أربعة عوامل رئيسية دفعت الشباب إلى إثارة الربيع العربي
إيان جارنر، وليام جوديير، جيفري باين، كيب ويتينغتون، مايكل ويليامز مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
تحدى الربيع العربي العديد من الافتراضات بين المحللين وصناع القرار حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عُنيت إحدى الافتراضات الحاسمة بالسكان من الشباب العربي. قبل الربيع العربي، كان الشباب إما مهمشين من قبل صناع القرار، الذين اعتبروا الشباب غير منظمين إلى حد كبير وغير مكترثين بأن يكونوا لاعبين مهمين في العملية السياسية، أو أنهم كانوا يُعاملون على أنهم تهديد وشيك، كتلة متراصة متجهة إلى التطرف من قبل الحركات المتطرفة . حتى الآن، إن كان الربيع العربي قد أثبت شيئًا، فهو أن السكان الشباب لا يمكن التنبؤ بهم أبدًا وأن وصفهم صعب للغاية.
شكل السكان الشباب العرب الربيع العربي وتشكلوا به على حد سواء. تفاعلوا مع انتصاراتهم الأولية في العديد من الطرق وسحبوا بلدانهم في اتجاهات مختلفة على نطاق واسع. ومع ذلك، كان هناك عدد قليل من القضايا المشتركة التي واجهها السكان الشباب العرب في جميع الثورات العربية. هناك أربعة مواضيع رئيسية إما حشدت الشباب أو شكلت لهم تحديًا في اللحظة الثورية. كانت هذه المواضيع هي الديمقراطية، والاقتصاد الاجتماعي، والتطرف، والثقافة.
تحقيق الديمقراطية
يؤثر وجود جماعات كبيرة من الشباب على تطور واستقرار الديمقراطية. على الرغم من أن السكان الشباب يميلون إلى دعم المؤسسات الديمقراطية، فإن ولعهم بالتغيير السياسي يسهم في الصراع وعدم الاستقرار. وبعبارة أخرى، يمكن للشباب بدء الإصلاح الديمقراطي، ولكنهم قد يعيقون أيضًا تقدم المؤسسات الديمقراطية.
إن أحد الأسباب المحتملة لهذا هو تأثير الأيديولوجية على أعداد كبيرة من الشباب. ولقد ظهرت تلك الحالة بصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن وغيرها من البلدان في جميع أنحاء المنطقة، تبنى الناشطون الشباب أيديولوجيات سياسية جديدة وراديكالية في بعض الأحيان. ساعدت الرغبات المُحبَطة لهذه الفئة الكبيرة من السكان الشباب للمشاركة في العملية السياسية على قبول منهجيات سياسية جديدة. وأصبح الشارع قاعدة لإدارة عملياتهم ، كانت تشكيلاتهم شعبية في التوجه، والتزامهم موجه نحو تغيير الوضع الراهن. منذ ركز الشباب في هذه البلدان على الوصول إلى العملية السياسية، أعربوا عن تفضيلهم بشكل عام (وإن لم يكن بشكل مُوحَّد) للترتيبات السياسية الديمقراطية.

وليس من العجيب أن يشكل الشباب، المعبَّأ بدرجة عالية وذو الدوافع الأيديولوجية، تهديدًا خطيرًا لاستقرار الحكومة. إن لم يكن النظام قويًا أو مرنًا بما يكفي للصمود أمام هذه التحديات، فإنه يجازف بإحداث إعادة التنظيم السياسي (كما هو الحال في تونس) أو حتى الانهيار المجتمعي (كما هو الحال في سوريا).
ومصر هي مثال توضيحي. سبعون في المئة من سكانها تقل أعمارهم عن 34 عامًا، وبعد تردد ذهابًا وإيابًا في عهد حسني مبارك، ارتفعت معدلات المواليد المصرية في عام 2012 لتصل إلى 32 شخصًا لكل 1000 شخص، وهو ارتداد إلى المعدل الذي ورد في عام 1991.
العوامل الاجتماعية – الاقتصادية
يعد الشباب شريحة حاسمة من القوى العاملة، وضمان عملهم واكتفائهم الذاتي هو أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجل ضعيف تاريخيًا في توفير المعيشة لهؤلاء السكان. تخرج الشبان المتعلمين تعليمًا عاليًا من المدرسة فقط لمواجهة الركود الاقتصادي وتقلص أسواق العمل. حوالي 87 في المئة من العاطلين عن العمل في مصر تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا. حتى دول الخليج الغنية بالنفط واجهت أزمات بطالة شباب خطيرة.
هناك عدد كبير من السكان الشباب الذين تنخفض فرص عملهم وتزداد أوقات فراغهم يرتبطون بشكل كبير بالتطرف ومظاهرات الشارع. في الماضي، اتبعت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التوظيف المدعوم من الحكومة لمكافحة هذه المشاكل. ومع ذلك، لا يمكن لهذا النموذج موائمة الحجم الكبير من السكان الشباب وسط الأداء الاقتصادي الوطني الأقل من ممتاز. فإعانات دعم الطاقة في المنطقة هائلة بشكل خاص، وهي ما تمثل حوالي نصف الإنفاق من هذا النوع في العالم. بدلًا من ذلك، تُحاصَر الدول في حلقات مفرغة لا تستطيع الحكومة فيها أن تغطي تكلفة الدعم أو التوظيف، ولكن لا يمكنها التخلص من هذه السياسات خوفًا من إثارة مزيد من الاحتجاجات وأعمال الشغب.
على سبيل المثال، إن التركيبة السكانية وحدها لا تفسر عدم الاستقرار الذي يهز أماكن مثل مصر. ولكن من الواضح أن خلل التوزيع السكاني، وما تعانيه مصر من ضائقة اقتصادية هما العامل الرئيسي في ظهور الثورة الأولى فضلًا عن استمرار الاضطرابات.
التطرف
هل تميل الطفرات الشبابية إلى التوجه نحو التطرف؟ الجواب غير واضح. قبل الربيع العربي، كانت الحكمة التقليدية تملي بأن البطالة والعزلة ستدفعان الشبان، على وجه الخصوص، تجاه الأنشطة غير المشروعة والتطرف. في دراسة أجريت عام 2006، ’’صراع الأجيال؟ الطفرة الشبابية والعنف السياسي،‘‘ استكشف هنريك أوردال العلاقة المزعومة، وخلص إلى أن ’’جماعات كبيرة من الشباب نسبيًا ترتبط بزيادة كبيرة بمخاطر الصراع الداخلي المسلح، والإرهاب، وأعمال الشغب/ المظاهرات. وتشتمل الأسباب الإضافية التي تثير العنف على ’’ التقدم الاجتماعي، والطموح والتوق إلى الاحترام،‘‘ وفقًا للعالم الاجتماعي جونار هاينسون.
ومع ذلك، فإن النقص النسبي في العنف على مدار الربيع العربي — مع الاستثناءات الرئيسية في سورية والأحداث الأخيرة في مصر — يبدو أنه يتعارض مع هذه النظريات.
ولقد رفض بعض المحللين فكرة اعتبار الطفرات الشبابية بمثابة ’’قنبلة موقوتة.‘‘ فستيفاني شوارتز، مؤلفة الشباب وإعادة التعمير بعد انتهاء النزاع: عوامل التغيير، تجادل بأن ’’الطريقة التي برزت فيها هذه الحركات كانت من خلال مشاركة شعبية لامركزية على نطاق واسع‘‘ مكونة من خليط واسع من الشباب ذوي ’’ مصالح وأهداف مختلفة.‘‘
إن التزام الشباب العرب في التظاهر السلمي، حتى في مواجهة العنف القمعي، قوَّض شرعية الادعاء المتطرف أن التغيير السياسي في العالم العربي لا يمكن أن يأتي إلا من خلال العنف.
في الوقت الذي قد لا تؤدي فيه الحركات الشبابية الكبيرة إلى العنف فورًا، من الواضح أن المتطرفين يستهدفون الساخطين والعاطلين عن العمل من الشباب لتنفيذ الأمور الخاصة بهم. والشباب الذين يعانون من البطالة الجزئية أو العاطلين عن العمل يشغلون باستمرار مناصب في المنظمات الإرهابية التي تدفع مقابل الولاء.
الثقافة
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تؤثر الطفرات الشبابية ثقافيًا على المجتمع بمستويات مختلفة. للشباب من عمر 15 إلى عمر 29، شكوى أساسية واحدة، وفقًا للأستاذ رجوي أسعد من جامعة مينيسوتا، وهي عدم قدرتهم على’’تحويل تعليمهم إلى وظائف منتجة.‘‘ وتوجد الطفرات الشبابية في مناطق أخرى، مثل جنوب شرق آسيا، ولكن ما يجعل الطفرة الشبابية أقوى بهذا الشكل الخاص في الدول العربية هو عدم وجود فرص في السوق لصغار البالغين. في مصر، وتبلغ البطالة بين خريجي الجامعات عشرة أضعاف البطالة بين غير الجامعيين.
وفقًا للأستاذ جاك غولدستون من جامعة جورج ماسون، إن الزيادة السريعة في مجال التعليم العالي قبل الثورات الإنجليزية والفرنسية دفعت بالعديد لأن يتساءلوا عن السلطة الحكومية عندما فشل الناس في العثور على عمل يرونه مناسبًا لمكانتهم.

وقد تكرر هذا النمط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى أعوام التسعينات وفي وقت مبكر من أعوام ال 2000، وخاصة بين النساء اللواتي يفوق عددهن على نظرائهن من الذكور في الجامعات في ثلثي بلدان الشرق الأوسط. وفقًا لحافظ غانم من معهد بروكينغز، ’’معدلات مشاركة الإناث في القوى العاملة هي حوالي 25 في المئة فقط.‘‘ مما لا شك فيه، كان هذا التفاوت بين التحصيل العلمي والتوظيف عاملًا في تعزيز مشاركة المرأة في الحركات الثورية.
في منطقة تسود فيها نزعة ثقافية قوية تميل إلى احترام الأكبر سنًا، يشعر الشباب فيها في كثير من الأحيان بالتهميش في العملية السياسية التي يهيمن عليها أعضاء من كبار السن في المجتمع. في نفس الوقت، أدت الأفضلية الثقافية التي تضعها المجتمعات العربية على التعليم إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، في الوقت الذي واجهت فيه هذه الفئة من السكان الشباب المتعلمين تعليمًا عاليًا تضاؤلًا في الفرص الاقتصادية. كان هذا هو الحال بصفة خاصة بالنسبة للنساء مما يزيد في تصدع المجتمعات. والتحدي الرئيسي لارتفاع عدد السكان الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو كيفية التوفيق بين أفكارهم، ورغباتهم وتطلعاتهم مع المعايير الثقافية لمجتمعاتهم.
الخاتمة
في الوقت الذي يستمر فيه الربيع العربي في التكشف ، فإنه من المرجح أن يستمر سكان الشباب العربي في أن يكونوا محركًا رئيسيًا للتغيير نحو تحقيق الديمقراطية، والاقتصاد الاجتماعي، والتطرف، وثقافة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على الرغم من أن الطرق التي تُحْدث فيها هذه الفئة من السكان التغيير سوف تختلف اختلافًا كبيرًا بين البلدان، تظهر هذه المواضيع على أنها الأكثر ملاءمة لشباب المنطقة، وعلى الأرجح سوف تكون مصادر للتعبئة والتكتلات السياسية.
ملاحظة المؤلفين: إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل السياسة الرسمية أو موقف جامعة الدفاع الوطني،أو وزارة الدفاع أو الحكومة الأمريكية.
المصادر: ’’صراع الأجيال؟ الطفرات الشبابية والعنف السياسي،‘‘ هنريك أوردال، الدراسات الدولية الفصلية، 2006، المجلد 50 العدد 3607-629؛ ’’خليج ينمو: مبادرات القطاع العام والخاص ووقائع نتائج توظيف الشباب،‘‘ ورشة عمل مركز الخليج للأبحاث، جامعة كامبريدج؛ ’’بعد الربيع: النمو الشامل في العالم العربي،‘‘ حافظ غانم، مؤسسة بروكينغز، يناير/ كانون الثاني عام 2013؛ ’’معركة ’الطفرة الشبابية،‘‘ ليونييل بيهنر، مجلس العلاقات الخارجية، أبريل/ نيسان 2007؛ التركيبات السكانية للاحتجاجات العربية،‘‘ مقابلة مع رجوي أسعد، أستاذ، كلية همفري للشؤون العامة، جامعة مينيسوتا، مجلس العلاقات الخارجية، فبراير/ شباط 2011 ؛ ’’نصف فرصة: الطفرات الشبابية والانتقال إلى الديمقراطية الليبرالية،‘‘ ريتشارد بي سينكوتا، العدد 13، 2008-2009، مركز وِلسون، التغير البيئي وتقرير برنامج الأمن؛ ’’الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تحديد الطريق إلى الأمام‘‘، و ’’دعم الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: دروس للإصلاح،‘‘ إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، صندوق النقد الدولي؛ في الشرق الأوسط فوز المرأة على الرجل في التعليم والخسارة في العمل،‘‘ كاتريونا ديفيز، سي إن إن، يونيو/ حزيران 2012؛ ’’ سياسة الطفرة الشبابية: من النشاط الإسلامي إلى الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،” ليلى أوستن، مراجعة كلية الدراسات الدولية المتقدمة للشؤون الدولية، المجلد 31، العدد 2 (صيف – خريف 2011)؛ ’’التحول الزلزالي: فهم التغيير في الشرق الأوسط،‘‘ مركز هنري إل ستيمسون ، مايو/ أيار 2011؛ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؛ ’’الشباب و’الربيع العربي‘،‘‘ ستيفاني شوارتز، معهد الولايات المتحدة للسلام، أبريل/ نيسان 2011.
سخط الشباب يُلهِب الحرب الأهلية السورية
إيان جارنر، وليام جوديير، جيفري باين، كيب ويتينغتون، مايكل ويليامز/ مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
تتصف الثورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بانتظام في وسائل الاعلام والحكومة بأنها ناتجة عن التطرف في جميع أنحاء المنطقة. بالتأكيد، فالقيام بثورة هو عمل راديكالي يسنه أولائك المتشبثين بآرائهم. ولكن لا يمكن للفرد أن ينسى أن أي ثورة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تحدث إلا بعد أن حاول المواطنون، وفشلوا، في تحقيق الإصلاحات المعتدلة. كان هذا هو الحال في سوريا.
ظهرت أولى بوادر عدم الاستقرار في ربيع عام 2011، عندما خرج الناشطون إلى الشوارع، ومعظمهم من الشباب، يدعون لمزيد من الحرية السياسية والفرص الاقتصادية. هذه المظاهرات، التي قامت على مستوى القاعدة الشعبية واللامركزية، قوبلت من قبل نظام الرئيس بشار الأسد بالعنف. النظام الذي تهيمن عليه الأقلية العلوية، وهو نظام يحكم مجموعة متنوعة من السكان كانت قد انتفضت من قبْل.
هذه الاحتجاجات المعتدلة، المستوحاة إلى حد ما من الثورات في شمال أفريقيا، اعتبِرت تهديدا كامنا لنظام الأسد. تحرك النظام بسرعة وبقوة كبيرة لإسكاتها. ونجحت الحكومة في وقف المتظاهرين، ولكن العنف لم يؤدي إلا إلى إلهام الآخرين للاحتجاج على النظام. فيما قابل النظام المعارضة بمزيد من العنف، تحول الرأي العام ضد الحكومة. علاوة على ذلك، فإن فشل الدعوات المعتدلة للإصلاح أثنى النشطاء عن مناشدة الحكومة. لا بل أنها اتخذت الخطوة الأكثر صرامة وهي دعم إسقاط نظام الأسد.
