ثلاثة أنواع من الإجراءات المضادة قد تساهم في مواجهة تجنيد داعش مقاتلين في صفوفها
د. سام مولينز/مركز جورج مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية، ألمانيا
تجاوز عدد المقاتلين الأجانب الذين هاجروا إلى سوريا للقتال في صفوف داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى 30 ألف مقاتل في أواخر عام 2015. وتنتمي أعداد ضخمة من المقاتلين الأجانب إلى الدول المجاورة لسوريا كتركيا والأردن والمملكة العربية السعودية نظرًا لتمتعها بحدود مشتركة مع المناطق الملتهبة في سوريا والعراق.
لكن المفاجئ هو عدد المقاتلين القادمين من دولة بعيدة مثل تونس، إذ يبلغ عددهم 6000 مقاتل يسهمون في زيادة وتيرة الإرهاب في الصراع السوري أكثر من أي دولة أخرى. كما ازدادت أيضًا أعداد الشباب المسافرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق – كالقوقاز وكازاخستان وطاجيكستان – إلى سوريا للانضمام إلى داعش إضافة إلى جالياتهم المهاجرة إلى أوروبا الغربية.
ويرى المحللون أن الإجراءات المضادة التي اتخذت لمنع تدفق المقاتلين الأجانب لم تحقق كل إمكاناتها على الرغم من صعوبة رصد الأرقام الحقيقية نظرًا للسرية التي تحيط بالأمر. وتنقسم هذه الإجراءات الوقائية إلى ثلاثة أقسام رئيسية بحسب اكتشاف الدولة للمقاتلين الأجانب واشتباكها معهم.
1. الوقاية
رغم التحديات الخارجية التي تواجه ذلك، فيجب أن تسعى الإستراتيجيات المضادة إلى منع تجنيد المقاتلين الأجانب قبل أن تتاح أمامهم فرصة للعمل، وتركز الإجراءات الرادعة بالأساس على الإعاقة والتدخل المبكر والمنع من السفر. ومن الأمثلة على الأعمال التي يجب استهدافها حيازة مواد تستخدم في تدريب الإرهابيين أو ترويجها، والمشاركة في أي تدريبات إرهابية داخلية، وجمع موارد مالية لدعم الإرهاب، والتعاون في دعم منظمات إرهابية أو المعاونة على الانضمام إليها، والمشاركة في الإعداد لأعمال إرهابية؛ حيث يمكن مقاضاة الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم قبل مغادرتهم البلاد. ومن أمثلة ما جرى كان القبض في شهر أغسطس 2015 على زوجين شابين من ولاية ميسيسيبي في الولايات المتحدة أثناء محاولتهما استقلال طائرة متجهة إلى تركيا بنية الانضمام الى داعش، ومع ذلك فالإجراءات القضائية الناجحة لا بد أن تقوم على أدلة كافية ومن الصعب جدًا في ساحة المحكمة إثبات النية المسبقة لارتكاب أعمال إرهابية.
وعندما لا تكون الإجراءات القضائية ذات جدوى يكون فرض عقوبات مصرح بها قانونًا من الإجراءات المشهورة بكثرة. ومن الأمثلة كذلك مصادرة جوازات السفر أو وثائق الهوية وتحديد تحركات الأفراد من خلال استخدام “الشهادات الأمنية” أو غير ذلك من الإجراءات المماثلة. وتعتمد هذه الإجراءات على المعلومات الاستخباراتية – وليست الأدلة – وهذا ما يجعلها أقل قيمة بالنسبة لوقت إمكانية تطبيقها. ومع ذلك فتقييد حرية الأشخاص دون محاكمة أمر محل خلاف، ففي بعض الحالات قد ينظر له على أنه أيضًا عقاب لأسر المشتبه بهم وبذلك فاجتماع هذه العوامل من شأنه تقويض مشروعية الحكومة وزيادة الشعور بالغربة لدى المجتمعات الضعيفة.

ومن الحلول الممكنة لهذه المشكلات فرض حظر على السفر إلى سوريا أو إلى غيرها من الأماكن بغرض القتال دون الحاجة إلى إثبات صلة الشخص بالإرهاب. وهذا أمر معقول بالطبع، فقوانين مثل هذه موجودة بالفعل في بلدان مثل السعودية وهولندا وتطبق في غيرهما من الأماكن. وتبقى معرفة ما إذا كانت هذه القوانين ستثبت فعاليتها أم لا.
وهناك خيارات أخرى متاحة مثل إبلاغ المشتبه بهم بأنهم تحت المراقبة وفرض الرقابة على المواد المنشورة إلكترونيًا وحظر المنظمات المتطرفة التي يظهر عليها أنها تساهم في دعم التطرف. إلا أن كل تلك المعاناة في العموم تمثل المسار البسيط لعلاج الأعراض بدلاً من الأسباب وقد ينتج عن ذلك المزيد من الامتعاض من الدولة، كما أن “مضايقة” المشتبه بهم يؤكد نظرتهم السلبية للعالم ومن المحتمل أن يزيد رغبتهم في مغادرة البلاد بدلاً من تقليلها. وفي الوقت نفسه قد يؤدي منع الناس بالقوة من السفر إلى إثارتهم فيتوجهون بإحباطهم إلى بلادهم، وهنا تبدو نجاعة الوسائل “الناعمة” المعتمدة على الإقناع.
تهدف الطرق الإقناعية التي يشار إليها عمومًا بمسمى جامع هو “مواجهة التطرف العنيف” إلى منع إغراء أطروحات المتطرفين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنح دور أكبر للمشاركة غير الحكومية. وتشمل الوسائل غير المباشرة أمورًا مثل مشروعات المساعدات والتنمية أو توفير التعليم والتوظيف سواء داخل البلاد أو خارجها. وقد تشمل في البلدان العلمانية مجهودات ترمي إلى زيادة دمج السكان المسلمين في المجتمع من خلال التعليم أو الإرشاد الفردي أو الحوار بين الأديان. ورغم عدم احتمالية أن يكون لهذه الإجراءات آثار مباشرة، فإنها قد تساعد على المدى الطويل في تقليل المظالم التي يستغلها المتطرفون القائمون بالتجنيد وتقليل حجم المجندين المحتملين الأكثر عرضة لانتهاج التطرف والانضمام لجماعاته.
أما الوسائل الإقناعية المباشرة فتشمل عددًا من المشروعات المناهضة للتطرف التي تتعامل على وجه الخصوص مع المتطرفين والتطرف. ومن الأمثلة عليها مشروع القناة الذي أقيم في المملكة المتحدة ويحدد الأشخاص المعرضين لانتهاج التطرف ثم يواجه معتقدات المتطرفين باستخدام آليات الدعم الاجتماعي والمبادرات المخصصة لمناهضة للتطرف.
كما يمكن أن تنشر الرسائل المضادة عبر الإنترنت، فحملة السكينة في المملكة العربية السعودية عملت على مخاطبة المتطرفين عبر الإنترنت منذ عام 2004 وحظيت ببعض النجاح في إقناع الناس بالتخلي عن العنف. وفي وقت لاحق توجهت حكومات غربية – بما فيها حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – إلى وسائل الإعلام الاجتماعي لتفكيك أطروحات المتطرفين.
وتتميز الجهود الإقناعية سواء كانت مباشرة أو افتراضية عبر الإنترنت، وسواء كانت وقائية أو غير وقائية بأنها ليست مطلقة ولا تخلو من آثار سلبية محتملة، فعلى سبيل المثال؛ تفتقر الحكومات العلمانية إلى المصداقية في الأمور الدينية. علاوة على احتمالية أن تؤدي مبادرات مواجهة التطرف العنيف إلى تفاقم مشاكل الشعور بالغربة وانتهاج التطرف عبر تعزيزها فكرة أن المسلمين هم “مجتمعات مشبوهة” في البلدان الغربية. كذلك من الصعب للغاية على الحكومات العلمانية أن تستعرض الصورة المركبة لشعوبها المسلمة وبخاصة عند اختيار شركاء غير حكوميين. علاوة على ذلك فأنه من شبه المستحيل قياس التأثير الحقيقي للحملات الوقائية إذ أنه لا توجد طريقة لتحديد ما إذا كان مستوى تجنيد المقاتلين الأجانب أعلى قبل التدخل أم لا. ومع ذلك فالفشل في مواجهة أطروحات المتطرفين الذي قد يمثل قبولاً للهزيمة في “حرب الأفكار” قد يعني في النهاية تفوق الفوائد المحتملة على التكلفة المبذولة.
2. الإدارة
لا يتوفر إلا عدد قليل نسبيًا من الخيارات المتاحة للأفراد الذين تركوا أوطانهم وانضموا إلى القتال مع الإرهابيين في سوريا أو غيرها. تتمثل المهمة الأساسية في الإجراءات الوقائية في التأكد من أن الشخص يشارك بالفعل في الصراع ومن ثم جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول خلفيته وأصدقائه، وكيف تم تجنيده، وكيف ذهب إلى سوريا، وأي الجماعات على وجه التحديد انضم إليها في الخارج، وماذا يفعل، وما إذا كان قد قتل في نهاية المطاف أم لا. ويصعب في العادة الحصول على تلك المعلومات، إلا أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المخصصة لمراقبة المتطرفين تعد نقطة بداية جيدة. وتتنوع استخدامات البيانات المجموعة كالتعرف على شبكات التجنيد والتسهيل، وبناء أسس للتقاضي، وإجراء تقدير للمخاطر لوقت عودة المقاتل إلى بلده، وهي استخدامات من شأنها أن تحدد كيفية السير في العمل. ويمكن كذلك استخدام المعلومات الشخصية لحث المقاتلين أو إجبارهم على العودة إلى أوطانهم.
يمكن في هذه المرحلة تطبيق العقوبات والتي من بينها حجب المنح الاجتماعية وتجميد الأصول المالية، الأمر الذي من شأنه أن يكبح تمويل الإرهاب، ويجبر بعض المقاتلين على العودة إلى بلادهم، ويردع الآخرين عن الانضمام كلية. وقد تشمل العقوبات الأشد إلغاء حق الإقامة ونزع الجنسية عن الشخص إن كانت لديه جنسية مزدوجة، وهو ما قد يمنع المقاتلين الأجانب النشطاء من العودة إلى البلاد، إلا أن مثل هذه العقوبات مثيرة للخلاف بدرجة كبيرة، إذ تظل درجة قدرتها على الردع محل شك، وأنها برغم احتمالية حمايتها للسكان المحليين على المدى القصير إلا أن الاستياء الناتج عنها قد يزيد خطر الإرهاب الداخلي على المدى الطويل.

