جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية
اسمحوا لي أن أستهل كلامي بأن أعرب عن خالص امتناني لقيادة مملكة البحرين الرشيدة على استضافتها الكريمة لهذا الحدث ومنحي شرف إلقاء هذه الكلمة على مسامعكم. كما أود أن أعرب عن تقديري للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومنظمي مؤتمر «حوار المنامة» لاحتضان هذا المنبر المهم الذي يجمع وزراء الحكومات وصانعي السياسات والخبراء والمؤثرين في منتدىً فريدٍ من نوعه لمناقشة القضايا الجوهرية في السياسة الخارجية والدفاع والأمن في الشرق الأوسط.
وبالانتقال إلى الموضوع شديد الأهمية المتمثل في السياسة الجديدة لأمن الطاقة، أود أن أؤكد من جديد أنه يحتل مكانة بارزة في سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الدول ركيزة أساسية في عالم النفط والغاز، وتكفل أمن الطاقة في العالم.
ومن الأهمية بمكان أن ندرس أوضاع أمن الطاقة في عالم اليوم، ويمكن أن تُعزى إلى عدد من العوامل:
- الصراع التقليدي
- عدم وجود خطط بديلة
- السردية المضللة بأن مصادر الطاقة البديلة يمكن أن تحل محل الوقود الأحفوري
- سنين من ضعف الاستثمار
أثبتت دول الخليج على مدى عشرات السنين أنها شريكة يُعتمد عليها في مجال الطاقة، ولطالما التزمت بتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. ومن الجدير بالذكر أن بعض هذه الدول اتخذت تدابير استثنائية في حرب العراق وإيران في ثمانينيات القرن العشرين، مثل تغيير أعلام ناقلات النفط الخاصة بها، لحماية تدفق النفط في ظل المخاطر التي تعرَّضت لها سفنها.
وفي الآونة الأخيرة، سلطت أزمة الحرب الأوكرانية الضوء على أهمية دول مجلس التعاون في الحفاظ على أمن الطاقة، وأظهرت دول المجلس صلابتها وحافظت على استمرارية العرض واستقراره في ظل التحديات الجسام التي لا تزال تلقي بظلالها على أسواق الطاقة، ومثال ذلك أن طرق تجارة النفط والغاز خرجت من المنطقة إلى أوروبا وأماكن أخرى.
وفي نفس السياق، لا بدَّ من التأكيد على أهمية الحفاظ على أمن الممرات المائية، لأن ذلك من العوامل الحيوية والأساسية لضمان أمن الطاقة إقليمياً وعالمياً، إذ تشكل هذه الممرات شرايين النقل البحري التي تضمن تدفق منتجات الطاقة إلى الأسواق العالمية، وأي تهديد أو توقف لها قد يُحدث اضطرابات شديدة في أسواق الطاقة، ولذا فإنه على الدول والمنظمات الدولية توحيد صفوفها لحماية هذه الممرات من التهديدات العسكرية أو القرصنة أو الكوارث البيئية.
وعلينا التأكيد على المساعي الاستراتيجية التي تبذلها دول الخليج لتعزيز أمن الطاقة، مثل التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، والاستثمار بقوة في البحث والتطوير لحلول الطاقة المستدامة، والاهتمام بممارسات ترشيد الطاقة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص في المشاريع المشتركة. كما تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أهمية إمدادات الطاقة التقليدية على المدى الطويل لتأمين مصادر الطاقة وتوفرها بأسعار ميسورة. ولكن تبنت الدول الأعضاء الست أيضاً مصادر الطاقة المتجددة، كما يتضح من خطط التنمية الوطنية في كل منها.
أرجو أن تسمحوا لي أن أسلط الضوء على بعض خطط ومشاريع الطاقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الخطط والمشاريع تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة الـ 17 للأمم المتحدة، وخاصة الهدف السابع: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، وتتماشى مع اتفاقية باريس:
- تستهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 استخدام مزيج من مصادر الطاقة، يجمع بين مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لتلبية المتطلبات الاقتصادية والأهداف البيئية لدولة الإمارات على النحو التالي: 44% طاقة نظيفة، 38% غاز، 12% فحم نظيف.
- تهدف البحرين إلى تحويل نسبة 20% من طاقتها إلى طاقة متجددة بحلول عام 2035 والوصول إلى محايدة الكربون بحلول عام 2060، وتتضمن خطتها تنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتهدف إلى توليد نسبة 5% من كهربائها من مصادر متجددة بحلول عام 2025.
- تلتزم رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بالطاقة النظيفة والاستدامة، وتتصدر جهود التصدي لتحديات الطاقة والمناخ، وينصب تركيزها على الحلول المبتكرة مثل اقتصاد الكربون الدائري، والحرص على تنويع مصادر الطاقة بحيث يأتي 50% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
- أعلنت سلطة عُمان في عام 2022 أنها تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050 وبدأت في تقليل استخدام الوقود الأحفوري في مزيج طاقتها المحلي. وفي ضوء تحليل المشاريع العالمية الجارية، فإن عُمان تسير على الطريق الصحيح لتصبح سادس أكبر مُصدِّر للهيدروجين على مستوى العالم والأكبر في الشرق الأوسط بحلول عام 2030.
- أما رؤية قطر الوطنية 2030، فتستهدف توليد نسبة 20% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
- وأخيراً وليس آخراً، تهدف الكويت إلى توليد نسبة 15% من إجمالي ناتج الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2035.
تجاهل صناع السياسات في الاقتصادات المتقدمة كثيراً تحذيرات قطاع النفط والغاز من نقص الاستثمار، وأسرفوا في وضع ثقتهم في مصادر الطاقة المتجددة، فتراجعت الاستثمارات في مجال النفط والغاز تراجعاً ملحوظاً بين عامي 2014 و2021، ولا بدَّ من التعجيل بتصحيح ذلك من أجل ضمان أمن الطاقة وسد أي ثغرات، فالعالم لن يستغني عن النفط والغاز في المستقبل المنظور لتلبية الطلب المتزايد.
وأكدت منظمة أوبك على ذلك مؤخراً في تقرير «التوقعات العالمية 2023»، إذ توقع أن يزداد الطلب على الطاقة بنسبة 23% من الآن وحتى عام 2045، وتوقع أن يلبي النفط والغاز ما يزيد على 50% من احتياجات الطاقة العالمية بحلول ذلك الوقت.
أما قطاع النفط وحده، فترى أوبك أن متطلبات الاستثمار تبلغ 14 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2045؛ أي ما يعادل 610 مليار دولار سنوياً. إنه لمن الأهمية أن يتحقق ذلك بما يعود بالنفع على المستهلكين والمنتجين والاقتصاد العالمي، وعلى أمن الطاقة العالمي.
ولهذه الغاية، أود أن أختم كلامي بالملاحظات الأربع التالية:
- أود أن أؤكد على ضرورة تعزيز التعاون الدولي، مثل حماية البنية التحتية للطاقة وطرق النقل، فضلاً عن مواجهة التهديدات المحتملة، سواء أكانت عسكرية أم سيبرانية.
- أود أن أؤكد على أهمية الرؤية طويلة الأجل لضمان أمن الطاقة، بغض النظر عن الصراعات الحالية كالحرب بين روسيا وأوكرانيا أو غيرها من التحديات قصيرة المدى. ولا بدَّ من تعزيز التعاون والشفافية بين المنتجين والمستهلكين لضمان استقرار أسواق النفط.
- على الرغم من الجهود الجديرة بالثناء التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي للنهوض بدور مؤثر في المجتمع العالمي، أود أن أوضح أن مواجهة التحديات المستقبلية تتطلب تحالفاً عالمياً واسع النطاق، لأن أي انقطاع في إمدادات الطاقة يشكل تهديداً للدول كافة، بغض النظر عن وضعها التنموي.
- وأخيراً، أود أن أسلط الضوء على أهمية أن ندرك أن أمن الطاقة يعتبر ركيزة من ركائز الأمن الوطني والدولي، وأي هفوة في أمن الطاقة تؤثر في منظومة الأمن.
التعليقات مغلقة.