الاستراتيجية السيبرانية الناجحة تجمع بين القوة الصلبة والناعمة
أسرة يونيباث مع إسهامات من الدكتور دينوس أنطوني كيريغان-كايرو
سببت جماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش البؤس لأعداد كبيرة من الناس في أنحاء الشرق الأوسط وأبعد من ذلك. وما الإعدامات العامة، والتفجيرات، والتعذيب، والاتجار بالبشر، والاستغلال العنيف للنساء والأطفال إلا بعضاً من جرائمها. غير أن طريقتها في الاتصال، لا سيما مع أولئك الذين تخدعهم بالتطوع في صفوفها كانت فعالة. فقد دأب شباب وشابات على السفر من أمريكا الشمالية وأوروبا إلى العراق للقتال مع داعش. وعلاوة على ذلك، حثت دعايات داعش الإرهابيين “المستقلين” على ارتكاب فظائع في دول خارج الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا وفي أماكن مثل بوسطن، وبروكسل، وكوبنهاجن، ولندن، وأوتاوا وباريس.
يستخدم هؤلاء الإرهابيون مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر للوصول إلى الجماهير؛ إنها الطريقة التي بثوا بها فيديو مروع يصور قتل طيار سلاح الطيران الملكي الأردني معاذ الكساسبة في أوائل عام 2015. حدث أن تم انتهاج أسلوب “القوة الصلبة” إزاء استراتيجية داعش الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي- التي تقوم أساساً على إغلاق أو تعليق تلك المواقع، ولكنها تخدم الحلول القصيرة المدى فقط. ففي نيسان/ إبريل 2015، مثلاً، علقت تويتر نحو 10000 حساب مرتبط بداعش يُعتقد أنها كانت تروج لتهديدات عنيفة، مما يسلط الضوء على استجابة الشركة للطلبات المشروعة من الجيوش، والأجهزة الأمنية.
وهذه المحاولات للحد من الدعايات الإرهابية قسراً هي جزء واحد من استراتيجية ولكنها لن تذهب أبعد من ذلك. والواقع، وكمسألة عملية، ستجد الحكومات والجيوش أن من الصعوبة بمكان مراقبة وتنظيم كل شيء ينشره الإرهابيون. ونتيجة لذلك، تُركت عملية مراقبة الإنترنت في معظمها للشركات الإعلامية ذاتها. أبلغت شركة يوتيوب، التي تملكها شركة غوغل، كاتب هذا المقال بأنها تشجع النقاش على الإنترنت ولكن لديها سياسات واضحة تقضى بعدم “تجاوز الخط”، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات والمحتويات المفعمة بالكراهية، أو الضارة أو الخطيرة. ولدى يوتيوب فرق إنفاذ تعمل على مدار الساعة، في استعراض الفيديوهات المحظورة، وتلك التي تنتهك سياسات الموقع تتم إزالتها.

تستعرض يوتيوب أكثر من 100000 فيديو مشبوه كل يوم، وفي عام 2014 أزالت 14 مليون فيديو لانتهاكها لسياساتها. والفيديوهات ذات المحتوى الإخباري الواضح أو ذات الغرض الوثائقي قد تظل على يوتيوب، شريطة تطبيق التحذيرات المناسبة والقيود المفروضة على أعمار المشاهدين. تحرّض مواقع مشاركة أخرى مثلLiveLeak الإرهابيين بعرض منبر آخر لهم لبث رسائلهم العنيفة ليراها الجميع. وربما نعتمد بصورة أكبر مما ندرك على أن تتولى المنابر تنظيم محتواها بنفسها. فشركات مسؤولة مثل غوغل تفعل ذلك، رغم أننا لا نملك السيطرة على آلاف، وربما ملايين المواقع غير المسؤولة، لا سيما تلك الموجودة على “الشبكة المظلمة”، أو شبكة المجهولية تور أو “الشبكة العميقة”.
نهج أكثر نعومة
حتى قبل ظهور داعش، شدد العديد من القادة على أهمية التواصل كـأداة للتصدي لدعاية العدو. وتتطلب أهمية أساليب “القوة الناعمة” هذه كجزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب ديناميكية وتواصلاً فعّالاً.
قال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين عاهل الأردن لشبكة سي إن إن في مقابلة معها في آذار/ مارس 2015، ” هذه حرب داخل الإسلام حيث يتكاتف الجميع ضد هؤلاء الخارجين على القانون، إذا جاز التعبير، وهناك عنصر يلعب دوره في هذه المسألة على المدى القصير هو العنصر العسكري، يليه على المدى المتوسط العنصر الأمني، ثم على المدى البعيد هناك بالطبع العنصر الأيدولوجي”.
إن أهمية المعركة الأيديولوجية، أو مواجهة دعاية العدو -لا سيما مع السرعة التي يمكن أن تنتقل بها المعلومات – تجعل المعركة أكثر تعقيداً. فمثلها مثل الأردن، تدرك المملكة المتحدة هذا العنصر جيداً. فمنذ عام 2011، استخدمت استراتيجية تسمى “المنع” وتستهدف ثني الأفراد عن التورط في إيديولوجيات متطرفة غير عنيفة، التي يُعترف بها على نطاق واسع باعتبارها بوابة للإرهاب. تم تنفيذ هذا العمل داخل المجتمعات المحلية المعرضة للخطر وتنسيقه عن طريق الحكومة المركزية. فمن الأهمية بمكان أن تستمر معالجة التطرف بكافة أشكاله، وفقاً لمؤسسة كويليام، الخيرية في المملكة المتحدة التي ترمي إلى تحدي الخطاب المتطرف بينما تدعم الدعوة إلى بدائل تعددية وديمقراطية. ورغم أن هذه المؤسسة تدعم استراتيجية المنع، فإنها تجادل بضرورة تركيزها على تطوير الخطاب والخطاب المضاد.
والواقع، أن القاعدة والآن داعش وُصفت بأنها منظمات “طفيلية”، تستغل قضية لا تثير اهتمامها – الفقر، أو الفساد أو التوتر العرقي- ثم تتظاهر بأنها “تملك” تلك القضية. ورغم كل شرور القاعدة، وداعش، وحركة الشباب وبوكو حرام، فإنها فعّالة للغاية في إقناع الناس بأنها تقف إلى جانب أولئك الذين يعانون الفساد، والفقر، والاضطهاد، حتى لو كان من يسمعهم لا يتفق مع التطرف العنيف الذي تنتهجه تلك المنظمات. وبطبيعة الحال، فإن هذا القلق المفترض على الفقراء مجرد هراء، ولكن التصدي لهذا الخطاب لا يزال صعباً.
ومن بين الأدوات التي يستخدمها العدو لحشد الاهتمام العروض المرئية والفيديوهات المبهرة والعالية الجودة. صرح الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لصحيفة الشرق الأوسط بأن من الواضح أن داعش جنّدت أشخاصاً من ذوي المهارات في الإنتاج الإعلامي لتحقيق أهدافها. وقال إن داعش “أدركت منذ البداية أهمية استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا لصالحها، واستخدامها في حربها بنفس الطريقة التي تستخدم بها القوات والمدفعية على الأرض”.
تعمل جامعة الأزهر، ودار الإفتاء ومرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لها معاً للتصدي للدعاية الإرهابية. فهي تراقب، وتحدد وتواجه فكر داعش. مثال ذلك صفحة دار الإفتاء على الفيسبوك، التي أُطلقت عام 2014 لفضح مغالطات وأكاذيب داعش. فهي تنشر ما تحاول داعش أن تخفيه: قتل المدنيين الأبرياء وتدمير المساجد والمواقع التاريخية.
قالت الدكتورة أنستاسيا فيليبيدو، خبيرة بارزة في شؤون مكافحة الإرهاب والسلوك المؤثر، ومقرها جامعة كرانفيلد بأكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة، لكاتب هذا المقال بأنه من الحيوي أن تكون البادئ بتحديد الخطاب. فملاحقة دعاية الإرهابيين ثم تفنيدها سيكون أمراً أقل فعالية:
