الاستقرار من خلالالتعاون
قوات من جنوب ووسط آسيا تتغلب على التحديات الأمنية في إطار تمرين «التعاون الإقليمي 21»
ربما كان من المحتم في نهاية العام الذي تسبَّب فيه فيروس كورونا (كوفيد- 19) في إغلاق العالم أن يختبر تمرين عسكري جمهوره التدريبي في التعامل مع وباء محتمل.
فكانت تلك هي الحال مع تمرين «التعاون الإقليمي 21» الذي نظمته القيادة المركزية الأمريكية في قاعدة «فورت هاريسون» بولاية مونتانا في حزيران/يونيو 2021 مع قوات من كازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان والولايات المتحدة.
خلال تسيير دوريات أمنية على طول حدود وطنية غير آمنة ومعرَّضة لهجمات جماعات متمرِّدة، اشتكى 15 من القوات المنغولية من الحمَّى والغثيان، فاستغل المتمردون الأزمة للتحرش بقوات حفظ السلام وزرعوا عبوَّات ناسفة محلية الصنع.
توصَّل القادة في نهاية المطاف إلى أنَّ إعياء القوات لا يعدو كونه تسمماً غذائياً عادياً، ولكنهم تعلموا الدرس: على القوات المتمركزة في الميدان الاستعداد لمواجهة قوات العدو الكبيرة والصغيرة ومتناهية الصغر في عصر الجائحات العالمية.
يُقام تمرين «التعاون الإقليمي» المخصص لمراكز القيادة منذ عام 2001، وقد تطوَّر على مر السنين ليشمل سيناريوهات معقدة تتطلب تنسيق استجابة المشاركين متعددي الجنسيات واللغات. وتندرج السيناريوهات المكتوبة والمعقولة تحت عنوان عمليات حفظ الاستقرار، وهي مصممة لاختبار قدرة أطقم مقر القيادة على التعامل مع الأحداث المتغيرة على الأرض.
تعمل القوات العاملة ضمن كتائب وهمية متعددة الجنسيات على تأمين الحدود، ومكافحة الإرهابيين، وتفكيك الألغام والعبوات الناسفة محلية الصنع، واعتراض أسلحة الدمار الشامل، وتحل مشكلة نقص المياه والغذاء في مخيمات النازحين، واحتواء الأمراض، واعتراض المخدرات، واجتثاث الجريمة المنظمة من جذورها.
كما دُعي المشاركون لإجراء عمليات نفسية؛ ومثال ذلك أنَّ المجموعة الإرهابية الوهمية دنَّست مبنىً تاريخياً داخل منطقة عمليات فرقة العمل، فسلَّط التحالف الضوء على أعمال التخريب التي حدثت في البرامج الإذاعية وكسب ثقة المواطنين من خلال إصلاح الموقع.
قال العميد الباكستاني شجيع الله قادري: “يكمن الهدف الأساسي في التعامل مع مختلف البلدان من المنطقة ذاتها ومع الجيش الأمريكي صاحب الخبرة في جميع أنواع الحروب.”
شأن الكثير من الضباط متعددي الجنسيات في التمرين، كان العميد شجيع الله يشعر بالفضول تجاه آخر التطورات في عمليات حفظ الاستقرار الخارجية. فقد كان يشارك قبل عقد من الزمن في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث كان عليه التنسيق مع زملائه من قوات حفظ السلام من الهند وبنجلاديش.
ويقول العميد شجيع الله عن تمرين «التعاون الإقليمي»: “لكل دولة ممارساتها، ولدينا فرصة لتعلمها، وتعمل الولايات المتحدة على توفير عنصر التزامن لهذه السيناريوهات، ولدينا فرصة لإنهاء الخلافات بين البلدان.”
وذكر العقيد جاڤخلانبايار دوندوجدورج، رئيس الوفد العسكري المنغولي، أنَّ التمرين يقدم الممارسات المثلى لمساعدة جيش بلاده على مواجهة المتطلبات الأمنية الإقليمية والدولية.
فيقول: “لقد كُلِّفت بالخدمة في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وهذا [التمرين] يمكن أنَّ يساعدني خلال خدمتي هناك.”
عملت معظم القوات خلال فعاليات تمرين «التعاون الإقليمي 21» ضمن «فرقة العمل باتريوت» المكونة من فوج من كلٍ من كازاخستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان والولايات المتحدة.
وشكلت القوات الأوزبكية فرقة عمل مستقلة في التمرين لكنها التزمت بالأهداف العامة لمهمة حفظ الاستقرار، علماً بأنَّ دستور أوزبكستان يمنعها من الانضمام إلى قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات.
وفي إطار رؤية أوزبكستان المتمثلة في زيادة مشاركتها في التمارين متعددة الجنسيات، وصل السيد جاڤلون ڤاخابوڤ، سفير أوزبكستان لدى الولايات المتحدة، إلى مونتانا في يوم الزائر المميَّز في نهاية تمرين «التعاون الإقليمي».
كما كان من اللافت للنظر في هذا الحدث وجود العقيد زينيس نورجالييڤ، الملحق العسكري لكازاخستان لدى الولايات المتحدة، فلم تشارك كازاخستان في تمرين «التعاون الإقليمي» منذ عام 2013، لكنها أرسلت 15 من عناصر قواتها المسلحة إلى نسخة 2021.
وشارك العقيد الكازاخي مع نظرائه العسكريين الأجانب في إدارة «فرقة العمل باتريوت»، وأشاد بالتمرين لتمكينه من متابعة عملية صنع القرار العسكري في البلدان الأخرى، وتحدَّث عن أهمية مثل هذه المعلومات فيما تعمل بلاده على تنقيح عقيدتها العسكرية للتعامل مع التحديات الأمنية الجديدة.
كان تمرين «التعاون الإقليمي 21» مصمماً بما يراعي المخاطر الأمنية للبلدان المشاركة من جنوب ووسط آسيا، وهكذا كان لجهود مكافحة الإرهاب دور مهم. فقد حرص القائمون على تنظيم التمرين مع تطوره على مر السنين على توسيع دور قوات العمليات الخاصة في مكافحة المتطرفين العنيفين في السيناريوهات التدريبية.
فأشرك القادة في تمرين مونتانا القوات الخاصة لاجتثاث مهرِّبي المخدرات والممولين ومشتري الأسلحة الذين ساندوا مجموعة متمرِّدة وهمية، وكان عليها التنسيق عبر الخطوط الوطنية للاستفادة من القدرات العسكرية لدى البلدان الشريكة.
ومثال ذلك أنَّ الكتيبة الباكستانية كانت تتضمن وحدة من المغاوير، وهي عبارة عن وحدة من قوات الرد السريع يمكن للبلدان الأخرى الاستعانة بها. وكانت الولايات المتحدة ومنغوليا وباكستان تمتلك مروحيات لم تمتلكها بلدان أخرى في سبيل نقل تلك القوات جواً، وأجبر ذلك المشاركين على الاستعانة ببعضهم البعض رغم العوائق اللغوية.
وكان لمثل هذا العمل المتمثل في لعب الأدوار أثر واقعي على القادة أمثال العقيد الطاجيكي روزيزودا ديلشود الذي شارك في توجيه العمليات مع أطقم قيادة فرقة العمل؛ إذ يأتي تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية لطاجيكستان ضمن أبرز التحديات الأمنية التي تواجهها.
فيقول: “هذا ما نحتاجه بالضبط، فالحدود الأفغانية شغلنا الشاغل، وفي غير ذلك لدينا كتيبة لحفظ السلام شاركت في التدريبات التي ترعاها الولايات المتحدة، فهذا التمرين بالأخص من الأهمية بمكان لعمليات التدريب على حفظ السلام.”
وجدير بالذكر أنَّ تمرين «التعاون الإقليمي» يعد أكبر تمرين عسكري بين الولايات المتحدة وبلدان وسط وجنوب آسيا، وهكذا تعتبره الجيوش المشاركة خير سبيل لبناء شراكات عظيمة الفائدة للتغلب على التحديات الأمنية الإقليمية.
وأعرب المقدم ريتشارد ويكس، المخطط الرئيسي لتمرين «التعاون الإقليمي 21»، عن فخره بنجاح نسخة حزيران 21.
فيقول: “يستطيع الإنسان تعليم شيء للآخرين وتعلم شيء منهم.”
التعليقات مغلقة.