بعثات الأمم المتحدة توفر التدريب العملي لكازاخستان لتحديث جيشها
مقال للمقدم بويرزان نجماتولن/القوات المسلحة الكازاخستانية
تصوير رقيب تريسي ر. مايرز/الجيش الأمريكي
من بين المهام التي تضطلع بها القوات المُسلحة الكازاخستانية هي المشاركة في عمليات حفظ السلام والعمليات الإنسانية وغيرها. ولتحقيق هذه الأهداف، فإنها تضع العقيدة العسكرية المعلومات والالتزامات غير العسكرية السياسية-الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية والإنسانية على رأس أولوياتها. إن بيئة القرن الحادي والعشرين متقلبة ومحفوفة بالمخاطر، حيث تنشأ النزاعات بسبب الاختلافات الإقليمية والعرقية والدينية. وتشهد التحديات التقليدية تغيرات سريعة، ومن أجل الاستجابة للتهديدات الأمنية الجديدة غير المتوازنة، يتعين على الجيش توظيف أساليب وتقنيات مبتكرة والعمل بكفاءة في البيئات متعددة القوميات وفيما بين الوكالات.
وفيما يتعلق بالعقيدة العسكرية، يتضح أن أنشطة السلام تمثل إحدى الركائز الأساسية لسياسة الأمن القومي التي تنتهجها كازاخستان. وتتسم مشاركة كازاخستان الفعالة في عمليات السلام عملاً

بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالأهمية من أجل تعزيز موقفها العسكري- السياسي وتحقيق مصالحها الأوسع نطاقًا، إلى جانب دعم مكانتها على الصعيد الدولي. علاوة على ذلك، فقد أطلقت الدولة وكالة الإغاثة الخاصة بها، وهي وكالة كازاخستان للتنمية الدولية (KAZAID).
تعتبر منطقة جنوب وسط آسيا منطقة غير مستقرة حيث تشهد نشاطًا ملحوظًا للمنظمات الإرهابية المتطرفة ومُهربي المخدرات، مع انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة. وتحتاج كازاخستان في هذا الصدد إلى إيجاد توازن للقوى يضمن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد أشارت كازاخستان إلى أنها ستعتمد في المقام الأول على قدراتها الذاتية على أي حال. ومن غير المحتمل أن تواجه كازاخستان تهديدًا تقليديًا مباشرًا، لذلك نجد أن أولى أولويات القوات المسلحة الكازاخستانية هي الاستعداد لتنفيذ المهام القتالية والنزاعات منخفضة الشدة ومتوسطة الشدة. وللتعامل مع هذه النزاعات بالتحديد، تحتاج كازاخستان إلى جيش صغير ومحترف ويحظى بقدرة كبيرة على التنقل إلى جانب تقديم دعم أفضل للإدارة وأنظمة التحكم والاتصالات والمعلومات عما هو قائم. وتواصل عقيدة كازاخستان العسكرية تشكيل القوات المسلحة الكازاخستانية بعد أن كان جيشها قائمًا على الحشد الجماهيري عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تحول من جيش حربي على نطاق واسع إلى جيش مُكون من تشكيلات ألوية أصغر حجمًا قادر على التعامل مع النزاعات منخفضة الشدة وإجراء العمليات العسكرية التي من المحتمل أن تواجه البلاد.
وفي هذا الصدد، لعبت الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي دورًا في غاية الأهمية لتحويل القوات المسلحة الكازاخستانية من جيش دفاع إقليمي تقليدي إلى قوة تدخل سريع محترفة ومتطورة تكنولوجيًا وقادرة على مجابهة التهديدات في بيئة أمنية متنوعة.
قدرات حفظ السلام
بدأ قرار وزارة الدفاع الكازاخستانية باتخاذ أولى خطوات التعاون مع الدول الغربية بشكل حذر بإنشاء قوات حفظ السلام في عام 2000، تشكلت كتيبة حفظ السلام الكازاخستانية (KAZBAT) للوفاء بالتزامات حفظ السلام والأمن الدولية. وقد كانت الوحدة العسكرية الأولى في تاريخ كازاخستان التي تتكون فقط من أفراد خدمة عسكرية متعاقدين. ولتحسين القدرة على إجراء عمليات حفظ السلام، أُعيدت تسمية تشكيل لواء الغارات الجوية المستقل الثامن والثلاثين إلى تشكيل لواء حفظ السلام الكازاخستاني (KAZBRIG)، وقد أصبحت كتيبة حفظ السلام الكازاخستانية جزءًا من KAZBRIG في أكتوبر 2007 وفقًا لتوجيه وزارة الدفاع الكازاخستانية. ولتعزيز قدرات حفظ السلام وتنفيذ خطة التعاون بين كازاخستان ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدول الأعضاء بها، تم افتتاح أول مركز للشراكة مع دول آسيا الوسطى للتدريب على حفظ السلام – ويُسمى مركز كازاخستان (KAZCENT) – في الأول من يوليو، 2008، في مؤسسة القوات البرية العسكرية في كازاخستان. والهدف الرئيسي للمركز هو تدريب الأفراد العسكريين في كازاخستان ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وشركائها على المشاركة في عمليات حفظ السلام.
وقد أقام مركز كازاخستان ما يزيد على 30 فعالية، شملت دورات تدريبية بعنوان “المصطلحات العسكرية الإنجليزية في العمليات متعددة الجنسيات”، و”الإجراءات الإدارية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، و”التفاعل العسكري-المدني”. في عام 2012، ولتعزيز قدرات حفظ السلام الخاصة بمركز كازاخستان، وقَّعت وزارة الدفاع الكازاخستانية ووزارة الدفاع الأمريكية خطة تعاون على مدى ثلاث سنوات لدعم الشراكة مع كازاخستان لصالح مركز تدريبات حفظ السلام.
وفي 2003، بدأت كازاخستان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عملية نسر السهوب، وهي تدريبات سنوية مشتركة لحفظ السلام. ومنذ 2012، تتم إقامة تدريبات نسر السهوب في إطار الشراكة مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإحلال السلام مع التركيز على التدريب وتعزيز قدرات حفظ السلام. وفي نفس العام، وقعت كازاخستان على خطة عمل فردية للشراكة مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويشارك أفراد عسكريون من ثماني دول في التدريبات. في أغسطس 2013، شارك ما يقارب من 1600 فرد عسكري من إيطاليا وكازاخستان وجمهورية قيرغستان وليتوانيا وسويسرا وطاجيكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومراقبين من بيلاروسيا وألمانيا وإسبانيا وأوكرانيا. خلال التدريبات، اجتازت أولى كتائب تشكيل لواء حفظ السلام في كازاخستان، وهي KAZBAT-1، تقييم منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يجيز عملها مع قوات المنظمة في عمليات دعم السلام الدولية. وهي أولى دول آسيا الوسطى التي تحقق ذلك.

يتم إجراء تدريبات حفظ السلام في الغالب في إطار التعاون العسكري الثنائي مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا وألمانيا وفرنسا والدول الأخرى. وقد قدمت الولايات المتحدة أكبر مساهمات في التدريب والتزويد بالمعدات لتشكيل لواء حفظ السلام الكازاخستاني KAZBRIG. فقد تلقى تشكيل اللواء 101 مركبة ذات عجلات متعددة الأغراض وقدرة عالية على التنقل، إلى جانب معدات الاتصالات والحماية الشخصية والأعمال الهندسية. وقد أنهى تشكيل لواء حفظ السلام في كازاخستان KAZBRIG، ومقره ألماتي، الفصول الخاصة بتدريبات حفظ السلام واللغة، مع تركيب معدات الوسائط المتعددة، بالإضافة إلى إنشاء مركز تدريبات حفظ السلام الخاص بـ KAZBRIG.
المشاركة في عمليات حفظ السلام
أكدت الشهادة التي منحتها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتشكيل لواء KAZBRIG قدرة الأخير على العمل في بيئات حفظ السلام متعددة الجنسيات بتفويض من الأمم المتحدة. وفي 2013، أعلنت حكومة كازاخستان، بما يتوافق مع عقيدتها العسكرية، عن خطتها للمشاركة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. بعد تنفيذ أنشطة حفظ السلام الممتدة، تم التعاون بين وزارتي الدفاع والخارجية الكازاخستانيتين لبدء أعمال تطوير معينة في هذا المضمار. وقد اقترحتا عدم تضمين البعثات التي من شأنها التسبب في حدوث ردود أفعال مختلفة من جانب شركاء كازاخستان الرئيسيين أو المجتمع المدني لها، وذلك لمراعاة الممارسات السياسية والتوافق مع مصالح السياسة الخارجية لكازاخستان.
بدأت أولى تجارب كتيبة حفظ السلام الكازاخستانية في عمليات إحلال السلام في العراق في 2003 وامتدت لأكثر من خمس سنوات. وقد شملت قوات حفظ السلام الخاصة بكازاخستان طاقمًا طبيًا ومهندسين وخبراء للتخلص من أسلحة الذخيرة المتفجرة. ونال ما يربو على 300 جندي كازاخستاني خبرة في التخلص من الذخيرة والمتفجرات وتنظيم الأنشطة القتالية. وقام المهندسون العسكريون بتدمير ما يقرب من 5 ملايين قطعة من المتفجرات والذخيرة.
وقد انضم ضابطان إلى بعثات الأمم المتحدة في نيبال وآخر في بعثة إلى جورجيا كمراقب عسكري. كجزء من استراتيجية عسكرية جديدة، خمسة مراقبين عسكريين ارسلوا ضمن مهمة الأمم المتحدة المتعلقة بالأصلاحات في الصحراء الغربية (مينورسو)، وأثنين مراقبين ارسلوا الى مقر عمليات الأمم المتحدة الى كوت ديفوار (UNOCI). فضلاً عن ذلك، تسعى وزارة الدفاع الكازاخستانية لإرسال أول فرقة عسكرية كازاخستانية لبعثات الأمم المتحدة في إفريقيا. وتخطط وزارة الدفاع لإرسال وحدة عسكرية على مستوى السرية، انطلاقًا من فهمها لمدى تعقيد آلية إيفاد ومشاركة الوحدات القائمة بذاتها من دون خبرة كافية، إلى جانب عدم القدرة على نشر مناوبات بديلة للكتائب التي تلقت تدريبًا ملائمًا.
فائدة حفظ السلام
تجري الوحدات العسكرية غالبًا عمليات حفظ السلام في بيئات مُعقدة يشوبها العنف والتقلب والغموض. وربما تتضمن بيئة العمل الحديثة لعمليات حفظ السلام التهديدات المختلطة والدول الفاشلة وغياب سيادة القانون وتفشي الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان والانهيار الاقتصادي والأزمات الإنسانية.
وتتطلب مثل هذه البيئات التي تتسم بالتعقيد عمل القادة والجنود بكفاءة على جميع المستويات، بموجب أوامر واضحة من قبل القائمين على البعثة وباستخدام مهارات قيادية جيدة.
ولا يجب على القادة فقط مشاركة المخاطر مع القيادات العليا لخلق الفرص، وإنما يتعين عليهم أيضًا تعيين المسؤوليات بكفاءة للمحافظة على التوازن بين فن القيادة وعلم الإدارة. فالقدرة على التعاون والعمل مع فريق عمل في بيئة مشتركة ومتعددة الجنسيات هو أمر في غاية الأهمية.

ولكسب الخبرة العملية للحرب في مواقع معاصرة وتحت ظروف واقعية، تشارك قوات عسكرية من عدة دول بنشاط في عمليات حفظ السلام. والمشاركة في عمليات حفظ السلام هو أمر ضروري وجزء مهم من أعمال التدريب المستمرة للقوات بأشكال حديثة من المواجهة المُسلحة، وخاصةً بالنسبة للدول التي لا تشارك قواتها المُسلحة في أية نزاعات.
كما لا يجب النظر إلى المشاركة في عمليات حفظ السلام فقط باعتبارها تسهم في النواحي العسكرية، وإنما هي تتعلق أيضًا بالجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. وفيما يتعلق بالموازنة الداخلية للمشاركة في عمليات حفظ السلام، تتولى الأمم المتحدة تعويض الدول الأعضاء على توفير أفراد الوحدات العسكرية والمعدات وخدمات الدعم لأية عمليات تتم تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة كحافز إضافي.
التوصيات
في 2014، أُجريت عمليات نسر السهوب في مركز الجاهزية العسكرية المشتركة للجيش الأمريكي، وقد كانت أكثر التدريبات المحاكية للواقع لجنود كازاخستان. عندما تم نشر قوات حفظ السلام الكازاخستانية منذ البداية مع معداتها في ألمانيا على طائرتين جديدتين تمامًا من طراز أيرباص C-295، وحتى نهاية التدريبات، أظهرت القوات قدرتها على العمل في بيئة قوات متعددة الجنسيات. وعلى الرغم من جميع التعليقات الإيجابية، لوحظ أن عملية اتخاذ القرار قد اتسمت بالمركزية خلال التدريب. وعلى الأرجح أن تكون هذه هي أهم مشكلات تشكيل لواء حفظ السلام الكازاخستاني KAZBRIG والقوات المسلحة الكازاخستانية برمتها.
تتطلب بيئات العمل التي تجمع بين العمليات المعتادة وغير المعتادة والمُعقدة فلسفة جديدة للقيادة، توضح كيفية التحلي بفن القيادة وعلم التحكم في ساحات قتال القرن الحادي والعشرين. ولمواجهة التحديات الحديثة بنجاح، أعلنت القوات المسلحة الكازاخستانية في 2013 تحولها الكامل إلى جيش محترف تمامًا. يتطلب إنشاء جيش محترف في سياق عصري اتجاهًا متكاملاً ومعقدًا. ومن المهم وضع تصور محدد وواضح للفلسفة الجديدة لنظام التحكم والقيادة، كما يجب أن توفر قيادة البعثة الإرشادات الصحيحة من أجل تغيير ثقافة تنظيم القوات المسلحة الكازاخستانية.
وفي المقابل، يجب على القوات المُسلحة الكازاخستانية تعديل مفهومها الحالي عن عمليات حفظ السلام من أجل العمل بشكل ناجح في البيئات الدولية ومتعددة الجنسيات. أولاً، وبحسب مركز كازاخستان KAZCENT، يتعين على القوات المُسلحة الكازاخستانية إنشاء مركز للتدريب على عمليات حفظ السلام للوحدات العسكرية المحددة. ونظرًا للتعقيد الذي تتسم به عمليات حفظ السلام الحديثة، يتطلب الأمر مستويات عالية من مهارات التدريب والإدارة والقيادة. وفي هذا الصدد، يتعين على الأفراد أو الوحدات العسكرية والمدنية المُعينة للبعثات الخضوع للتدريب برفقة خبراء.
يجب أن تكون تكنولوجيا المعلومات واحدة من أدوات التدريب والتعليم عن بُعد، حيث إن القدرة على الاستجابة السريعة ومشاركة المعلومات بكفاءة هي أمور مهمة للغاية.
ثانيًا، يجب أن يصبح مركز كازاخستان لواء غارات جوية من دون التزامات مباشرة بالمحافظة على السلام والأمن الدوليين، وهو ما يمكن أن يتيح له تصنيف النظم المختلفة لتشكيلات الألوية، ونقاط القوة وأنظمة التدريب على القتال. ثالثًا، يتعين على القوات المسلحة الكازاخستانية تغيير سياستها بشأن النوع وزيادة مشاركة الإناث في تدريبات عمليات حفظ السلام. حيث يمكن للإناث أداء المهام المختلفة كما أن بوسعهن تعزيز قدرات الوحدات، ويجب التدريب على التوعية للعمل مع الجنس الآخر في كل وحدة عسكرية.
ومن الأهمية بمكان أيضًا تحسين تدريبات اللغات الأجنبية لجميع الأفراد العسكريين إذ يستلزم تعقيد العمليات وتعدد الجنسيات والثقافات والتخصصات المهنية وضوح التواصل والفهم خلال عمليات حفظ السلام.
