، تمكن خبراء المتفجرات من ربطها بالهجوم الذي نفذه الحوثيون في كانون الثاني/يناير 2022 على أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولقد رأينا كيف أطلق الحوثيون صواريخ على البحرية الأمريكية بالقرب من باب المندب في عام 2016، وزرعوا ألغاماً بحرية عشوائية في المياه الإقليمية اليمنية، واستخدموا زورقاً مفخخاً مسيَّراً لمهاجمة ميناء المخاء في البحر الأحمر في عام 2017، وهاجموا سفناً سعودية في ميناء الحديدة في عام 2018.
كما شنوا في الآونة الأخيرة هجمات على ميناء النشيمة بمحافظة شبوة وميناء ضباء بمحافظة حضرموت، ناهيك عن استهداف ناقلة نفط في محطة قنا النفطية بشبوة في تشرين الأول/أكتوبر 2022.
كما اكتشفنا أنَّ إيران استهدفت ناقلة النفط «باسيفيك زيركون» قبالة سواحل سلطنة عُمان يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بطائرة مسيَّرة محملة بالقنابل، فتسببت في أضرار طفيفة في هيكلها. وكانت محاولة للتأثير على إمدادات الطاقة في ظل الأزمة التي يمر بها العالم، وفرض شروطها في المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي، وترسيخ سياساتها التوسعية في المنطقة.
كارثة بيئية تلوح في الأفق
وعلاوة على ذلك، نتوقع حدوث كارثة بيئية بسبب ناقلة النفط «صافر» الراسية في البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن. فإذا استمرت حالتها في التدهور، فمن الممكن أن يكلف تنظيف النفط المتسرب منها ما يقرب من 80 مليون دولار أمريكي. ومنذ عام 2015 والحوثيون يصرون على منع فرق الأمم المتحدة الفنية من الوصول إليها لتقييم الأضرار التي لحقت بها وإطلاق خطة عمل.
بات جلياً أنَّ سيطرة الحوثيين على بقاع من اليمن بدعم من إيران لا تشكل تهديداً لليمن فحسب، بل تهدد سلامة السفن التجارية وأمن الممرات الملاحية الدولية أيضاً. فقد انتهك الحوثيون وداعموهم الإيرانيون جميع الاتفاقيات – ومنها اتفاقية ستوكهولم والهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة وجميع القوانين والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن – ولم يكفوا عن هدم جهود التهدئة والسلام.
فما كان من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية ودول حليفة أخرى إلا أن شكلت وحدة جديدة في نيسان/أبريل 2022 تسمى قوة المهام
لمراقبة البحر الأحمر واستقرار الملاحة وتأمين ممرات تجارية دولية مهمة تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.
ويأتي ذلك استكمالاً للدور الحيوي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية بالفعل في قيادة التحالف العربي، وتأمين الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وإحباط عشرات الهجمات الإرهابية التي خطط لها الحوثيون طيلة الثماني سنوات الماضية وتضمنت زوارق مفخخة مسيَّرة وألغاماً بحرية، وكلها أساليب عسكرية مستوردة من إيران.
أهمية مضيق هرمز
منذ أيَّار/مايو 2022، وعدة دول أوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تنادي بالاستعانة بصلاحيات المهمة الأوروبية للإشراف على مضيق هرمز (التي شكلتها ثماني دول أوروبية في مطلع عام 2020) لتوسيع نطاق وصولها إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر باب المندب. وتكمن أهمية هذا الممر الملاحي في أنَّ نسبة 10٪ من التجارة العالمية تمر عبر هذا المضيق، ومن المتوقع أن تزداد على إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا.
فمنذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية ومقاطعة النفط الروسي، سعت الدول الأوروبية إلى البحث عن مصادر بديلة في منطقة الخليج العربي، وهي أفضل بديل من حيث وفرة النفط وجودة البنية التحتية. وعلاوة على ذلك، أبرمت إيطاليا وألمانيا صفقات جديدة مع قطر، وأبرمت فرنسا صفقات مع الإمارات.
ولا يقتصر الأمر على النفط، إذ يوجد تعاون بين أوروبا ودول الخليج في ملف الطاقة النظيفة امتداداً لاتفاقيات سابقة بشأن استخدام وقود الهيدروجين بين الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات.
الاستقرار البحري
تعتمد العلاقات بين الشرق والغرب بشدة على استقرار الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز وباب المندب نظراً لموقعهما الجغرافي الحيوي كملتقى بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. كما تعتمد الكثير من الدول الغربية على العلاقات التجارية مع المنطقة العربية، ولا سيما دول الخليج.
ربما يدخل العالم مرحلة كساد اقتصادي أجبر الكثير من القوى العظمى على إعادة النظر في توجهاتها الجيوسياسية. ومع أنَّ الولايات المتحدة قررت سحب بعض قواتها من الشرق الأوسط، فإنَّ التداعيات الاقتصادية ما تزال تسلط الضوء على الحاجة إلى الاستقرار في المنطقة واليمن. وتنخرط الكثير من الدول الأوروبية بالفعل في سباق لتأمين خطوط التجارة الدولية وتعزيز دورها الرائد في الملاحة البحرية في ممرات الشحن الحيوية هذه.
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يتضاعف الناتج القومي الإجمالي لمنطقة البحر الأحمر لأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050، من 1.8 إلى 6.1 تريليون دولار. وعلى الرغم من هذه الإمكانات، فإنَّ التوقعات الاقتصادية المستندة إلى البيانات الراهنة تشير إلى أنَّ الاستثمار في أمن التجارة العالمية عبر الخليج العربي لن يزيد كثيراً خلال العقود المقبلة جرَّاء عدم الاستقرار في المنطقة. ومن الممكن أن يتغير ذلك تغيراً كبيراً إذا بُذلت جهود مشتركة لتأمين المنطقة، لا سيما زيادة حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وباب المندب لأكثر من خمسة أضعاف مستواها الحالي، من 881 مليار دولار إلى 4.7 تريليون دولار بحلول عام 2050.
الأسباب الجذرية
على الرغم من كل هذه المبادرات، فإنَّ العالم الغربي يتعامل مع أعراض المشاكل الإقليمية لا أسبابها الجذرية، ويكمن أبسط حل في تبني الاستراتيجية المعروفة باسم نظرية المنبع، بحيث تتبع الأعراض وصولاً لأصل المشكلة.
فالصين على وعي تام بأهمية هذه المنطقة، وتحاول بسط نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال الاستثمار في جيبوتي وتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة هناك في ظل سعيها للتوسع في إفريقيا مع تقويض نفوذ الولايات المتحدة على وجه التحديد.
فبدلاً من تدشين المزيد من المبادرات وإنفاق الملايين وبذل جهود كبيرة في حماية ممرات الشحن التجارية، يجدر بالقادة المعنيين (ولا سيما قادة أوروبا) تسخير جهودهم لدعم مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية التي تمثل مختلف الطوائف السياسية والاجتماعية اليمنية، بتمكينها من فرض سيطرتها وفرض الأمن والاستقرار على طول سواحل اليمن.
وفي الوقت ذاته، من شأن ذلك تضييق الخناق على الحوثيين وتقليص قدراتهم العسكرية، إذ شاركوا مؤخراً في الحرب الإيرانية غير المعلنة على البنية التحتية للطاقة والمنشآت النفطية والموانئ وناقلات النفط في المياه الدولية. F
التعليقات مغلقة.