تحليل الأعمال الدعائية لداعش يُساهم في مواجهة أيديولوجيتها الإرهابية
في إطار الأعمال الدعائية التي تعرضها داعش على مرأى ومسمع من الجميع عالميًا، نشرت هذه الجماعة الإرهابية صورًا لإعدام عدد هائل من الأبرياء وتدمير الكنوز التاريخية وسبي النساء. ولعل الهدف من نشر مقاطع الفيديو المذكورة على الإنترنت هو إثارة معارضيها وبث الرعب في نفوسهم.
لكن في خضم محاولاتها لحفر اسمها بجوار مثيلاتها من الجماعات المتطرفة، يميل القائمون على الأعمال الدعائية لها إلى استخدام أساليب أكثر حرفية للخداع البصري. وتهدف معظم هذه الأعمال الدعائية إلى تعزيز دعوتها لبناء الخلافة، أي المجتمع الفاضل الذي يُذعن لأحكام الدين والذي من المفترض أنها تعمل على بنائه في العراق وسوريا. ومن ثم تعرض هذه الدعاية أنصار داعش وهم يديرون الوزارات الحكومية والمحاكم والمدارس والمؤسسات الخيرية.
ومن أجل وضع وتنفيذ استراتيجية اتصالات وتغطية إعلامية لهزيمة داعش، سيتطلب الأمر ما هو أكثر من مجرد إدانة لجرائمها الوحشية. ويعتقد الكثيرون أن هذه المقاطع المفزعة مُصممة في جزء منها لصرف الانتباه عن الرسائل الأكثر رقة التي وظّفتها داعش بكفاءة لحشد أنصار لها.
وسيتحتم على التحالف متعدد الجنسيات في مواجهة داعش مراعاة أساليبها الأخرى لعرض الأحداث ـــ ثمّ التخطيط لاستراتيجيات خاصة بالرسائل الموجهة للعالم للتصدي لها.

”وللأسف ثمّة إجماع على أن الوحشية هي أقصى ما تُخلفه الأعمال الدعائية للدولة الإسلامية. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. وذلك لما لرسائلها السياسية من قاعدة عريضة، وفقًا لما ورد في تقرير صدر في شهر يوليو/تموز 2015 عن مؤسسة كويليام التي أسسها ماجد نواز وإد حسين ورشاد زمان علي، وهم أعضاء سابقون في حزب التحرير المتطرف. “فبجانب هذه الوحشية، فإن هذه الأعمال محمّلة بمشاعر الرحمة والمعاناة تحت وطأة الظلم والانتماء والنزعة العسكرية وبالطبع التطلع لبناء مجتمع فاضل.
الاستراتيجية الإعلامية لداعش
تعرض مقاطع الفيديو على الإنترنت رجالا مُلتحين يقومون برحلات صيد ويرعون الأغنام ويمهدون الطرق. وقد تكون مفاجأة لك أن تعرف أن هذه المقاطع لجماعة إرهابية دولية تعرض الجانب العملي من حياتها. إلا أن هذه هي نفسها داعش التي لم تتردد في نشر مقاطع فيديو لعدد هائل من عمليات الإعدام على الإنترنت.
لكن هذا كله جزء من استراتيجية نشر الرعب التي تبنتها آلية الإعلام للجماعة المُمولة تمويًلاً ضخمًا. فقد استعارت داعش أساليبها من مجالي التجارة والصناعة في العالم سعيًا منها لترسيخ اسمها في الأذهان على الصعيد العالمي. كذلك لم تقم داعش بنفسها على صناعة هذه المواد ونشرها، بل إنها لجأت إلى المتعاطفين معها حول العالم بُغية نشر رسالة من سبعة عوامل أساسية:
الوحشية: من خلال تسليط الضوء على العنف الذي وجهته داعش لخصومها المزعومين، فإنها لجأت إلى سرد الأحداث من منطلق قوة لعرض مقاتلين يأخذون بالثار بصفتهم ممثلين للإسلام السني.
المعاناة تحت وطأة الظلم: حاولت داعش تبرير وحشيتها من خلال عرض الدمار الذي خلفه أعداؤها، زاعمين أن هذا الدمار كان موجهًا للإسلام السني على وجه الخصوص.
الرحمة: يعرض سرد الأحداث خصوم داعش مثل الجنود السوريين الذين تحولوا إلى تبني قضية أعدائهم السابقين إيمانًا بأن الإذعان لهم أهون من الموت.
الحرب: تُسلط هذه الأعمال الدعائية الضوء على أنشطة المقاتلين من داعش في أرض المعركة والمعدات العسكرية التي اغتنموها من أعدائهم.
الانتماء: يُشير إلى محاولة داعش لجذب مجندين جدد من خلال إرساء روح الود ومعاني الإيحاء بين مقاتلي داعش في العراق وسوريا حيث يعيشون وفقًا لأحكام تفسير الجماعة للشريعة المُضللة.
بناء المجتمع الفاضل: يعرض سرد الأحداث الحياة اليومية في “الخلافة” بوصفها حياة مثالية وتجسيد لإرادة الله في الأرض. وتشمل خطبهم الحديث عن “يوم القيامة” ونهاية العالم.
يُركز كاتبو تقرير كويليام على أن استراتيجيات مكافحة الراديكالية تنصب بصورة هائلة على خطابات داعش التي تحث على العنف دون الاكتراث عادةً بالرسائل الأكثر حرفية التي تهدف إلى مساعدة داعش في تجنيد الآخرين.
ويرد في التقرير أن “الأعمال الدعائية التي تركز على الحياة اليومية في الخلافة نادرًا ما تجد لها مكاناً في السياق العام للصحافة نظرًا لطبيعة موضوعاتها، فالجمهور العام المنصرف عن هذه الأمور لا يأبه بالمجهودات الإدارية التي تضطلع بها الدولة الإسلامية. وعادةً ما يلقى هذا المحتوى التجاهل التام، بالرغم من أنه لا يقل أهمية عن محتوى العنف عندما يتعلق الأمر برواج اسم داعش”.
استراتيجية لمكافحة سبل داعش في سرد الأحداث
قلما لجأت أي جماعة إرهابية في العهد الماضي إلى استخدام هذه التعقيدات المتطورة للرسائل الإعلامية لداعش. فقد أمد الإنترنت إرهابيي العصر الحديث بمنبر إعلامي ضخم مُتاح بلغات عدة، الأمر الذي لم يكن متاحًا لأي من المتطرفين الذين تبنوا العنف سابقاً. ومن ثًم يجب على أي استراتيجية لمكافحة داعش أن تفعّل هي الأخرى عبر الإنترنت للتخفيف من انجذاب غيرها من المتطرفين لها.
وفي هذا الصدد صرح صاحب السمو الملكي الأمير السعودي تركي الفيصل، أحد مؤسسي مؤسسة الملك فيصل في حديثه للسفراء العرب في سبتمبر/أيلول 2015 قائلاً: “يجب على جميع الوكالات الأمنية أن تكثف جهودها للتصدي لداعش التي تسعى لتجنيد الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”.

لكن ماهي الأستراتيجية التي ينبغي على التحالف استخدامها ضد داعش؟ يقترح رشاد حسين، المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية لإجراء الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، توجيه معظم الرسائل المُصممة لمكافحة داعش من خلال أصوات جديرة بالثقة في العالم العربي، كذلك من خلال الرد على الأعمال الدعائية لداعش: الفكرة مقابل الفكرة. ويجب أن لا تنحصر استراتيجية الاتصالات المذكورة على مهاجمة تصرفات داعش فحسب، بل عليها أيضًا مواجهة الأيدولوجيات الملتوية التي تُساعد على بقاء داعش.
وفي أحد النُهج التي تبناها حسين، تشمل الاستراتيجية خمسة عوامل تُكمل بعضها البعض: تفسير الردود الإسلامية للحد من التجنيد والحد من جاذبية داعش والتركيز على تجارب الراديكاليين والضحايا المسلمين السابقين في داعش وتعزيز أساليب سرد الأحداث بشكل إيجابي ومواجه لداعش والحفاظ على حضور إقليمي قوي عبر الإنترنت.
ووفقًا لما أشار إليه حسين في خطابه بأبو ظبي: “إذا كان الإرهابيون يدعون الناس إلى طريق يزعمون أنه طريق الحق والصلاح، فعلينا أن نعلنها صريحة إن طريق الإرهابيين ما هو إلا طريق مُحرم مليء بالكفر. وإذا كانوا يزعمون أنهم يُدافعون عن الإسلام والمسلمين، فعلينا أن نبيّن بوضوح كيف أنهم يدمرون المجتمعات الإسلامية. وإذا كان الإرهابيون يسعون لإقناع الشباب بأنهم يلتحقون بالفريق الرابح، فيتحتم علينا إقناع هذه الفئة المستهدفة بأنهم سينضمون إلى الفريق الخاسر.”
وقد صرح أيضًا بعض القادة مثل صاحبة السمو ملكة الأردن رانيا عبد الله بأن الدعاية لمكافحة داعش أمر جلل لنشر السلام.
وقد ذكرت أيضًا في مؤتمر بباريس حول الشباب في أغسطس/آب 2015 بأنه بالرغم من المجهودات العسكرية المبذولة لهزيمة داعش، يلزم على المسلمين القيام بالمزيد فيما يخص الناحية الأيدولوجية. “نحن لا نساعد داعش بطريقة فاعلة، لكننا لا نسعى لردعهم بطريقة فاعلة”. ولن نقدر على التصدي لهم إلا إذا اتفقنا، نحن- المسلمين- على ما ندعمه… كذلك وكيفية التعامل مع الأيديولوجية الإرهابية التي تتنامى ضد معتقداتنا الإيمانية المسالمة والرحيمة.”
وقد أدان مئات العلماء المسلمين جرائم داعش وأقروا أن هذه المنظمة ليست بإسلامية ولا بدولة ولا بخلافة. لكن يجب تعميم هذه الرسالة بطرق مبتكرة عبر الإنترنت لنقدم للشباب المحتمل تجنيدهم لدى داعش سببًا قويًا يدفعهم للمشاهدة. ففي بعض الحالات، يُمكن أن تتضمن أساليب سرد الأحداث شبابا وهم يردون على ما تعرضوا له من ظلم من خلال الأعمال الخيرية بدلاً من اللجوء إلى العنف.
آراء المقاتلين السابقين
يُمثل جزءًا مهمًا من التصدي لحملة داعش الإعلامية الشهادة الصادرة عن المقاتلين السابقين لديها ممن قرروا الخروج عن الجماعة. فمن شأن الانتقاد الموجّه لداعش من المطلعين على شؤونها الداخلية السابقين تدمير صورتها القائمة على التكافل والتركيز على أوجه النفاق الذي تنتهجه القيادة ومن ثمّ الحد من عمليات التجنيد المستقبلية. وقد درس المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي تجارب 58 شخصًا من المنشقين عن داعش، ونصفهم من منطقة الشرق الأوسط، ثم حدد أربع حكايات سردية تتناول شكاواهم التي عانوا منها.
