تدريب الأسد المتأهب يجمع جيوشاً من 18 دولة
قطعت طائرتان مقاتلتان أردنيتان فالكون إف- 16 السماء وأسقطتا قنابل فوق معقل للعدو إيذاناً ببدء هجوم قوي متعدد الجنسيات. بعد ذلك بوقت قصير، مرقت قاذفتان ب-52 ستراتوفورتريس كالرعد، وفرشتا الأرض بالانفجارات. وأخذت مروحيات الكوبرا والأباتشي تنقض عبر السماء وهي تطلق سيلاً من القذائف، والصواريخ والنيران الثقيلة العيار. تبعت كل هذا هجمة نيرانية من القوات البرية، وفرق القناصة والصواريخ الموجهة التي أطلقتها أنظمة المدفعية الصاروخية العالية الحركة. كان هذا الاستعراض الضخم للقوة في جبل بترا بالأردن، واحداً من الأحداث في ذروة التدريب العسكري الأسد المتأهب.
والأسد المتأهب، الذي يستضيفه الأردن سنوياً، هو أحد التدريبات العسكرية الرائدة للقيادة المركزية الأمريكية ، المصممة لتسهيل استجابة عسكرية منسقة ومتعددة الجنسيات لتهديدات تقليدية وغير تقليدية. وبعد أن دخل سنته الخامسة، جمع تدريب الأسد المتأهب 10000 من الأفراد والمسؤولين العسكريين من 18 دولة في الفترة من 5-19 أيار/ مايو 2015. جاء المشاركون من استراليا، والبحرين، وبلجيكا، وكندا، ومصر، وفرنسا، والعراق، والأردن، وإيطاليا، والكويت، ولبنان، وباكستان، وبولندا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما انضم إلى التدريب فيلق التحالف للرد السريع التابع لحلف شمال الأطلسي.
قال العميد الركن فهد فالح أحمد الضامن مدير العقيدة والتدريب المشترك بالقوات المسلحة الأردنية، الذي قاد تدريب هذا العام “هناك اهتمام متزايد هذا العام بتدريب الأسد المتأهب لما يمثله كملتقى لجميع القادة العسكريين على كافة المستويات الاستراتيجية، والعملياتية والتكتيكية. والتدريب مهم نظراً لما تشهد المنطقة والعالم من ظهور الجماعات المتطرفة البعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية والتي ترتكب جرائم بشعة ضد المؤمنين من جميع الأديان. وهذا يقتضي وجود تعاون مشترك وتبادلاً للخبرات من أجل مكافحة كافة جوانب وأنواع الإرهاب”.

قال اللواء ريك بي. ماتسون، مدير التمرين والتدريب بالقيادة المركزية الأمريكية ، إن التدريب حقق نجاحاً هائلاً- وليس فقط على أساس تحقيقه الأهداف العملياتية. وأضاف، “أن العلاقات في هذه المنطقة تعني كل شيء. وهذ التدريب أقام علاقات جديدة. وهذه العلاقات، التي هي شخصية ومهنية في آن واحد، تقيم أواصر وطيدة بين دولنا وشركائنا”.
في كل عام انضمت دول مثل لبنان بكل فخر إلى الأردن في تدريب الأسد المتأهب. وجلب لبنان هذه السنة بقوام سرية من 60 فرداً، من بينهم خمسة ضباط. وعلى المستوى القيادي شاركوا في عمليات إدارة الأزمات، والتخطيط العملياتي، ووظائف أخرى للقيادة والسيطرة. وعلى مستوى السرية شاركت القوات اللبنانية في مهمات مثل مكافحة الإرهاب وعمليات أمن الحدود، وأجرت تدريباً على الاسعافات الأولية، والاستطلاع والمراقبة، والتدريبات القتالية المتلاحمة.
قال العميد الركن اللبناني غسّان فاضل، “يمكننا القول بثقة إن جميع القوات من الدول الصديقة والدول العربية المشاركة في التدريب أظهرت احترافاً كبيراً، سواء على مستوى المجموعات أو على المستوى الفردي. في هذا السياق، لا بد لي أن أسلط الضوء على الدور الرئيسي للجيش الأردني في التنظيم الجيد لهذا التدريب فضلاً عن توجيهاته التقنية والعملياتية. فقد أتاح ذلك فرصةً للجميع لتبادل الخبرات واكتساب المهارات التي تتميز بها القوات المسلحة الأردنية.
وأوضح أن تدريب الأسد المتأهب يمثل فرصة للقادة العسكريين لمناقشة القضايا على المستويات الاستراتيجية، والعملياتية والتعبوية والعمل معاً. وقال العميد الركن فاضل إن الوحدة اللبنانية استفادت من شحذ الأساليب القتالية التي تتطلب تنسيقاً بين مختلف الوحدات خلال عمليات مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

وأضاف، “أن هذه هي الاحتياجات الرئيسية للجيوش هذه الأيام، بالنظر إلى التوسع الشاسع للإرهاب والخطر الذي يشكله على المجتمعات البشرية، لا سيما مجتمعاتنا العربية، مما يؤثر على وحدتها، وأمنها واستقرارها الاقتصادي إلى جانب التعايش الحر والآمن بين مواطنيها. وتقتضي مواجهة هذا الخطر تعزيز التعاون المشترك والتنسيق بين الجيوش الصديقة وتبادل الخبرات العسكرية في جميع الميادين إلى حد رفع مستوى كفاءة الأفراد المكلفين بمهمة مكافحة الإرهاب، خاصة في المدن والمناطق المتاخمة لها”.
أهداف التدريب
إن تدريب الأسد المتأهب مصمم لتطوير قدرات المشاركين في مجال التخطيط وإجراء العمليات المشتركة. وهو يختبر ويشحذ العلاقات بين القوات العسكرية، والأجهزة الحكومية، والوزارات، والمنظمات الخارجية ضمن بيئة عملياتية غير تقليدية. وإضافة لذلك، تستطيع الجيوش الأجنبية تبادل الخبرات وتحسين التوافقية العملياتية.
وفيما تجرى أحداث التدريب من منطقة الزرقاء في الشمال إلى الطرف الجنوبي للبلاد في العقبة، عرض الأردن طائفة واسعة من الأماكن لتدريب القوات في مجالات مثل مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وعمليات البحث والإنقاذ، والعمليات الإنسانية، وإدارة الأزمات، والمعلومات والعمليات النفسية، والاتصالات الاستراتيجية، والعمليات المدنية-العسكرية، وحماية المنشآت الحيوية، والدفاع السيبراني.
وقبل البداية الفعلية للتدريب، شارك الكثير من الضباط في دورة أكاديمية عُقدت في معهد تدريب عمليات حفظ السلام بالقوات المسلحة الأردنية في الفترة من 20 نيسان/ إبريل إلى 4 أيار/ مايو. والعميد الركن أمجد الزعبي هو آمر المعهد وعمل كمدير في القيادة الأعلى لتدريب الأسد المتأهب. قال إن التركيز الأكاديمي الذي انصب على عمليات صنع القرار العسكري، ساعد في ضمان التماسك في تدريب الأسد المتأهب – وهي عملية إذا فُهمت جيداً تسمح للضباط بالرد على نحو أسرع وبكفاءة على الأحداث غير المتماثلة. وقال، “إننا نعمل في بيئة معقدة، ونتعامل مع جهات فاعلة غير حكومية ، ومجرمين، وإرهابيين، ومتطرفين، وتجار بشر- وكلها جماعات سيئة. وتنتج هذه الجهات الحاقدة طائفة واسعة من التهديدات التي يجب على القوات أن تكون مستعدة لإجهاضها والتغلب عليها”.

ومن بين أمثلة تدريبات الأسد المتأهب للتغلب على تهديدات غير متماثلة، سيناريو تدريب على التعامل مع إصابات جماعية أجري في الزرقاء اختبر مدى التنسيق بين الجيش والشرطة ووزارات الحكومة.
قال العميد الركن فهد، “إن هذا ما تسميه بالنهج الشامل. لا يسعك أن تدير العالم بالجيش وحده. عليك أن تعمل مع الوزارات”.
في السيناريو، ضربت عدة صواريخ منطقة سكنية- حمل أحدها أسلحة كيماوية قتلت وجرحت أطفالاً كانوا يلعبون كرة القدم في ملعب مجاور، من بين آخرين في المنطقة. انضمت إلى الأردنيين قواتٌ من دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة أثناء قيامهم بتأمين المنطقة، وتطهير الضحايا وإقامة مستشفى ميداني.
قال اللواء ماتسون، الذي وصف مثل هذا الحدث بأنه بمثابة أسوأ سيناريو يتطلب استجابة معقدة ومنسقة للغاية عبرالعديد من الوكالات، “لقد جعلوه يبدو بسيطاً للغاية. لقد كان سلساً.”
قال العميد الركن محمد سالم جرادات، رئيس هيئة التدريب في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، إننا في سيناريو كهذا “نسابق الزمن. فالثواني لها قيمة، والاستجابات السريعة والمنسقة ضرورية. وقال لمجلة يونيباث، “كنت فخوراً جداً بذلك التدريب. كان جزءاً صغيراً من الحدث الشامل، ولكني فخور للغاية”.
كان من بين العناصر الجديدة في التدريب إدراج قاذفتي قنابل ب-52 من الولايات المتحدة، انضمتا إلى مقاتلات فالكون إف-16 الأردنية أثناء هجوم مضاد في جبل البتراء. سمحت القاذفتان الأمريكيتان لأطقمهما بممارسة التنسيق في الوقت الحقيقي مع مراقبي الحركة الجوية الأردنيين، مما أعطى المشاركين فهماً أفضل لتكتيكات، وأساليب وإجراءات بعضهما البعض حتى تستطيع الأطقم المتعددة الجنسيات العمل معاً في سلاسة في عمليات محتملة في المستقبل.

قال المقدم محمد العطيات، وهو مراقب جوي للمقاتلات في سلاح الطيران الملكي الأردني، إن مثل هذا التعاون كان ملهماً. “لقد عمل الجميع سوياً- الجيش، والقوات البرية، وسلاح الطيران والبحرية. عملت الحكومة بأسرها باتجاه تحقيق نفس الهدف. وكان ذلك أكثر كفاءة من العمل الانفرادي”. وأضاف المقدم العطيات إن حروب المستقبل لن تكون بين دولتين؛ وستكون بدلاً من ذلك جهوداً متحالفة. “نحن نريد السلام مع جميع الجيران حولنا، ولكن السلام يحتاج أحياناً إلى القوة، لا سيما عندما لا تأخذ دول أخرى (السلام) على محمل الجد”.
تعزيز الوحدة
قال المقدم أحمد حامد الرويني من القوات الخاصة البحرينية إن التدريب يوفر فرصة عظيمة للجيوش لتتعلم من بعضها البعض وتبني صداقات.
وأضاف، “إن الاتحاد قوة. علينا أن نظل متحدين مع أصدقائنا وحلفائنا لتوحيد جهودنا من أجل هزيمة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. نحن أمم تعيش بسلام وتتطلع إلى الأمن والسلام المستدام”.

وقال المقدم عبد الله الحربي، من الدفاع الجوي الملكي السعودي، إن العمل في بيئة متعددة الجنسيات يساعد الجميع في اكتساب خبرة أفضل من خلال معرفة أوجه الاختلاف في التكتيكات العسكرية والثقافات، مع الاستعداد لمواجهة التهديدات المستقبلية: “يتناول التدريب التحديات التي تواجه المنطقة ويوفر أفضل الحلول للكثير من السيناريوهات المختلفة. نحن كذلك نبني الثقة مع أصدقائنا وحلفائنا أيضاً ونلتقي بأصدقاء جدد”.
رأس العميد الباكستاني بدر يوسف وفد بلاده الذي ضم 44 مشاركاً من القوات البحرية، والجيش والقوات الخاصة. وأشاد العميد يوسف بتعاون وتزامن القوات طوال فترة التدريب. وقال، “إن الجميع يتعلمون من بعضهم البعض. إنه تبادل للمعرفة”.
وشدد العميد الركن محمد جرادات على أهمية تبادل المعرفة والخبرة. وقال لمجلة يونيباث، “إننا فخورون جداً لأن نكون مركزاً للتدريب هنا. نحن مدعومون من جلالة الملك القائد الأعلى في سياسته وعلى المستوى الاستراتيجي. نحن مستعدون دوماً للتبادل والتدريب، ونستطيع أن نفعل هذا لما ننعم به من سلامة، واستقرار وأمن. ونرحب بقدوم أشقائنا وأصدقائنا إلينا للتدريب في المستقبل”.
وأعرب اللواء ماتسون عن امتنانه لكرم الضيافة الأردنية: “أود أن أشكر مملكة الأردن لاستضافتها هذا التدريب. لا يسعك أن تطلبشريكاً أفضل”.
لمحة شخصية عن مديرالتدريب: العميد فهد فالح أحمد الضامن
على مدى السنوات الـ 25 الماضية، كرّس العميد فهد فالح أحمد الضامن حياته العملية للقوات المسلحة الأردنية. وبصفته مدير العقيدة والتدريب المشترك، قاد هذه السنة التدريب العسكري الأسد المتأهب.

والعميد الركن فهد حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية، ودرجة الماجستير في الإدارة العامة، ودرجة ماجستير أخرى في الإدارة والدراسات الاستراتيجية. شغل منصب قائد الكلية العسكرية الملكية وقائد مدرسة المدرعات الملكية، إضافة إلى العديد من التكليفات السابقة كمدرس أركان.
تلقى العميد فهد الميداليات والجوائز العسكرية التالية: وسام الاستحقاق العسكري من الدرجة الرابعة؛ وسام الاتقان القيادي؛ ميدالية المشاركة مع قوات حفظ السلام الدولية؛ ميدالية الخدمة مع الأمم المتحدة، وسام الخدمة الطويلة وحسن السير والسلوك؛ وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة؛ ووسام المهارة التدريبية.
التزام الأردن بالتدريب
فيما وراء التدريب العسكري الأسد المتأهب، يمثل التدريب المستمر جزءاً كبيراً من أنشطة القوات المسلحة الأردنية
قال العميد الركن محمد سالم جرادات رئيس هيئة التدريب في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، إن سبب ذلك هو أن تهديدات الحرب غير التقليدية وغير المتماثلة تقتضي أن تكون القوات يقظة وجاهزة لأي موقف.
وأضاف، “إننا نعيش في منطقة تشهد العديد من المشاكل. ويدرك جلالة الملك القائد الأعلى أننا في الخطوط الأمامية في القتال ضد داعش. إننا نشن حرباً ضدهم. فهم يمثلون تهديداً كبيراً. إنهم يقتلون الأطفال. يقتلون النساء. ويشردون الكثير من الناس. إنهم يدمرون قيم البشر. إنهم ليسوا سوى قتلة. ونحن نحاول إنقاذ مستقبلنا منهم، لحماية الأجيال وحماية جميع البشر”.
