تحت المجهر إعادة إعمار أفغانستان بواسطة Unipath في أكتوبر 21, 2020 شارك Facebook Twitter استقرار أفغانستان سيعود بالنفع على منطقة جنوب ووسط آسيا بأسرها الأستاذ الدكتور أديب فرهادي | الصور بعدسة وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي إميجز تُولي الولايات المتحدة أهمية كُبرى لقضية “التنافس بين القوى العظمى” في وضع سياستها الخارجية، وتجلّى هذا المفهوم على الساحة الأمريكية مؤخراً في استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 والاستراتيجية الوطنية للدفاع لعام 2018، حيث يُلزم الدولة باحتواء الطموحات التوسعية للصين وروسيا في مناطق مثل وسط آسيا وأفغانستان. إلّا أن هذا التحوّل في استراتيجية الولايات المتحدة يطرح آفاقاً لتسوية الأمور العالقة، إذ يُلزم الولايات المتحدة “بالبحث عن مناطق للتعاون مع المنافسين انطلاقاً من مركز قوة، ويأتي ذلك في المقام الأول عن طريق التأكد من تفوقها العسكري وتكاملها التام مع حلفائنا.” وتأتي أفغانستان ضمن المناطق التي يلزم فيها تحقيق التعاون، وتوافق الرؤى والاتجاهات، وتبادل الموارد. إن موقع أفغانستان المحوري، وتعدد ثرواتها الطبيعية، ووضعها الأمني الخطير يجعل منها بؤرة منطقية لإرساء قواعد السلام والاستقرار في المنطقة برمتها. عرف الدكتور فريدريك ستار في السنوات الأخيرة بتأييده لمشروع “استراتيجية طريق الحرير الجديد” لإنعاش أفغانستان ودول الجوار، ويلخّص هذا الرجل الأكاديمي النهج الذي تتبناه الولايات المتحدة في التعامل مع المنطقة على النحو التالي: أفغانستان تحتفي بتعدد ثرواتها المعدنية، ومنها الزمرد، ولكنها تتعطش للاستثمارات الأجنبية لتحديث قطاع التعدين بها. “تركّز الاستراتيجية الجديدة على دعم الولايات المتحدة لسيادة بلدان وسط آسيا واستقلالها، وتشجّع على نمو التعاون الإقليمي فيما بينها، وتضع خطوات إيجابية لتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي. كما تدعم توسّع العلاقات بين بلدان وسط آسيا وأفغانستان، وتركّز على أهمية الشراكة بين بلدان المنطقة لإحراز التقدم في الموضوعات الحساسة مثل حقوق الإنسان والحرية الدينية.” وقد عقد مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع جامعة جنوب فلوريدا مؤتمراً في كانون الثاني/ يناير 2020، ركّز فيه الخبراء من الأوساط الأكاديمية والحكومة والجيش على أهمية الموقع الاقتصادي والجيوسياسي لأفغانستان في المنطقة في سياق التنافس بين القوى العظمى. وقد شهدت أفغانستان حروباً على مدار عقود، وانتقلت تداعياتها إلى أراضي دول الجوار في شكل زعزعة الاستقرار السياسي، وأزمات اللاجئين، والتهديدات الإرهابية، والضغوط الاقتصادية، والاتّجار في المخدرات، وغيرها؛ ولذلك بات التخلص من مصادر زعزعة الاستقرار من باب المصلحة الوطنية للجميع. فقد تسببت تجارة المخدرات في أفغانستان في معاناة الملايين من الروسيين والإيرانيين والباكستانيين من إدمان الأفيون الذي يُزرع ويُجهّز في أفغانستان، ويمثل ضبط المواد المخدرة والقبض على المجرمين الذين يهرّبونها واحداً من جوانب التعاون التي تتجاوز حدود الصراعات القومية. وقد قامت الولايات المتحدة وروسيا في الواقع بتنسيق جهودهما — ومنها التدريب المشترك لقوات الأمن بوسط آسيا — لمكافحة تجارة المخدرات. وعلاوة على ذلك، فقد أسفرت الحروب الدائرة في أفغانستان عن خروج أفواج مستمرة من اللاجئين إلى باكستان وإيران اللتين آوتا الملايين من المواطنين الأفغانيين الذين فروا من منازلهم، ومن شأن توقف الأعمال العدائية في أفغانستان أن يسمح بعودة الكثير من هؤلاء المواطنين الذين تعرضوا لضغوط شديدة إلى وطنهم، وتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن دول الجوار لأفغانستان. ويمكن أن يأخذ التعاون أشكالاً كثيرة؛ إذ لا يتعلق تحقيق الاستقرار في المنطقة، في نواحٍ كثيرة، بالمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة والقوى الأخرى بقدر ما يتعلق بممارسة دور القيادة و”حشد القوة“ للتنسيق بين الحكومات ومؤسسات الأعمال والمنظمات غير الحكومية المهتمة بمساعدة المنطقة. وسيراً على هدي التدريب الروسي الأمريكي المشترك في مجال مكافحة المخدرات، فيمكن للبلدان أن تتخذ خطوات لتخفيف أعباء الفقر وعدم الاستقرار عن كاهل دولة أفغانستان التي ليس لها منافذ بحرية، مع تجنيب المنطقة في الوقت ذاته تداعيات هذه الأعباء عليها. ويمكن أن تأخذ تدابير إرساء قواعد السلام شكل برامج التنمية الاقتصادية مثل التنقيب عن المعادن الأرضية النادرة، وخط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند، وطريق الحرير الجديد. أوزبكستان أنشأت أول خط للسكك الحديد يصل إلى أفغانستان، إلّا أن المستثمرين يطالبون بمزيد من الاستقرار لمواصلة مد خطوط السكك الحديد في البلاد. فقد أكدت فرق البحث الجيولوجي الأمريكية والأفغانية عام 2010على وجود كميات كبيرة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب في مناطق عدة في أفغانستان، إلّا أن أهم اكتشاف يتعلّق بالمعادن الأرضية النادرة، هو الليثيوم الذي يعد مورداً شديد الأهمية للاقتصاد العالمي الحديث. فكثيراً ما دخل الليثيوم في صناعة الزجاج والخزف، لكنه أثبت فعاليته في صناعة الأدوية، ويدخل في صناعة بطاريات أيون الليثيوم التي تستخدمها مليارات من الهواتف المحمولة. وتأتي أفغانستان ضمن قائمة البلدان الأكثر إنتاجاً لمعدن الليثيوم، ويمكن أن يتجاوز الطلب على الليثيوم معدلات إنتاجه عام 2020، وتستعد أفغانستان لاستغلال هذه الفرصة، وذلك حسبما ذكره السيد جيفري رييفز من معهد غريفيث آسيا. وتتراوح قيمة هذا المعدن من تريليون إلى 3 تريليونات دولار لأفغانستان، وذلك وفق تقديرات السيد عمر شيراز، كبير المحللين السياسيين للعلوم والتكنولوجيا لمنظمة التعاون الإسلامي. ويمكن لمثل هذه الثروة الجديدة أن تغير الاقتصاد الأفغاني للأبد، إذ لا يتخطى النشاط الرسمي للاقتصاد الأفغاني في الوقت الراهن حاجز الـ 20 مليار دولار سنوياً. وقد أمدّت الجهات المانحة الأجنبية أفغانستان بنسبة كبيرة من ميزانيتها، ويمكن أن يوفّر استخراج الليثيوم جرعة التنشيط الاقتصادي اللازمة لخلق آلاف الوظائف للشعب الأفغاني، وتحفيز الاستقرار السياسي عن طريق الصادرات الشرعية والضرائب، والقضاء على التطرف الذي يتسرب إلى دول الجوار. وتتمثل تحديات استخراج هذه المعادن الأرضية النادرة بصورة كبيرة في عدم توفر البنية التحتية في أفغانستان ووضعها الأمني الخطير؛ إذ تسببت البنية التحتية المتدنية بالفعل في ضياع الفرص وعرقلة النمو، وقد أضافت أفغانستان ثمانيَ محافظات في الشبكة القومية للكهرباء، ولكنها ما تزال تحتاج إلى شراء المزيد من الكهرباء من دول الجوار لتوفيرها في شتى أرجاء البلاد. وضاعت في المنطقة بأسرها مليارات الدولارات بسبب عدم القدرة على توفير الكهرباء لتشغيل الأعمال التجارية والمصانع، ومثال ذلك أن دولة قيرغيزستان تنتج فائضاً من الكهرباء وتريد بيعه إلى جيرانها في الجنوب، إلّا أن عدم توفر البنية التحتية يحول دون ذلك. وقد تسببت هذه المخاوف ذاتها في عرقلة إتمام خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند للغاز الطبيعي والذي سيمر بهذه البلدان الأربعة، وقد وصف الخبراء هذا المشروع بأنه ”طريق الحرير الجديد للطاقة“ لأنه سيساهم في توفير الطاقة النظيفة نسبياً والمستدامة والموثوق فيها للمنطقة بأسرها. ومن شأن إشراك أفغانستان في هذا المشروع ألّا يمدها بالوقود فحسب، وإنما سيخلق أيضاً الفرص الاقتصادية في شكل توفير فرص العمل والعائدات الاقتصادية، وكذلك تعزيز الربط الإقليمي في شكل زيادة التجارة بين بلدان المنطقة؛ مما سيؤدي بدورة إلى تعزيز استقرار المنطقة بأسرها. المزارعون الأفغانيون يستخلصون عصارة الأفيون، وقد تسببت المخدرات التي تُصنع في أفغانستان في إدمان الملايين حول العالم للمخدرات؛ ولذلك تحتاج عملية مكافحة المخدرات إلى تضافر الجهود الدولية. وينبغي تناول المشروعات سالفة الذكر عن طريق التعاون بين البلدان في إطار عملية تحقيق السلام؛ فقد تحدّث الدكتور فريدريك ستار والدكتور بارنيت روبين في «مؤتمر التنافس بين القوى العظمى» في فلوريدا عن أهمية عملية الربط بين بلدان المنطقة لتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان. وجدير بالذكر أن الجيش الأمريكي أحرز تقدماً كبيراً من خلال جهوده الرامية إلى استقرار أفغانستان في الفترة من عام 2001 إلى 2020. ومع ذلك أكد القادة السياسيون والعسكريون بالولايات المتحدة على الحاجة إلى مشروع طريق الحرير الجديد والشامل لتحقيق الاستقرار الدائم في أفغانستان ووسط آسيا. فمن شأن طريق الحرير الجديد أن يعيد فتح طرق التجارة العابرة للقارات والتي لم تستغلها أفغانستان الاستغلال الأمثل على مدار قرون من الزمن، إذ يجعل من موقعها المحوري ملتقىً حيوياً لشبكات النقل التي تمتد من أوروبا إلى جنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وشرق آسيا. وتَعد أوزبكستان، على سبيل المثال، بزيادة توسيع شبكة السكك الحديد ناحية الجنوب وصولاً إلى أفغانستان. وستستفيد أفغانستان، كما هي الحال مع مشروع خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند، من تحسين النفاذ إلى الأسواق الأجنبية، وستحصل الحكومة الأفغانية على تدفق دائم من الدخل الوارد من الضرائب والرسوم والذي لا غنىً عنه لتحقيق الرخاء في المنطقة بعد إنهاء الصراعات. ويمكن أن يصبح إبرام اتفاق للسلام بين الولايات المتحدة وطالبان في شباط/فبراير 2020 إيذاناً بخطوة جديدة في سبيل تحقيق الاستقرار في أفغانستان، وقد أعربت الكثير من الجهات الدولية الفاعلة، ومنها القوى العظمى، عقب الإعلان عن تفاصيل الاتفاق، عن أملها في أن يؤدي هذا الاتفاق في النهاية إلى تحقيق السلام والرخاء والاستقرار. ولا تقتصر فوائد هذا الاتفاق على أفغانستان، وإنما تشمل المنطقة بأسرها. Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.