إخواني وأخواتي العراقيين، أشقائي في الدول العربية والإسلامية وأصدقائي في دول العالم، أود أن أغتنم هذه الفرصة لتقديم هذا العدد من مجلة يونيباث لأحييكم جميعاً، وأشكر أعضاء التحالف الدولي في دعمهم المتواصل للعراق في حربه ضد الإرهاب، هذه الهجمة الشرسة التي يشنها الإرهاب ضد الحضارة الإنسانية، سواء من خلال اجتياح المدن، أو قتل الأبرياء بالمفخخات والإنتحاريين إلى الحرب الإعلامية على صفحات التواصل الإجتماعي، وقنوات التكفير والحقد الطائفي والفكر الإقصائي.
فمع إنتصارات قواتنا الأمنية في دحر داعش، نجد بعض هذه الأصوات النكرة تتباكى على الخسائر التي تتكبدها داعش، وأغلبية هؤلاء يناصرون هذا الفكر المريض لأسباب طائفية، وأخرى بسبب الانقياد بجهل خلف شعارات داعش الزائفة. وغالبًا ما نجدهم يظهرون على القنوات المشبوهه على أنهم خبراء ومحللين، وفي بعض الأحيان رجال دين يتباكون على جرائم وهمية بحق المدنيين على يد القوات المسلحة لكنهم كانوا صامتين لسنتين على مجازر داعش.
هذا الظهور هو جزء من الحرب ضد الشعب العراقي، فداعش يقاتل بالسلاح وهؤلاء يدعمونه بالتصريحات الكاذبة، وهذا الثنائي القذر سرعان ما يتحول إلى دعم مالي وتعاطف جماهيري وعربي وإسلامي. ولهذا السبب لابُد لي أن أتحدث معكم بكل صراحة، فالمرحلة التي تلي هزيمة داعش عسكرياً وتحرير مدننا هي مرحلة صعبة ومعقدة، فجميع المؤشرات تدل على أن داعش عاد لاستراتيجيته السابقة بتفجير الأسواق، وقتل المدنيين، والتغرير بفئه معينة من الشباب. ولم يتم العمل الجاد على استئصاله، حيث يجب محاربة الفكر المتطرف الذي أنتج داعش وأوجده؛ ليس بالجيوش بل بالفكر المعتدل.
وإذا قارنا نسبة الذين يثقّفون ويرّوجون للإرهاب مع من يعملون على دحض الأفكار الإرهابية لوجدنا الكفة تميل الى المروجين لداعش، خاصة على صفحات التواصل الإجتماعي، حيث المئات من المواقع يديرها جيش الكتروني يملك قدرات هائلة وأموال طائلة لكن هذا لايعني بأنهم الأغلبية، بل يعني بأن الأغلبية من المعتدلين اتخذوا موقف المتفرج ولم يقوموا بواجبهم الأخلاقي والشرعي بتكذيب وفضح الأكاذيب الإرهابية.
إن هذه المعركة المعقدة بحاجة إلى جهدٍ دولي كبير لإعادة بناء المجتمع من جديد، ونشر ثقافة التسامح، وعلاج الجرثومة التي بثها الإرهاب بين الناس، وكلنا يتحمل هذه المسؤولية الكبيرة حيث قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ.”
لا يختلف شخصان على أن الإرهاب بأفعاله القذرة هو أخطر نتاجات الحضارة الإنسانية خلال العقود المنصرمة! لكن الأخطر منه هو حشرة “العث” التي تنخر أفكارنا في الظلام، تحوك المؤامرات، وتفتك، وتخرب سرًا حتى يأتي البيت على ساكنيه على حين بغتة، واقصد هنا الأبواق المشبوهة التي تعمل على تدمير كل بناء قائم، وتحويل كل الإنتصارات العسكرية في العراق إلى منجز هش عبر سلسلة معقدة من الأدوار القذرة، فمع جريمة قتل الأبرياء بالمفخخات، هناك عمل تخريبي لا يقل بشاعةً، ألا وهو الإعلام المضلل الذي يبرر ويوفر ذلك الغطاء، بل ويجمله ويبرر قتل الأبرياء.
لا يمكن هزيمة الفكر بالمدافع والدبابات، لذلك يجب علينا أن نعمل بجدٍ في المرحلة القادمه لحماية المجتمع من الأفكار الإرهابية، والتركيز على المناطق المُحرَرة لأن الأطفال والشباب تعرضوا لعمليات غسل دماغ ممنهجة وخطرة. على الحكومة العراقية أن تعمل على إعادة بناء البنى التحتية وتوفير فرص العمل، وعلى المؤسسات الدينية أن تقوم بدورها في نشر المحبة والتآخي بين الناس، والحذر من الأفكار الدخيلة التي تُحرِّف معاني الكتب السماوية وتُغرِّر بالشباب.
وينبغي علينا أن نطلق حملةً تحث على المحبة والتسامح وقبول الآخر، وإحترام هيبة الدولة، وتطبيق القانون، ومساندة قواتنا الأمنية ودعمها بكل تشكيلاتها، والنظر لجهود التحالف الدولي نظرة احترام وتقدير، ولا بد أن يُسوق كل هذا عبر المؤسسات الإعلامية الرصينة؛ وهذا أقل ما نقدمه للتعبير عن تقديرنا.
الشيخ الدكتور خالد الملا
رئيس جماعة علماء العراق