عمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار تمثل فرصاً وتخلق عوائق

عقيد (متقاعد) بالجيش الأمريكي وليام فلافين معهد عمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار
نادراً ما تستطيع المجتمعات التي تحاول إيجاد مسار بين الصراع والسلام، الاعتماد على خرائط طريق جاهزة.
وتتعقد هذه المحاولة بحقيقة أن الصراعات لا تنطلق من شرارة واحدة وإنما من جمرات مشتعلة تستعر إلى لهيب مدمر. ففي سوريا، على سبيل المثال، ما بدأ كاحتجاجات تدعو إلى إصلاح سياسي خلال الربيع العربي عام 2011 تصاعد إلى حرب أهلية شاملة تشتمل على عنف طائفي وأزمة لاجئين استغلها الأرهاب. عندئذ امتدت الاضطرابات السورية عبر الحدود إلى العراق المجاور، مسببة مزيداً من الاضطراب والعنف.
تظهر مثل هذه الكوارث الحاجة إلى مساع شاملة لمعالجة الصراعات والمحافظة على السلام. فبعد خدمة في الجيش استمرت 31 عاماً، أكن التقدير لدور الجيش في عمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار. غير أن القوة العسكرية وحدها لا يمكن أن تحقق السلام، مثلما لا تسطيع الجهود المعزولة للمنظمات غير الحكومية، والأجهزة الحكومية والهيئات الدولية. ويجب على الجهات المعنية أن تتضامن من أجل تنسيق المعونات، وحل المشكلات وتعزيز الأمن.
سوف تواصل الدول الهشة والفاشلة خلق الصراع في المستقبل. لقد رأينا كيف سمح غياب الحكم في الصومال للمجرمين أن يقيموا قاعدة لعمليات القرصنة في البحر، ويعيثوا فساداً في التجارة العالمية. وفي أفغانستان، كان للتطرف المتفشي لحركة طالبان تأثير عميق على المستويات المحلية، والإقليمية والعالمية من خلال تنشئة التعصب، والعنف والإرهاب.
وباعتبار الجيوش حول العالم مكوناً أساسياً لمنع الصراعات والتخفيف من حدتها، عليها أن تتصف بالمهارة في عمليات السلام والاستقرار. فقد ركزت الجيوش، تقليدياً، على تحديد التهديدات الخارجية وهزيمتها. ويتعين، طبعاً على الجنود أن يواصلوا ذلك الدور، ولكن القوة وحدها لن تجلب السلام على المدى الطويل. إذ يجب معالجة الأبعاد الأوسع لأي صراع – بما في ذلك المشاكل الاقتصادية، والسياسية، والدينية والمجتمعية. ويلزم للتوصل إلى حلول التطلع إلى ما وراء الأعمال العدائية الراهنة لتحديد الفرص لمعالجة جذور الصراع.
لعبت بعض الدول دوراً عالمياً نشطاً في هذا الصدد. وبالنسبة لهذه القوى، تكون الدبلوماسية الخلاقة على نفس القدر من أهمية التدريب التكتيكي. فباكستان، على سبيل المثال، هي ثاني أكبر مساهم في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ توفر نحو 8480 من أفراد الجيش، والشرطة والخبراء المدنيين سنوياً، وفقاً لإحصائيات عام 2015. ويسهم الأردن بنحو 1680 فرداً في مهام حفظ السلام الدولية حول العالم.
عوائق السلام
ليس من السهل التغلب على الصراعات المتعددة الأوجه. فقضايا مثل تناقص الموارد الطبيعية، والزيادة الكبيرة في أعداد الشباب بين السكان، والفقر، والفساد والشبكات الإجرامية والإرهابية لعبت أدواراً رئيسية في الصراعات الأخيرة وثبتت صعوبة حلها. وهذه التحديات ليست جديدة – فقد أربكت الجريمة، والفساد والإرهاب العالم لقرون طويلة – ولكن هذه التهديدات أصبحت أكثر عبوراً للحدود الوطنية، ويستعين الأعداء بتكنولوجيا متطورة لصالحهم.

ومن العقبات الأخرى أمام السلام أن الجيوش في بعض الأماكن تترك الانطباع بأنها موجودة لخدمة النخبة من القادة والمؤسسات، وليس كل السكان. وهذا يولّد عدم الثقة والاستياء، مما يتيح للمتطرفين والإرهابيين الفرصة لاستغلال الوضع وتجنيد أعضاء جدد وتقويض الاستقرار. وأحد الطرق لإصلاح هذه المشكلة هي من خلال زيادة الكفاءة المهنية للقوات، ولكن هذا ليس هو الحل الوحيد.
وفي حالات أخرى، قد يمارس الجيش سياسة اليد الثقيلة في إدارة الصراع أو الاحتفاظ بالأرض. و لن تكون هذه كاستراتيجية لبناء الاستقرار على المدى الطويل، سوى حلاً مؤقتاً. فمعالجة المشاكل المجتمعية التي تمتد إلى ما هو أبعد من عمل واحد من أعمال العنف، تقتضي خبرات وأعمال الحكومة، والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التجارية وغيرها من المنظمات.
ولكن حتى التعاون بين الأجهزة العسكرية والمدنية يمثل تحديات. فتوحيد الجهات المعنية المختلفة – الجنود، والدبلوماسيون، ورجال الدين، والمنظمات المانحة- لتحقيق أهداف مشتركة، لم يكن دائماً بالأمر الهيّن.
الفرص
رغم ما قد تبدو تحديات ساحقة تواجه السلام، هناك الكثير من الفرص للاستفادة منها.
فبينما استخدم الأعداء التكنولوجيا لجمع المال، ونشر الدعايات والتجنيد وتنسيق الهجمات، يمكننا أن نستخدم نفس التكنولوجيا لتشجيع السلام ودعم الاستقرار حول العالم. وحتى في المناطق النائية، سرعان ما يعتاد السكان على استخدام الإنترنت وغيرها من تكنولوجيا المعلومات.
وهذه فرصة تم تسخيرها خلال الكوارث الطبيعية مثل الزلزال الذي ضرب هيتي عام 2010. فوسط الدمار، استخدم عمال المعونة مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات لتوزيع المساعدات في أنحاء البلاد. كما سمحت هذه التكنولوجيا للعاملين بتقاسم وتبادل الإمدادات، والمعلومات الصحية والشواغل الأمنية. واستطاع عمال الإغاثة وعمال المعونة الحصول على المعلومات بصورة أسرع والاستجابة بشكل أكثر فعالية لمساعدة ضحايا الزلزال.
وأحياناً تحسّن هذه التكنولوجيا المجتمع بطرق أكثر مهارة. ففي شرق أفريقيا، تم تزويد صيادي الأسماك بهواتف نقالة لمساعدتهم في متابعة الأسواق المتغيرة وزيادة أرباحهم. وقبل أن يُزودوا بهواتف، كان الصيادون يفدون جميعاً إلى نفس السوق، مما يسبب وفرة في المعروض من الأسماك. وسمحت لهم تكنولوجيا الهواتف النقالة بتحسين التنسيق حتى يتمكنوا من بيع صيدهم على نحو مربح في أسواق كانت محرومة في السابق.
ويبيّن هذا المثال البسيط نقطة أخرى: أن التعاون – حتى بين المؤسسات الاجتماعية غير الرسمية – يساعد في توطيد أواصر المجتمعات. وينطبق نفس هذا المفهوم أيضاً على قضايا حقوق المرأة. فالمجتمعات التي تتجاهل الإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية لنصف سكانها هي مجتمعات تتجاهل فرص بناء مستقبل أعظم. فالنساء اللواتي يحظين بدعم مجتمعاتهن ينتهي بهن المطاف إلى تقوية مجتمعاتهن.
