نساء العراق يسطرن مواقف بطولية في مقاتلة داعش
أسرة يونيباث
تتميز المرأة العراقية بالتفاني والصبر والقدرة على تحمل المعاناة والنتائج الكارثية لموجات الحروب والحصار والعنف والإرهاب على مدى سنوات طويلة. وما زالت المرأة العراقية تكابد وتواصل الحياة، وتشارك الرجل في صنع مستقبل مشرق، وسط الظروف الصعبة والتحديات الخطيرة، من أجل عراق ينعم بالأمن والأمان والسلام والطمأنينة.
نستذكر في هذا المقال بطولاتٍ فذة للمرأة العراقية المقاتلة التي شاركت وتشارك في الدفاع عن وطنها. فهناك عشرات النساء ممن سطرن أروع الأمثلة في البسالة والتضحية وواجهن عدوٍ متغطرس لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، عدوٍ متعطش لسفك الدماء وقتل الأبرياء. هؤلاء النساء أصبحن أهزوجة نخوة للأبطال، ورمزًا للفداء والتضحية، ومصدر الهام لأخوتهن وهم يسحقون رؤوس الإرهابيين على كافة الجبهات.
سنذكر هنا بعض النماذج البطولية لنساء وقفن مع الرجال في صف واحد، نساء من كل الطوائف والمذاهب والأعراق، سجلن مواقفهن الشجاعة في الموصل وفي صلاح الدين والانبار وديالى وآمرلي وكركوك وهن يتصدين لعصابات داعش الارهابية باذلات أرواحهن دفاعاً عن وطنهن وكرامتهن.
نبدأ بالشهيدة البطلة الشيخة أمية ناجي جبارة الجبوري، مستشارة محافظ صلاح الدين لشؤون المراة والرعاية الاجتماعية، التي انتمت إلى عائلة عُرفت بتصديها للمجاميع الإرهابية، وتحديدًا تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له. فلقد قدمت عائلة أمية العديد من الضحايا وفي مقدمتهم والدها ناجي الجبارة شيخ عشيرة الجبور، الذي اغتالته عصابات القاعدة، وعمها عبدالله جبارة، واثنان من إخوتها استشهدوا أيضًا على أيدي قوى الارهاب الداعشية. كانت أمية المحامية، التي تركت أربعة أطفال، في مقدمة المنادين والمطالبين بتطهير محافظتها من الإرهابيين.
مثل سكان بلدتها العلم ، شمال شرق تكريت، الذين ناوؤا داعش، رفضت أمية الذل والخنوع للإرهابيين، وهي القائلة: “نحن أحفاد حمورابي فكيف نسمح لبلدنا أن يكون بلد تحكمه شريعة الغاب؟.” وجاءت فرصتها حينما حملت السلاح إلى جانب مقاتلي العشائر من قبيلة الجبور الذين انبروا للدفاع عن أرضهم. في 22 حزيران 2014 تصدت أمية مع أبناء بلدتها لإرهابيي داعش الذين هاجموا البلدة لاقتحامها، واندلعت اشتباكات مسلحة حامية بين قوة مشتركة من القوات الامنية العراقية وأبناء العشائر ضد الإرهابيين. وفي مواجهة بدت ثأرية لأبيها ولعشيرتها، تمكنت أمية ببندقيتها من قتل ثلاثة من مسلحي داعش قبل أن ترديها طلقة قناص داعشية لتسقط شامخة وتمتزج دماؤها الزكية بتراب وطنها الذي أبت أن يدنسه الدواعش.
صارت بطولتها النادرة حديث الجميع ومثار اهتمام وسائل الاعلام كافة. وتكريمًا لبطولتها، أعلنت مديرية شؤون العشائر العراقية، عن تكريم الشهيدة أمية الجبارة بمنحها هوية شيوخ العشائر، وهي عادة ما تُمنح لشيوخ العشائر الرجال. وأشار مدير شؤون العشائر في وزارة الداخلية اللواء مارد الحسون “إن أمية هي أول امرأة في تاريخ العراق تمنح هذه الهوية، تقديرًا لدورها البطولي في التصدي لعصابات داعش الإجرامية.”

لقد ماتت أمية واقفة كنخلات العراق لكن بطولتها صارت نبراسًا يضيء دروب الثائرين. أمية التي انتشرت قصتها وصورها على وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون وهي تقاتل حتى الموت هي ما دفع مقاتلي العشائر للتطوع واستنهاض الهمم والاستبسال في القتال لاستعادة بلدتهم، وبالفعل تحررت بلدة العلم من سيطرة داعش وعاد إليها سكانها المهجرين في التاسع من اذار 2015.
داعية للسلام
ومثلما ضربت الشهيدة أمية مثلًا في التضحية والفداء، رفضت الشهيدة سميرة صالح النعيمي أن تسكت أمام انتهاكات داعش. كلتا الشهيدتان اشتركتا في مهنة المحاماة وفي الدفاع عن الوطن وحقوق المواطن حتى الشهادة، كن بحق أمة في إمرأة.
عُرفت البطلة سميرة صالح النعيمي بنشاطها في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، وأنشطتها الإنسانية ومساعدة المتعففين والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة. رأت كيف يقوم التنظيم المتطرف بتدمير أماكن العبادة ورموز الحضارة في الموصل، فانتقدت ممارسات داعش على صفحتها في الفايسبوك، واعتبرت في تعليقها على أن تدمير الأماكن ذات الأهمية الدينية والثقافية يعتبرأعمالا “بربرية وهمجية”. ونتيجة لهذا التعليق اختطفت عصابة داعشية الناشطة الحقوقية سميرة من منزلها، وأدينت من قبل ما يسمى بالمحكمة الشرعية بتهمة الردة. ثم قامت مجموعة من الملثمين بإعدامها رمياً بالرصاص أمام مبنى محافظة الموصل في شهر أيلول 2014. وحينما استلمت عائلتها جثتها، وجدوا عليها آثار التعذيب، ولدى استفسار العائلة عن أسباب تعذيب ابنتهم قبل إعدامها، تم إبلاغهم بأنها رفضت التوبة والعودة عن تصريحاتها التي نشرتها على صفحة الفيسبوك الخاصة بها. لم يكتفِ هؤلاء البرابرة بتعذيبها وإعدامها على الملأ، بل تم منع زوجها وأسرتها من إقامة مجلس عزاء لها.
لكن إعدام الناشطة الحقوقية أثار إدانة واسعة، ليس في العراق وحسب، بل في مختلف أنحاء العالم. وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف، “أنه من خلال تعذيب وإعدام محامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان تدافع بشكل خاص عن الحقوق المدنية والإنسانية لزملائها المواطنين في الموصل، تواصل داعش تأكيد طبيعتها السيئة السمعة، التي تجمع بين الكراهية والعدمية والهمجية، فضلًا عن تجاهل السلوك الإنساني القويم وبنحو تام.” وأضاف ملادينوف، “إستهدفت داعش مرارًا الضعفاء والعزل في أعمال وحشية وجبانة تفوق الوصف، وأحدثت معاناة يعجز عنها الفهم لجميع العراقيين بغضّ النظر عن الجنس أو السن أو الدين أو العقيدة أو العرق.”
تضحية بلا حدود عُمرية
هناك العديد من نخلات العراق اللاتي رفضن الخنوع وطهرن أرض الوطن بدمائهن أمثال الشهيدة البطلة نزهة مجيد القيسي من مدينة بيجي، التي تخطت السبعين من عمرها. لم يمنعها كبر سنها من حمل سلاحها، لكن إرهابيي داعش قاموا بإعدامها رميًا بالرصاص بعد أن تصدت لهم ووصفتهم بـ الخوارج.
وليس بعيدًا عنها بطلة عشيرة البو فراج في الرمادي أم مؤيد، والشهيدة البطلة فطيّم الشمري من ناحية ربيعة في محافظة نينوى التي استشهدت أثناء مواجهتها إرهابيين متنكرين بزي عسكري اقتحموا بيتها وحاولوا اعتقال شقيقها. سحبت فطيم الرشاش وفتحت عليهم النار بشكل كثيف فـأوقعت بهم إصابات بليغة، ثم ردوا عليها بإطلاق النار حتى سقطت مضرجة بدمها في ساحة بيتها، بينما فر المجرمون مخذولين مذعورين.
ولا ننسى آلاف النساء والفتيات الأيزيديات والمسيحيات اللاتي قامت داعش بذبحهن، وخطفهن، واحتجازهن، واغتصابهن، وبيعنهن كسبايا في سوق النخاسة كغنائم ومكاسب حرب.
إن تلك المواقف البطولية لنساء العراق تعبر عن حقيقة المواجهة التي يخوضها الشعب العراقي ضد إرهاب العصابات الداعشية، التي تستهدف الجميع دون استثناء. استهدفت الاعتقالات وحملات القتل الهمجية كسر عزيمة العراقيين، لكن العراقيون ازدادوا صمودًا أمام محاولات أعداء الحرية، ونهضوا بكل إرادة وعزيمة بوجه موجات التكفير والارهاب والطائفية.

القوات النسوية
في هذا السياق، أكد تنظيم بنات العراق في محافظة ديالى، أن أكثر من 200 إمراة منه حملن السلاح لمقاتلة عناصر تنظيم داعش. وقالت مسؤولة ادارة ملف التنظيم بالمحافظة سجى قدوري، في حديث للسومرية نيوز: “إن مشاركة نساء ديالى في قتال التنظيمات المتطرفة شرف وعنوان للوطنية، لافتةً إلى أن أمام أبناء ديالى خيارين في مواجهة داعش هما النصر أو الشهادة”.
ومن الجدير بالذكر أن تنظيم بنات العراق أُسس نهاية عام 2007، حيث هدف إلى مواجهة ظاهرة النساء الانتحاريات، وتمكن التنظيم في كشف خيوط العديد من الخلايا الانتحارية النسائية الإرهابية واعتقال أفرادها.
وعلى خطى ديالى، أعلن مجلس عشائر الأنبارعن تطوع أكثر من 50 امرأة ضمن تنظيم نسوي مسلح أطلق عليه اسم بنات الحق.
وقال عضو مجلس عشائر الأنبار، صقر سالم العيثاوي، أن “العشائر في الأنبار لمست الآثار السيئة لعصابات داعش الإرهابية؛ لأنها دمرت المدينة وخربتها وهجرت عوائلها إلى المحافظات الأخرى، ما دفع هؤلاء النسوة لتشكيل هذه القوة.”
ومثل شقيقاتها في الأنبار وديالى والموصل وصلاح الدين، سجلت نساء آمرلي ملاحم في البطولة والشجاعة للدفاع عن الوطن والشرف. وكما وصفتهن وزيرة الدولة لشـؤون المراة الدكتورة ابتهال الزيدي: “سطرت نساء آمرلي ملحمة بطولية في صفحات التاريخ المشرف لبلاد النهرين بصمودهن الشجاع والبطولي بوجه زمر داعش الارهابية التي راهنت واهمةً على حصار المدينة واستسلام أهلها الذين أبوا إلا أن يرفعوا رايات النصر والفخر. لقد تسابقت نساء آمرلي مع رجالها الى حمل السلاح والذود عن مدينتهن وفضّلن الثبات والاستشهاد على الخضوع والذلة وبتسديد من العزيز القدير وعزيمة الجيش وأفواج المتطوعين الغيارى اندحر تنظيم داعش الإرهابي وولّى مدبراً يجر أذيال الخيبة والهزيمة.”
