آسيا الوسطى تواجه التطرف الالكتروني
تتطلب مكافحة الإرهابيين عبر الإنترنت التركيز على التكنولوجيا والتوعية والتنمية الاقتصادية
سلطنات بيرديكيفا
تم جذب الآلاف من المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق وأفغانستان. تشير القصص الواردة من بلدان مثل فرنسا وبريطانيا العظمى إلى تدفق الرجال والنساء لدعم داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية ليشكلوا بذلك خطراً يتهدد أمن أوروبا بمجرد عودتهم إلى بلادهم.
إن دول آسيا الوسطى — كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان — ليست بمنأى عن هذه المشكلة.
يُعد الضلوع في أنشطة متطرفة وإرهابية جريمة في بلدان آسيا الوسطى عقوبتها السجن. ولمنع تجنيد الإرهابيين ركزت الحكومات الإقليمية على عالم الإنترنت، لإصرارها على أن الإنترنت — ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص — هي أداة رئيسية وراء التطرف وتجنيد الإرهابيين من المنطقة.
وعلى الرغم من عمليات التجنيد التي تمت في المساجد المحلية وعن طريق الأسر، والأصدقاء والجيران والأقارب والأئمة والعمال المهاجرين من آسيا الوسطى في روسيا إلا أن نسبة كبيرة منهم تم تجنيدهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الماسنجر على شبكة الإنترنت. ويتشكك بعض المراقبين في الدور الذي يؤديه الإنترنت في عملية التجنيد، إلا أن قلة منهم تنكر حقيقة أن الويب يؤدي على الأقل دوراً جزئياً في تغذية التطرف العنيف.
التحديات المشتركة
تكافح جميع بلدان آسيا الوسطى السهولة التي يصل بها المحتوى المتطرف على شبكة الإنترنت ولاسيما المحتوى الموجود على المواقع المسجلة في نطاقات في الخارج.
تم استخدام مواقع تويتر والفيس بوك والتليجرام والانستجرام، والأدنوكلاسنيكي وفي كونتاكت (الاثنان الاخيران هما من مواقع وسائل التواصل الاجتماعي الروسية) كأدوات للتجنيد في آسيا الوسطى. لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي على الإرهابيين القيام بعمليات التجنيد – إذ يمكنهم جمع المعلومات الشخصية للعديد من المستخدمين وجهات الاتصال بالأشخاص الذين يتركون تعليقات على منشوراتهم. ولا تقتصر جهود التجنيد في آسيا الوسطى على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب. إذ استخدمت كذلك تطبيقات الهاتف والحواسيب مثل سكايب وواتساب وزيلو وفيبر وبالرينغو كأدوات يستغلها الإرهابيون للاتصال وتنسيق الإجراءات وتجنيد الأتباع.
في ضوء نجاح رسائل الإرهابيين وعمليات التجنيد التي يقومون بها عبر الإنترنت في آسيا الوسطى وغيرها، كيف نجحت الآراء المتطرفة في كسب الأتباع في منطقة تشتهر بممارستها غير العنيفة والمتسامحة لتعاليم الإسلام؟ ثمة عوامل عديدة ساهمت في تلك الظاهرة.
تعد وعود التمتع بالرفاه المادي والشعور بالهدف والانتماء من الموضوعات الأساسية التي يستغلها الإرهابيون في آسيا الوسطى. وتظهر هذه المشكلة بين العمال المهاجرين من آسيا الوسطى في روسيا، الذين جعلتهم خبرتهم في العداء والتمييز وعدم وجود أسرة وانعدام شبكة الأمان الاجتماعي أهدافاً للمجندين الإرهابيين.
وفضلا عن ذلك ثمة عامل آخر يسهم في عمليات التجنيد التي تتم في آسيا الوسطى هو الافتقار إلى المعرفة بالإسلام، وهي حقيقة كشفت عنها الدراسات الاستقصائية التي أجريت مؤخرا. وبينما قمعت الحكومة الدين في ظل الاتحاد السوفييتي أعاد العديد من الأفراد في مختلف أنحاء آسيا الوسطى اكتشاف عقيدتهم الإسلامية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
تزاول مئات الجماعات ذات الصلة بالإسلام نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويروج الكثير منها تآويل مشوهة متطرفة وعنيفة للإسلام دون أن يكون لها صلات واضحة بالمنظمات الإرهابية. وتستطيع تلك الجماعات تجنب الحظر بفضل مسؤوليّ مواقع التواصل الاجتماعي. إن الافتقار إلى المعرفة الدينية يجعل العديد من الشباب عرضة للدعاية والتفسيرات المتطرفة للدين.
غير أن الفقر والمشكلات الاجتماعية والجهل ليست الأسباب الوحيدة وراء ذلك. إذ نجح القائمون على تجنيد الإرهابيين في ضم أشخاص متعلمين وأثرياء نسبياً إلى صفوفهم.
قيرغيزستان
ظلت قيرغيزستان تعاني من التطرف وتجنيد الإرهابيين في الفضاء السيبراني. لقد جند تنظيم داعش معظم أفراده من قيرغيزستان عبر الإنترنت. وفقاً للأبحاث التي أجرتها مؤخرا “منظمة البحث عن أرضية مشتركة في قيرغيزستان”، فإن الجماعات المتطرفة والإرهابية المحظورة في البلاد تعتمد اعتماداً شديداً على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية بين الشباب. تتمثل القنوات الرئيسية للتجنيد على الإنترنت في قيرغيزستان في موقع اليوتيوب والفيسبوك وأودنوكالاسنيكي وفي كونتاكت.
يرى محللون من قيرغيزستان بأن حجب مواقع المنظمات الإرهابية، الذي يعد الطريقة الرئيسية لمحاربة التطرف على الإنترنت، لا يعدو كونه مجرد وسيلة راحة مؤقتة إذ تعاود الرسائل الإرهابية إلى الظهور مجددا في أماكن أخرى على شبكة الإنترنت. يمكن أن يؤدي حجب المعلومات عبر الإنترنت إلى دفع الدعاية الإرهابية إلى ما يسمى بالشبكة المظلمة – أي المواقع الإلكترونية السرية التي تعمل على نظام مشفر – مما يجعل تعقبها شبه مستحيل. بل والأصعب من ذلك منع الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي الموجودة على أجهزة الخادم الأجنبية. أكد المشاركون في ندوة 2017 التي عُقدت في بيشكيك والتي خُصصت لمكافحة التطرف عبر الإنترنت على أن إحدى طرق اجتثاث شأفة التطرف والتجنيد تتمثل في برامج التوعية التي تعلّم التفكير النقدي وفهم السبل التي يمكن أن تتلاعب بها المعلومات التي تبث عبر الإنترنت بالعواطف.
تشمل الردود الرسمية على الرسائل المتطرفة والتجنيد القيام بدعاية مضادة والتعاون بين أجهزة الدولة مع القادة الدينيين لمنع التطرف العنيف في قيرغيزستان. ولملء الفجوة التثقيفية والتوعوية كثف “المجلس الروحي للمسلمين” دوره في نشر الوعي بين المسلمين حول الإسلام. وفقاً للمفتي الأعلى لقيرغيزستان، ماكستاتبيك كاجي توكتوموشيف، عقد المجلس الروحي أكثر من 800 فعالية تثقيفية في جميع أنحاء البلاد في عام 2015 خصصت للتصدي للتطرف والإرهاب وحوالي 6000 فعالية في عام 2017.
وإدراكاً لحجم التهديدات التي تشكلها الدعاية والتجنيد عبر الإنترنت، أنشأت قيرغيزستان مركزًا للتحليل الأمني في عام 2017. ويجري المركز أبحاث حول التهديدات الأمنية السيبرانية القائمة، بما في ذلك الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت. وسيساعد المركز اللجنة الحكومية لتكنولوجيا المعلومات في وضع أول استراتيجية على الإطلاق للأمن السيبراني في البلاد وهي ما تزال قيد الإعداد. لقد كشفت صياغة الإستراتيجية السيبرانية في قيرغيزستان عن إفتقار البلاد إلى الخبرة الفنية واللاهوتية للتعامل مع المحتوى الديني وكيفية القيام بالدعاية المضادة على الإنترنت.
طاجيكستان
كان 80% تقريبًا من الطاجيك الذين انضموا لتنظيم داعش مهاجرين يعملون في روسيا. وأدت الوظائف منخفضة الأجر والأعباء اليومية والبيئة الثقافية واللغوية غير المألوفة إلى جعل بعض الطاجيك عرضة للتجنيد. كما تساعد الإنترنت والهواتف النقالة والتطبيقات اللاسلكية، مثل زيلو، في تجنيد الإرهابيين داخل طاجيكستان.
ومع ارتفاع معدل المواليد ودخول نحو 200 ألف شاب إلى سوق العمل كل عام، تعتمد طاجيكستان على أموال التحويلات من العمال المهاجرين. لقد أغرت أشرطة الفيديو الدعائية التي صورت حياة سعيدة وآمنة في “الدولة الإسلامية” – مقارنة بواقع حياة المهاجرين في روسيا – بعض الطاجيك وعائلاتهم بالذهاب إلى سوريا.
ويساور القلق السلطات الطاجيكية إزاء تصاعد الإرهاب داخل البلاد، خاصة على ضوء مقتل اثنين من الأمريكيين واثنين من راكبيّ الدرجات الأوروبيين بالقرب من العاصمة دوشانبي في يوليو 2018، وهو الهجوم الذي أعلن تنظيم داعش عن تنفيذه.
كثفت الحكومة الطاجيكية جهودها لمكافحة الإرهاب والرسائل المتطرفة منذ عام 2015. وشكلت مقرا لمكافحة الإرهاب والتطرف تابع لمكتب المدعي العام. لقد أصبحت جميع وكالات إنفاذ القانون التي تتعامل مع الإرهاب جزء من ذلك المقر حالياً. في عام 2016 وافقت طاجيكستان على استراتيجية وطنية لمكافحة التطرف والإرهاب للفترة 2016-2020 بمساعدة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. حددت الاستراتيجية هدف الدولة في فهم العوامل التي تسهم في التطرف والتعامل معها.
كما تقوم طاجيكستان بتوعية الأئمة بشأن وسائل التكنولوجيا والإنترنت إلى جانب إنشاء صفحات على الفيسبوك والأودنوكالاسنيكي لتشجيعهم على القيام بالدعاية المضادة للتصدي للتطرف الديني. وعُقدت هذه الدورات التدريبية بالتعاون مع معهد الإبلاغ عن الحرب والسلام في خمس ولايات في طاجيكستان. كما أعلنت الحكومة العفو عن أولئك الذين أعربوا عن ندمهم لانضمامهم إلى تنظيم “داعش” وأرادوا العودة إلى طاجيكستان. وهو ما فعله ما يربو على 100 مواطن طاجيكي حتى الآن.
أوزبكستان
التعليقات مغلقة.