استخدام الألفاظ الخاطئة يُعزز من طرق السرد في الأعمال الدعائية الإرهابية
لا تنحصر الحرب ضد الإرهاب على المعارك التقليدية بقوة السلاح الذي يحمله الجنود، بل إنها تشمل أيضًا حرب الأفكار التي يكون السلاح فيها هو الكلمة. وقد انتبه لذلك
من يسعون لمحاربة كارثة داعش. وتمامًا كما يتحتم على الضابط اختيار السلاح المناسب لتنفيذ مهمة تكتيكية محددة، يلزم على المحاربين في معركة الأفكار اختيار الكلمات الصحيحة التي ستلحق الهزيمة بالعدو في هذه الساحة.
لكن لا يُعد اختيار الكلمات الصحيحة لوصف الإرهابيين وأعمالهم أمرًا بسيطًا في جميع الحالات، كما يبدو له. فقد يؤدي اختيار الكلمات الخطأ إلى تعزيز سرد الأحداث من جهة الخطاب الأرهابي. ولعل المثال الأكثر شيوعًا على ذلك هو استخدام الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لكلمة “صليبية” في 2001 لوصف الحرب التي كان قد شنها لتوّه على الإرهاب، والتي تشابهت دون قصد مع المصطلحات التي تتضمنها الأعمال الدعائية للقاعدة.
وقد أشار سمو الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك الأردن في أبريل/نيسان 2015 في إحدى المقابلات الشخصية أنه يكره استخدام كلمة “متطرفين” لوصف “الإرهابيين”، لأن الإرهابيين يجدون في هذه الكلمة “وسام فخر لهم”. فعلى سبيل المثال، في عام 2013، قتل مجموعة من “المتطرفين” البوذيين في بورما 250 مسلم ودمروا 442 منزل في إطار ثلاثة أيام من العنف الطائفي. وقد ذكرت صحيفة الجارديان أن الزعيم الراهب الذي يُدعى ويراثو يُطلق على نفسه اسم “ابن لادن بورما” وقد قال أيضًا إنه يفخر بتسميته متطرف بوذي.

يُفضل الملك عبد الله الإشارة إلى الإرهابيين ممن يهددون الأردن والدول المجاورة بوصفهم “خارجين عن القانون” أو “مرتدين” أو “خوارج” باللغة العربية، مُشيرًا إلى أن الإسلام كان قد شن حربًا ضد كارثة الخوارج الإرهابيين لأمدٍ طويل. وأضاف الملك عبد الله أنهم لا يعون شيئًا مما تحمله تعاليم الإسلام.
لكن معركة الأفكار هي عملية أكثر تعقيدًا من مجرد تسمية الإرهابي إرهابيًا أو المجرم مجرمًا. وقد أصبحت داعش أكثر مهارة في استخدام وسائل الاتصال الاستراتيجية. فقد صممت آلية دعاية ضخمة محمّلة برسائل شاملة. وللتغلب عليها، يجب علينا مواجهة الخطاب الأرهابي الذي تتبناها داعش. وسعيًا لفهم أعمال الدعاية الإرهابية الحديثة والتغلب عليها، يجب على التحالف أولاً فهم ما الذي يجعل بعض الرسائل تبدو جذّابة للمجندين والمتبرعين والمتعاطفين المحتملين. وفي ضوء هذا الفهم، فمن الممكن أن نضع رسائل لمواجهتهم على نحو أفضل كذلك استخدام المصطلحات التي تدحض سرد الإرهابيين للأحداث بدلاً من تعزيزها.
يشرح تقرير عام 2013 من مؤسسة كويليام – هيئة فكر لمواجهة التطرف كائنة بالمملكة المتحدة وأسسها متطرفون سابقون – كيف يُمكن للاستخدام غير الدقيق للمصطلحات والفهم الناقص للإسلام أن يؤدي إلى بث رسائل قد تدعم تفسيرات الإرهابيين دون عمد.
ووفقًا للتقرير “التأسلم واللغة: كيف يُمكن للكلمات الخاطئة أن تعزز الخطاب الأرهابي”، فإن الخطوة الأولى في تقويض طرق الخطاب الإرهابي هي “تجنب تكرار استخدام لغتهم.” كذلك فإن السياسيين ووسائل الإعلام في الغرب عادةً ما يكررون هذه الكلمات، وذلك وفقًا لما نُقل عن مؤسسة كويليام.
ويرد في التقرير خمسة أمثلة تشرح أهمية اللغة. “إن المشكلة لا تتعلق بالتصحيح السياسي، لكنها تتناول ضرورة تجنب عدم الدقة الذي يؤدي إلى دعم طرق خطاب المتطرفين وتعزيزها بصورة غير متعمدة.”
وتتمحور الأمثلة الخمسة الصادرة عن كويليام في عدم الدقة في استخدام كلمتي الإسلامية والمسلمين لوصف الأماكن والمفاهيم كما هو الحال في عبارة “العالم الإسلامي/ العالم المسلم” أو مجتمع المسلمين”. أما عن الأمثلة الثلاثة الأخرى فهم “بلاد المسلمين” و”الشريعة الإسلامية” و”كراهية الإسلام.”
وفي العموم فإن مثل هذه القائمة من المصطلحات مثيرة للمشكلات لأنها تُوحي بأن المسلمين في أي مكان هم كتلة مشابهة لبعضها، كذلك تُعزز مزاعم داعش والقاعدة بأنهم وما يتبنونه من أيدولوجيات يُمثل “العالم الإسلامي بأسره”. وتُستخدم هذه المصطلحات في العموم بوصف تعبيرات مختصرة للمقارنة بين الغرب و”العالم الإسلامي”، لكن يُمكن استخدامها أيضًا لدعم الخطاب الأرهابي للتنافس الثقافي والديني والذي يتطلب حشد المسلمين للدفاع عن الإسلام. وفي نفس السياق، فإن فكرة أن بلدًا ما يدعي بأنه “بلد مسلم” يُشجع ويعزز طرق السرد التي يتبناها المتطرفون وتمييزهم ضد البلدان غير المسلمة. وتقترح مؤسسة كويليام استخدام مصطلحات أكثر دقة مثل “المجتمعات الإسلامية حول العالم” و”البلدان ذات الأغلبية المسلمة.”
