رسالة قائد مهم
أود في البدء أن أشكر القيادة المركزية الأمريكية على هذه الدعوة الكريمة لكتابة افتتاحية هذا العدد من مجلة يونيباث الذي يتحدث عن الشراكة والتعاون الدولي. نحن في العراق لمسنا ثمار هذه الشراكة إذ وجدنا شركاءنا يقفون معنا جنباً إلى جنب أثناء أخطر مرحلة في تاريخ العراق الحديث عندما اجتاحت عصابات داعش مساحات شاسعة في شمال وغرب العراق. وبفضل بسالة وصمود قواتنا المسلحة واستجابة طيران قوات التحالف السريعة لشل تقدم العصابات الإرهابية وقطع خطوط الإمداد ومراكز القيادة والسيطرة للعدو، بدأت قواتنا ملحمة إعادة بناء القوات المسلحة بمساعدة مدربين وخبراء من قوات التحالف. وعملنا مع قوات التحالف على مدار الساعة لتدريب القطاعات وتجهيزها قبل توجهها للمعركة وإعادة تنظيم الوحدات بعد انتهاء المعارك وتجهيزها للمهام القادمة.
لقد تغيرت مفاهيم الحروب التقليدية، وأصبح العالم يواجه تحدياً كبيراً في مجابهة الحروب الهجينة، إذ يختبئ العدو داخل المدن ويستخدم تكتيكات حرب الشوارع؛ وهذا النوع من الحروب هو الأشد تعقيداً أمام الجيوش التقليدية، بسبب محدودية استخدام الأسلحة الثقيلة للحفاظ على سلامة المدنيين والممتلكات العامة. بيد أن العصابات الإرهابية تنشأ في المناطق التي تعاني من صراعات وتبني شبكات معقدة عابرة للحدود، مما يستوجب على الدول التركيز على الجانب الاستخباري والدخول في تحالفات رصينة يمكن من خلالها توسيع دائرة المتابعة لأماكن تواجد الإرهابيين، وملاحقة الجماعات المتطرفة وقطع تمويلها واستهداف قياداتها.
تمتلك القوة الجوية العراقية خبرات متراكمة من طيارين ومهندسين وفنيين، ولكن بسبب مغامرات النظام السابق عانت القوة الجوية من تدمير البُنى التحتية والمعدات. ونتيجة لذلك وجدنا أنفسنا أمام تحدٍ كبيرٍ بعد انتكاسة الموصل في عام 2014، بسبب نقصٍ كبيرٍ في الطائرات المقاتلة وانعدام البُنى التحتية الضرورية للقيام بعمليات قتالية ضد عصابات الإرهاب. فقد اضطر طيارونا الأبطال إلى الإقلاع من مطارات بعيدة جداً عن مسرح العمليات واستخدام طائرات قديمة لضرب الأهداف، مما جعل المهمة شاقة ومعقدة.
وهنا لا بدَّ أن أنوِّه إلى الدور المشرف لشركائنا في قوات التحالف، إذ استخدموا كل ما بوسعهم وأسرعوا بإيصال الدفعة الأولى من صفقة طائرات «إف-16»؛ فكان وصول هذه الطائرة الحديثة في عام 2015 بمثابة النصر الكبير للقوة الجوية العراقية. فما تمتلكه هذه الطائرة من تقنيات وقدرات قتالية عالية رفعت من معنويات جميع كوادر القوة الجوية وسهلت المهمة للطيارين والفنيين. وفي غضون أسابيع، كان صقور الجو يصطادون أهدافهم بدقة ومهنية عالية في مناطق لم يتوقع العدو أن نصل اليها.
وبعد انتهاء مهمة قوات التحالف القتالية، أصبحت القوة الجوية قادرة على تنفيذ الواجبات من مراقبة الشريط الحدودي وإسناد جوي قريب وضرب أهداف في عمق الصحراء وما زلنا نعمل مع الأصدقاء في القوات الجوية الأمريكية في عملية تدريب الطيارين والمهندسين في الولايات المتحدة وسائر دول الناتو لتطوير مناهج كلية القوة الجوية العراقية.
لم نتوقف عند إعادة البناء والتدريب، بل قمنا، ولأول مرة في تاريخ القوة الجوية العراقية، بتمرين جوي مشترك مع أصدقائنا في القوات الجوية الفرنسية. وفي خطوة هي الأولى من نوعها، هبطت طائرات الرافال الفرنسية في قاعدة بلد الجوية، واشتركت في تنفيذ التمرين الذي حضره القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. وهذا التمرين المهم بمثابة رسالة للإرهاب وجميع المشككين في قدرات القوات العراقية بأننا قادرين على دحر الإرهاب وبسط الأمن والاستقرار. ونعمل مع شركائنا الدوليين من أجل الاشتراك في التمارين الدولية التي تُقام في المنطقة.
ومن خلال زياراتنا المتكررة للقواعد الجوية في دول حلف الناتو والعمل عن كثب مع قادة القوات الجوية الصديقة، وجدنا أن العراق وصل إلى مستوى الدول المتقدمة من حيث التقنيات والصيانة وتحديث القواعد الجوية. وفي آخر زيارة لقيادة القوات الجوية التابعة للقيادة المركزية، اطَّلعنا أيضاً على مقرات العمليات والطائرات. كما حلَّقنا بطائرات «إف-16» المتطورة لإرسال رسالة لأعداء السلام.
وبسبب محدودية المقاعد الدراسية لطياري ومهندسي طائرات «إف-16» في الولايات المتحدة، بدأنا بالعمل مع الأشقاء في المملكة الأردنية لتدريب عددٍ من الطيارين والمهندسين. كما أننا منفتحين على دول الجوار ونود أن يكون فيما بيننا تعاون في تبادل الخبرات والتدريب؛ وهذا التعاون الإقليمي سيجلب لنا خبرات جديدة ويسرع في سد النقص.
إن بناء قوة جوية متكاملة ليس بالضرورة من أجل الاستعداد للحروب، بل كذلك من أجل استدامة السلام وإنقاذ الأرواح، إذ اضطلعت القوة الجوية العراقية بدور كبير في نقل اللوازم الإنسانية لسوريا وتركيا أثناء الزلزال المروع الذي ضرب المنطقة في شباط/فبراير 2023. فقام سرب طائرات «سي-130» بنصب جسر جوي بين العراق وسوريا وتركيا ما يقارب 24 يوماً، لنقل أكثر من 330 طن من اللوازم الطبية والغذائية والمنزلية، ونقل فرق البحث والإنقاذ التابعة لوزارة الداخلية، وإجلاء حوالي 400 مواطن عراقي من المنطقة المنكوبة، وبلغ عدد الطلعات الجوية 62 طلعة بمسافة إجمالية بلغت نحو 65,100 كيلومتر. كما قامت طائراتنا بإجلاء 392 من العراقيين والأشقاء العرب من السودان في غضون أسبوعين بعد اندلاع الحرب الأهلية في نيسان/أبريل 2023.
الفريق الطيار شهاب جاهد زنكنة، قائد القوة الجوية العراقية
التعليقات مغلقة.